هل تعلم أن مقترح حل الدولتين الذي يروج له البعض كحل عادل وواقعي للصراع العربي الإسرائيلي هو في الحقيقة حل ظالم ومضل ومؤذ؟ هل تعلم أن هذا الحل لا يحقق أياً من الأهداف التي يدعي أنصاره أنه يحققها، بل على العكس، ينكر حق الأمة بأرض فلسطين، ويكرس الوضع القائم من الاستبداد والظلم والاحتلال الصهيوني الغاصب لأرض عربية.
منذ عام 1948م، وتجاه ما يعانيه الشعب الفلسطيني من النكبة والنكسة والاحتلال والتهجير والتطهير والتمييز والقتل والتدمير على يد الكيان الصهيوني، الذي قام على أساس الغزو والاستعمار والسرقة والكذب والخيانة والعنف والإرهاب، وهناك من يحاول أن يفرض على الشعب الفلسطيني حلولاً مسبقة الصنع، تنطلق من فكرة أن الحق يجب أن ينحني للقوة، وأن الضعيف يجب أن يقبل بالمقسوم، وأن الظالم يجب أن يحصل على ما يريد، ومن أبرز هذه الحلول ما يسمى حل الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية، والاعتراف بإسرائيل على الجزء الآخر.
يدعي أنصار هذا المقترح أنه الحل الأكثر عدلاً وواقعيةً وقبولاً، وأنه يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة، وينهي الاحتلال والظلم والعنف والتهجير والتطهير والتمييز، ويفتح آفاقاً جديدة للسلام والتعايش في المنطقة، ويتهمون من يرفض هذا المقترح بأنه متطرف ومتشدد ومتعنت ومتخلف ومتهور ومتسلط ومتعصب، وأنه يعرقل السلام ويزيد من المعاناة ويضيع الفرص ويهدد الأمن والاستقرار.
لا شك أن حل الدولتين لا يستند إلى الحق والعدل، فالشعب الفلسطيني ليس شعباً ضعيفاً ولا مهزوماً، بل شعب صامد ومقاوم، وله حق في أرضه ووطنه وتاريخه ومستقبله، وليس عليه أن يتنازل عن شبر واحد من أرضه، ولا عن حق ملايين اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، ولا عن حقه في الموارد والسيادة، كما أن شعب فلسطين لم يقاوم ويناضل ويضحي من أجل حل وسط، بل من أجل حل نهائي وشامل، يضمن له حريته وكرامته وحقوقه ومصالحه، وينهي له الاحتلال والظلم والاضطهاد والمعاناة.. وإن كان هناك من يجب أن يتنازل ويقبل بالواقع، فهو الكيان الصهيوني، الذي قام على أساس الغزو والاستعمار والتهجير والتطهير والتمييز والقتل والتدمير، والذي لا يملك أي حق أو شرعية في وجوده على أرض عربية.
إذا ما وصل إلى مسامعك أحد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967م، فلا تسرع في الموافقة على ما سمعت، بل تأمل وتدبر: فإن ما يطرح عليك هو مشروع قيام دولة تتنازل عن ثمانين بالمئة من أرضها الأصلية لصالح كيان غاصب ومستعمر، وتتخلى عن حق الأمة في المقدسات، وتتنازل عن حقها في الموارد والحدود والسيادة.. وليس هذا فحسب، بل إن إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل حرب 1967م لا يعني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ولا تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، بل ترسيخ الظلم والنكبة التي لحقت به منذ عام 1948م.
فهذه الدولة الفلسطينية المفترضة، وفق مقترح حل الدولتين، ستكون مجزأة ومحاصرة ومحتلة جزئياً، ولن تتمتع بأي من السيادة والاستقلال والحقوق التي تتمتع بها أي دولة أخرى في العالم، ولن تكون قادرة على حماية شعبها ولا تمثيله بشكل حقيقي، ستكون رهينة لإسرائيل ضد مواطنيها، ومهددة بالتدمير والتصفية والتهجير، ومرهونة بالمصالح والشروط والاتفاقيات التي يفرضها الكيان الغاصب والدول الغربية. وعلى هذا الأساس، ستصبح مصلحتها السياسية أن تحافظ على أمن واستقرار العدو الصهيوني، وأن تتعاون معه في قمع أي تحركات أو مقاومة أو انتفاضة من شعبها، وأن تتخلى عن أي مواقف أو مطالب أو دعاوى تحاول أن تجبر العدو الإسرائيلي على وقف سياساته الاستيطانية والتوسعية، وإذا فشلت في القيام بذلك، فستواجه عقوبات وعواقب وخيمة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
إن الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية على أرض الضفة وغزة، خدعة سياسية ووهم كبير، فهذه الدولة المزعومة لن تكون إلا سلطة محلية تحت سيطرة إسرائيل، ولن تمتلك أي من مقومات الدولة الحقيقية، بل ستكون محاصرة ومقيدة ومستعمرة، ومن يدعي أنها ستكون منطلقاً لتحرير باقي فلسطين، فهو يكذب على نفسه وعلى أمته، فالصهاينة لن يسمحوا لها بأن تكون دولة قوية ومستقلة، بل سيفرضون عليها شروطاً قاسية تمنعها من تسليح نفسها أو تنظيم جيشها أو تحصين حدودها، وسيجعلونها تحمل مسؤولية تهدئة شعبها وتثبيته في مواقعه، وإلا فإنها ستواجه العقوبات والاجتياح والعدوان.
