
لن يهمس أحدهم لوزير التربية والتعليم بأن يضيف مادة جديدة إلى المواد الدراسية أو حتى مجرد موضوع في مقرر والسبب بسيط – لا تمتلك التنمية البشرية كعلم أيا من المؤسسات الراعية والمختصة بها بل إنه متروك لمن لا يجدون مجالا فيلتحقون بها وبين ليلة وضحاها ينصبون أنفسهم مدربي تنمية بشرية وكل يوم يمر يضيفون ثغرا جديدا في جدار هذا التخصص الهام والضروي ليجعلوه جدارا مشوها .
في المدارس لا وجود لشيء اسمه تنمية وبمجرد أن تسأل معلما أو طالبا عن تنمية فسيجيبك بثقة إنها المباني أو جدران السور المحيط بالمدرسة أو أي تنمية أخرى لا تشمل الإنسان ضمنها بل سيصل الحال إلى أن يخبرك أن تنمية الطالب هو حشو رأسه بالمعلومات التي يتخلص منها في قاعات الامتحان أو تلقينه ليحفظ النصوص التي يفكر بالخلاص منها أثناء حفظها .
ثم عندما تنتهي المرحلة الدراسية الأساسية أو الجامعية يكتشف الخريج أن هناك علما كان يفترض أن يواجهه في الفصول الدراسية التى تنقل بينها بكل صعوبة حتى يلهمه في صغره .
صمت غريب
في السادس الأساسي مدرسة بغداد أعقب صمتا غريبا سؤال من منكم سمع عن التنمية البشرية ولم نعثر على كلمة واحدة رغم تجاوز عدد الصامتين السبعين نسمة إلى أن تبرع أحدهم بحيا ونطق بوجود لوحة معلقة خارج السور تتحدث عن السؤال – بالفعل توجد لوحة إعلانية ورقية عند مدخل المدرسة تعلن عن بدء برنامج تدريبي في البرمجة العصبية لمن يرغب في التسجيل والمقصود بالإعلان ليس التلاميذ الصغار الذين لم يسبق لهم السماع بعلم تم تسليمه إلى من لا يستحقونه مطلقا وهاهم يعبثون به كما شاؤوا .
تقدم التنمية البشرية الأمل عبر قصص ونماذج لأفراد ومجتمعات تجاوزوا الصعوبات وحولوها إلى مصادر قوة فما المانع من أن تقدم هذه النماذج الى التلاميذ كي يصنعوا لأنفسهم قدوة ويعثروا على أمل بأن يصبحوا ما يريدون أن هذه القصص هي بمثابة الضوء الذي يسيرون نحوه .
قصص الأفراد الموجودة في المقرر الدراسي محصورة بين أحداث ممتلئة بالموت والقتال والنصر والهزيمة – وجه من وجوه التاريخ ليس إلا فمثلا كل ما يعرفه الطلاب عن نيوتن أنه كان جالسا تحت شجرة فسقطت عليه تفاحة يأخذها ويصرخ وجدتها – هذه رحلة عالم عظيم غير من طريقة حياتنا – لا يوجد نموذج شخصية تعيش في ذهن الطالب وتقدم له صورة لما يحلم به وكل ما تتحدث عنه مناهجنا أجزاء مبتورة من حياة عظماء لم يقدموا كما يستحقوا .
حتى الأحداث المقدمة تأخذ طريقا متعرجا ولا تحمل رسالة إيجابية واحدة يراها الطفل الذي يتعلم كل ما يبعده عن أحلامه وكيف يتنازل عنها دائما .
إيقاع
هل سمعتم عن قصة كفيف عمل مالم يعمله المبصرون ووصل إلى قمة افرست – إلا يستحق صغارنا أن يستمعوا خلال عشرين دقيقة لقصة هذا الرجل الذي لم يتسرب اليائس إلى قلبه لماذا يعرف أطفال الصين وحدهم مثل هذه الحقائق التي تجعلهم يمجدون الأمل ويحلمون بكل شيء وإن كانوا لا يملكون الأساسيات كالعيون مثلا .
ماهو الإيقاع التى ستخلقه هذه القصة كم ستفتح كلماتها مدارك صغار لن ينسوها وسيجعلون رجلا أعمى يقودهم نحو مستقبلهم المشرق وكما في القصة سيصبح لصغارنا أحلاما مرتفعة كأفرست يحاولون الوصول إليها .
وحتى لا نكون مستوردين لكل شيء مع أن القصة الإنسانية هي قيمة مشتركة إلا أنه يمكننا التدقيق في واقعنا لنعثر على ملهمين تحتويهم مقرراتنا الدراسية قصة الملاكم اليمني الذي حقق حلمه بيده اليسرى قصة العداء اليمني الذى لا يمتلك جزمة رياضية ويجتاز آلاف العدائين من مختلف أنحاء العالم ليحتل المركز الرابع عالميا في روما – ألن يصبح هذا حلما يصله الصغار عندما يكبرون .
كل هذه الصور تخلقها التنمية البشرية الغائبة عن كل كتبنا وفصولنا الدراسية فهل سيأتي من يخبرنا أننا نقف على الجهة الخاطئة .
وحتى لا نخلي مسؤولياتنا تماما سنقدم حصة تنمية في صفحتنا هذه من وقت لآخر مساهمة منا في تقديم هذا العلم الذي يتطور كل يوم إلى جيلنا الجديد المحتاج إليه .
