التصور بأن مرتزقة (فاغنر) أو (بلاك ووتر)، يمكن أن يقوموا بما عجزت عنه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وباقي الحواشي، في حماية عمليات نهب الثروة النفطية، لا يؤكد إلا على شيئين، الأول: حالة الياس والإحباط التي باتت تسيطر على سلوك الأدوات فما عادت قادرة على تحديد ما ينبغي فعله، بدليل أنه غاب عن حساباتها أن صنعاء حين قررت حماية الثروة النفطية كانت تعي أنها تواجه الشر كله ممثلا بأمريكا فكيف بشركات مرتزقة من يقتلون لأجل المال.
الأمر الثاني: أن هذه الأدوات الموالية لتحالف العدوان لا يبدو أنها في وارد التفكير بأن الوضع القائم الذي دمر البلد وقتل المجتمع قد آن له أن يصل إلى نهاية، والبدء في مرحلة مناقشة تفاصيل إدارة الدولة في المستقبل.
ولن يبتعد كثيرا عن ذات المعنى، إن كان موضوع الاستعانة بشركات المرتزقة يأتي في سياق الصراع بين أجنحة التحالف، فمحاولة التفرد ومصادر الثروة من قبل جماعات ضد جماعة أخرى لا شك أنه يعزز حالة الانقسام ويكرس نزعة الرفض للآخر، فضلا عن كونه ليس من حق أحد أن يصادر حق الآخرين في الثروة، كما أنه في جوهره لا يشير أبدا إلى أننا أمام قيادات تمرّست العمل السياسي والاقتصادي وتتحمل مسؤولية شعب.
الحديث عن إلغاء الآخر، أسطوانة أصبحت مملة ومستحيلة، فضلا عن كون التعاطي مع التفاصيل من واقع الاستئثار بالوصاية، مسألة شبّ عنها المجتمع اليمني الذي يدرك أنه صاحب القرار في من يعيّنه مسؤولاً على إدارة شؤون البلاد.
أمس الأول خرجت الجموع اليمنية الهادرة في مختلف المحافظات الحرة إحياء لذكرى استشهاد الحسين عليه السلام، قبلها بيومين فقط خرجت الجموع انتصارا للقرآن الكريم، وقبلها بأسبوع كان كذلك، ومستعدة للخروج غدا وبعد غد وكل يوم، على نفس المستوى من الاحتشاد والحماس دون أن يملوا أو يفتروا والسبب ببساطة لأن ما تحركهم هي قضاياهم الدينية والوطنية ومطالب حق تعني الكل ولا تعني فئة أو حزباً أو جماعة، في مواجهة آخرين يريدون الاستئثار بكل شيء، والآخرون لهم الموت والفناء.
هذا الشعب هو المرجعية إن أرادوا السير وفق مقتضيات العمل الديمقراطي، أما أن يتعاملوا مع الوطن كإقطاعية يطالبون باستردادها بالقوة فهو عبث لا طائل منه.
بالأمس عبّر بعض الموالين للتحالف عن الأسف لانقطاع المرتبات عن السفراء والدبلوماسيين في السفارات اليمنية وباقي الأسماء الموزعة على أقطار العالم والتي تمثل لهم القاعدة الشعبية والمبرر للحديث باسم اليمن في إشارة إلى ما تسبب به توقف تصدير أو نهب النفط اليمني، لكنهم لم يتحدثوا عن الموظفين في الداخل!! مليون موظف تم نهب مرتباتهم لسنوات، ويواجهون اليوم من يرفع كل العناوين المتاحة ويطوّع كل الثوابت الإنسانية لدعم موقفه بعدم صرف مرتباتهم، ولا نعلم لذلك سبباً الا الإبادة الجماعية لليمنيين.
ما يعلمه الجميع أن قرار صنعاء بفرض سيطرتها ومنع نهب النفط والغاز لم يأت بين عشيّة وضحاها، ولكنه ظل قيد الدراسة، وإتاحة الفرصة للطرف الآخر لتحكيم العقل وتصويب جُرم المساس بحياة الناس، كما أن قرار صنعاء لم ينص على توريد العائدات إلى خزائنها ولكنه طالب بتوجيه هذه العائدات لتغطية مرتبات كافة الموظفين.
إذن فالتعامل بمنطق أن اليمنيين في المناطق الحرة شعب يحتل الأرض ويستحق العقاب الجماعي من تجويع وقطع المرتبات، حتى نفيه إلى قعر البحار والمحيطات، أو تحويله إلى فقاعات تتلاشى لتصير الأرض خالية لهم، ليس إلا منطق من تستهويهم السادية في أعلى مستوياتها وهي السادية الإجرامية والاستمتاع بمشاهدة معاناة الآخرين، كما يستهويهم الإذلال النفسي واضطهاد الذات، من حالة الشتات التي هم عليها في مناكب الأرض.