يتفق أغلب السياسيين والمؤرخين والأكاديميين أن مجزرة تنومة التي ارتكبها النظام السعودي على اليمن، منذ أكثر من مائة عام، كانت من الجرائم الوحشية والبشعة التي تحمل أبعاداً سياسية وعقائدية يهدف من خلالها آل سعود إلى تمكينهم من حكم الجزيرة العربية والسيطرة على الشعوب العربية، وذلك بدعم ومساندة من الحكومة البريطانية، وتعتبر هذه المجزرة من الجرائم التي تندرج ضمن الجرائم الدولية الجسيمة التي لا تسقط بالتقادم، ويجب مقاضاة ومحاكمة مرتكبها وهو النظام السعودي أمام محاكم الجنايات الدولية، فقد ارتبطت أهداف هذه الجريمة ارتباطا وثيقا ببواعثها ودوافعها، وما حدث يحمل في طياته أهدافا تتجاوز مجرد سلب ونهب الأموال والقتل وتقطيع الرؤوس إلى بث الرعب في أوساط أفراد المجتمع اليمني، من خلال ترك بعض الحجاج يلوذون بالفرار، وذلك لنقل الجريمة بكل تفاصيلها المرعبة.”
إن الشعب اليمني لم يكن في أية مرحلة من مراحل الصراع مع النظام السعودي إلا مجبرا على الدفاع أمام عدوان وهمجية وتوحش هذا النظام الذي لم يراع أحكام الشرائع السماوية وقواعد وأعراف القوانين المحلية والدولية، ولم يوفر أي أسلوب من الأساليب الإجرامية المتوحشة إلا واستخدمه في مواجهة الشعب اليمني وفي هذا العصر يمكن الاستشهاد بالجرائم الذي ارتكبها وما زال منذ اليوم الأول للعدوان وما تعرض له اليمنيون أطفالا ونساءَ ورجالا من مجازر وحشية وما ألحقه العدوان، من دمار شامل بكل مقومات الشعب اليمني، ليتمكن هذا النظام الإجرامي من السيطرة على اليمن أرضا وإنسانا والنهب والسلب لثرواته السيادية، والتحكم بجزره وممراته الاستراتيجية.
ومما لا شك فيه فالعدوان على اليمن أيقظ شعبنا بكله، وبات الأمر واضحا أننا معنيون في كل حساباتنا وفي كل اعتباراتنا، وفي كل اهتماماتنا وعلى المستوى الثقافي والسياسي والفكري والاستراتيجي في كل تفاصيله معنيون أن نبني حاضرنا ومستقبلنا بناء على هذا الأساس وبناء على أننا شعب يواجه تحديات كبيرة بهذا المستوى الذي نواجهه اليوم وبهذا المقدار الذي نراه ونعيشه اليوم ومعنيون في مناهجنا الدراسية في الجامعات والمدارس في نشاطنا التوعوي ونشاطنا الاقتصادي وفي مسارات حياتنا بكلها أن ننطلق من هذا المنطلق ” هذا ما يؤكد عليه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي يحفظه الله في خطاباته، وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن مجزرة الحجاج الكبرى في تنومة لم تكن سوى جرس الإنذار المبكر للعدوان السعودي على اليمن، وبعدها كان يجب على الشعب اليمني أن يكونوا عند مستوى الوعي الذي يمكنهم من إعداد العدة تجاه هذا العدو ولكنهم غفلوا عن ذلك فعادت مملكة قرن الشيطان لتشن العدوان الظالم والحصار الجائر على اليمن.
وإن ما يحدث منذ تسعه أعوام من النظام السعودي ضد اليمن ليس كما يتوهم البعض نتيجة عدوان استجد أو رغبة عدوانية طارئة بل لم يعرف الشعب اليمني النظام السعودي من أول يوم وحتى يومنا هذا إلا وهم يعتدون على هذا الشعب ويوجهون إليه عدوانهم الغاشم الذي بدأ في مجزرة تنومة ثم بعدها حينا بالحرب والهيمنة والحرب الاقتصادية، وحينا بالحرب الساخنة والمجازر المروعة والحصار وتدمير البنية التحية والمنشآت الاقتصادية الحيوية ونهب الثروات والركائز السيادية للشعب اليمني.