وإذا ما أرادت هذه الدولة المفترضة أن تنعم بالازدهار والتنمية، فإنها ستجد نفسها مقيدة بالعديد من الشروط والقيود التي تفرضها إسرائيل والمانحون الدوليون، الذين لا يهتمون بما يخدم الشعب الفلسطيني، بل بما يحفظ مصالح الكيان الصهيوني ويؤمن استمرار الهيمنة الإسرائيلية على الأرض والموارد، وهذا يعني أن الدولة الفلسطينية، في هذا السيناريو السوداوي، لن تكون دولة مستقلة وسيدة لنفسها، بل دولة مرتهنة ومنقوصة السيادة.
فاقتصادها سيكون مرتبطاً بإسرائيل والمنح الدولية المشروطة، التي تحدد لها ما يجب أن تفعله وما لا تفعله، وبالتالي، لن يكون للفلسطينيين أي دور فاعل في تحديد مصيرهم الاقتصادي والسياسي، بل سيصبحون مجرد مراقبين ضعفاء لما يفرضه عليهم الجانب الإسرائيلي والدول الغربية، كما سيتأثر في السيناريو القطاع الخاص الفلسطيني بشكل سلبي جداً، فرجال الأعمال الفلسطينيون سيتحولون إلى وكلاء وموزعين للسلع الإسرائيلية في الأسواق الفلسطينية، دون أن يمتلكوا أي قدرة على الإنتاج والتصدير، والعمال الفلسطينيون سيصبحون عمالة مهمشة ومنخفضة الأجر، تعمل في ظروف قاسية ومذلة في الداخل الإسرائيلي، دون أن تحظى بأي حقوق أو ضمانات، والحكومة الفلسطينية ستصبح حكومة مفلسة ومعتمدة على المساعدات الخارجية، تعجز عن تلبية احتياجات شعبها وتحمي حقوقه، وبهذا، ستفقد القدرة على وضع سياسات اقتصادية تخدم مصالحها وتحقق أهدافها، بل إنها ستصبح رهينة للضغوط والشروط التي تفرضها إسرائيل والدول الغربية المانحة، والتي ستتعارض مع مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وهذا سيؤدي إلى تقييد الوضع الاقتصادي، وتفاقم الفقر والبطالة، وتقويض القدرات الإنتاجية والتنافسية للقطاع الخاص، وتعزيز الاستهلاك والاستيراد على حساب الإنتاج والتصدير.
علاوة على ذلك، فإن قيام هذه الدولة الفلسطينية المفترضة على أساس التنازل عن حقوق شعبها ومطالبه العادلة، والتخلي عن القضية التي ضحى من أجلها أجيال من الفدائيين والشهداء، وبالارتهان للشروط الإسرائيلية والمساعدات الغربية المشروطة، سيجعل منها دولة مستبدة وفاسدة، تحكمها طبقة لا تمثل إلا نفسها ومصالحها مع الكيان الصهيوني، بل وسيكون سكان هذه الدولة مهمشين ومحرومين من حقوقهم الإنسانية والمدنية والسياسية، فهم لن يتمتعوا بالأمن والديمقراطية والعدالة والتنمية، بل سيعيشون في الفقر والبؤس والقهر والذل، وسيواجهون القمع والاعتقال والتعذيب إذا ما أرادوا التغيير أو التعبير عن رأيهم، فهي لن تسمح بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، لأنها تخشى أن يختار الشعب الفلسطيني حكومة تمثله حقاً تلغي الاتفاقيات المشبوهة مع الكيان الصهيوني الغاصب، ولذلك، فإنها ستحاول بكل الوسائل الحفاظ على سلطتها ومنع أي تحرك شعبي أو سياسي يهدد مصيرها، وهكذا، ستكون دولة مستبدة بلا مؤسسات منتخبة فاعلة، ككثير من أخواتها في العالم العربي، شعبها مسلوب في حريته، لا يختار حكامه، وحكامه لا يحمونه بل يحمون غزاته.
على ضوء ما سبق نستنتج أن حل الدولتين هو حل زائف ومضلل، يهدف إلى تقويض حقوق الشعب الفلسطيني وتثبيت وجود الكيان الصهيوني، فهذا الحل يقوم على تقسيم الأرض الفلسطينية إلى دولتين غير متكافئتين في الحجم والقوة والسيادة. فمن جهة، سيحصل الاحتلال الإسرائيلي على 80 % من الأرض، لهم فيها جيش قوي وسلاح واقتصاد مستقل، ومن جهة أخرى، يحصل الفلسطينيون والذين هم أصحاب الأرض على 20 % منها، وهي أراض مقسمة ومحاصرة ومحتلة جزئيا، وليس لهم فيها جيش وسلاح واقتصاد مستقل، هو حل سيكرس في جوهره استبداداً وفساداً وتبعية في الدولة الفلسطينية المفترضة، ويريح العدو الإسرائيلي من نصف الفلسطينيين بين البحر والنهر، ويحصر الشعب الفلسطيني في خمس الأرض، ويحرمه من الثقل السياسي والعسكري في المستقبل، ما يجعل من تحرير الأرض وإسقاط الكيان الصهيوني أكثر صعوبة من أي وقت مضى، والفرق هنا بين الاحتلال الراهن والوضع الذي سينتج عن ما يسمى بحل الدولتين هو أن هذا الجديد سيسمى استقلالاً فيستمر.