وتحت عنوان ( عدو الأمس هو نفسه عدوي اليوم ) بدأ العدوان السعودي على اليمن قبل مائة عام في مجزرة تنومه الوحشية في العام 1923م عندما أقدم جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد ابن شقيق الملك عبد العزيز على قتل وذبح أكثر من (3000) حاج يمني في وادي تنومه في عسير، حيث كان الحجاج بلا سلاح، وقد أحرموا للحج حيث نفذت هذه المجزرة بدعم من بريطانيا لأبعاد سياسية وعقائدية وظل العدوان على شعبنا قائما والجرح ينزف إلى أن بدأ الإعلان عن العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي من السفارة السعودية في أمريكا في مارس/2015م والنظام السعودي غيب المجزرة تاريخيا بتواطؤ من السلطات اليمنية السابقة والغريب أيضا في هذه الحادثة انه لا يعرفها الكثير من هذه الأجيال إلا من عاصروا ذلك العهد، والبعض القليل ممن عانوا فقدان أقربائهم من شهداء هذه المجزرة، وتم التكتيم عليها عبر عدة أجيال من الشعب اليمني، ولم يتم تذكيرهم أو تعريفهم بعداوة النظام السعودي على اليمن منذ مائة عام، وظل إعلام السلطات اليمنية متجاهلا لتلك المجزرة بناءا على توجيهات من الأنظمة السابقة والمتعاقبة على مدى عشرات السنين والتي كانت ترضخ للعمالة وتستلم ثمن سكوتها وتواطؤها.
فقد تفاجأ أغلبية جيل هذا الزمان عندما سمعوا عن مذبحة تنومه في حق ألاف الحجاج اليمنيين وبدون سبب أو وجود صراعات وحروب بين البلدين وحتى في ظل الحرب، فجميع الأديان والشرائع السماوية تحرم وتجرم مثل هذه الأعمال اللا إنسانية واللاأخلاقية، وكذلك القوانين والأعراف المحلية والدولية تحرم القيام بذلك والى جانب التعتيم الإعلامي كان هناك تعتيم وتواطؤ في الإهمال المتعمد في المناهج الدراسية والجامعية من خلال عدم ذكر وقائع الجريمة الوحشية في حق الحجاج في تنومه وما هي أسبابها والأهداف من وراء ارتكابها وبغرض تعريف الشعب اليمني بأعدائه، وكذلك لم يتم تسمية أي مصالح أو منشآت حكومية بهذا الاسم أسوة بأسماء الشهداء، حيث كان الهدف الأساسي من كل هذا هو طمس معالم الجريمة الوحشية التي ارتكبها النظام السعودي، ولأغراض كثيرة، منها تحسين سمعة هذا النظام الإجرامي، وأخرى من ضمنها التهيئة الفكرية والثقافية لنشر الغزو الفكري التضليلي التي دعا له النظام السعودي، عبر أجندات قام بتنفيذها أتباعهم من المرتزقة وكان لسان الحال في تلك العقود السابقة تقديم المكارم من المخصصات المالية لقيادات الدولة وبعض المشايخ والتدخل السافر في الشئون الداخلية لليمن وقتل القيادات الشريفة والنزيهة التي تسعى لاستقلال وحرية الوطن، وأيضا المساعدات في بناء بعض المدارس والمساجد والتي كان لها دور في نشر الغزو الفكري الدخيل وطمس الحقائق والهوية الإيمانية.
وتعتبر الذكرى المئوية لمجزرة تنومه محطة يستلهم منها الشعب اليمني الدروس والعبر لمعرفة ما يُكنه النظام السعودي من حقد وخبث، وهو ما يستدعي تعزيز التلاحم والاصطفاف الشعبي لمواجهة العدوان الأمريكي السعودي الذي يرتكب أبشع الجرائم بحق اليمن أرضا وإنسانا، وكيف أن النظام السعودي اتخذ جملة من الأساليب منها استخدام النفوذ السياسي والاقتصادي للتأثير على كتابة التاريخ والضغط على الدول أو المؤرخين والباحثين والكتاب بعدم التعاطي مع أي موضوع يتعلق بهذا الشأن إلا بما يتوافق مع رغباتهم ومصالحهم .
حيث أبدت السعودية اليوم انزعاجا كبيرا تجاه الوعي المجتمعي الذي وصل إليه الشعب اليمني بمعرفة مجزرة تنومة وأبعادها وخلفياتها ومدى ما تعرض له شعبنا من ظلم واعتداء تكرر ارتكابه في سنوات العدوان والحصار، والأسباب وراء ارتكاب النظام السعودي لتلك كثيرة، إلى جانب الأسباب السياسية والعقائدية، هناك أسباب أخرى تتمثل في رغبة بني سعود في السيطرة على الجزيرة العربية بدعم بريطاني لضمان إقامة دولة الكيان الصهيوني، حيث لم تكن جرائم النظام السعودي محصورة في مجزرة تنومة على الحجاج اليمنيين فقط، وانما حدثت جرائم أخرى بحق المسلمين في الشام وسوريا والعراق .
والذي يستوجب علينا التحرك السياسي والقضائي لمقاضاة النظام السعودي أمام المحاكم المحلية والدولية، جراء ما ارتكبه مجرموهم لمجزرة تنومه، والعمل على توثيق وقائع وأحداث المجزرة بكل الوسائل والطرق الممكنة وتوثيق شهادة الشهود من أحفاد واقارب الضحايا ومن كان حاضراً في ذلك الوقت ممن لا زالوا على قيد الحياة والعمل على دراسة الجوانب القانونية المترتبة على المجازر التي ارتكبها النظام السعودي الظالم بحق الشعب اليمني بشكل عام ومجرة الحجاج بشكل خاص ابتداء من مجزرة تنومه وشن العدوان والحصار الاقتصادي وتحريك الناشطين من الحقوقيين والمحاميين الشرفاء في داخل الوطن وخارجه وعلى فريقنا الوطني المفاوض طرح القضية ضمن الأولويات لأي ملف يتم طرحه في المفاوضات بين الشعب اليمني والنظام السعودي كون الجرائم والحقوق لا تسقط بالتقادم على مرتكبيها.
وأيضا السعي على إبطال معاهدة الطائف واتفاقية جدة، نظراً لانتهاك السعودية لبنودها وتدليسها وخداعها وغشها في اتفاقية جدة، بالإضافة إلى تفعيل العمل القانوني والحقوقي من اجل الحصول على اعتراف إقليمي ودولي وإعلامي بالمذبحة بوصفها جريمة ضد الإنسانية، وأنها لا تعني اليمن بشكل خاص بل البشرية بشكل عام، وكذلك العمل على إعادة بناء المناهج التعليمية في جميع أنواع ومراحل التعليم العام وتخليدها في كتب ومواد التاريخ وفق أسس علمية ووطنية، ومراجعة كل الدراسات التي تناولت حدوث هذه الجرائم من النظام السعودي وتصحيحها واستكمال النقص فيها والدعوة للمراكز العلمية والأبحاث والدراسات والجامعات المتخصصة إلى إقامة الندوات والفعاليات وورش العمل التي تناقش تفاصيل العلاقات السعودية اليمنية والعمل على توضيح الجرائم والمجازر التي تم تغيبها من قبل النظام السعودي .
والمجزرة الوحشية التي ارتكبتها السعودية في حق أجدادنا مثلت عدوانا سافرا وإجراما مفرطا بحق الشعب اليمني خالف كل القوانين السماوية والوضعية والأعراف الدولية، ولا غرابة في أن تنفذ هذه الأسرة الدموية تلك الجرائم والمجازر بناء على ما يملي عليهم مذهبهم التكفيري، والذي فاقم جرائمهم اليوم في البلاد من قتل وبطش وتعذيب وانتهاكات لا حصر لها حيث وحكام هذا النظام هم أعداء العروبة والإسلام والحضارة والتاريخ وان قتلهم للحجاج هو كتفجيرهم للمساجد والمقدسات فهم لا يقدرون حرمة ديناً ولا دماً .
وعدوانهم الذي يرتكبونه اليوم ضدنا ما هو إلا امتداد للعدوان السابق الذي ارتكبوه في حق الحجاج، ومازال النظام السعودي مستمر اليوم بقتلنا ويرتكب بحقنا المجازر الوحشية ويسفك الدماء ولا يفرق بين طفل ولا أمرآه ولا كبار السن ولم تسلم منهم المواشي ولا حتى الموتى في المقابر، وما يمثله من عدوان سافر على بلادنا ويعمل ينهب ثرواتنا وأموالنا السيادية منذ أكثر من ست سنوات وما زال مستمرا منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا والعدوان اليوم لم يكن لاستعادة الشرعية ودحر الانقلاب كما يدعي النظام السعودي، فقد قتلت قبل مائة عام ثلاثة آلاف حاج يمني وهم ليسوا انقلابين.
حيث ومن ناحية أخرى فإن حكوماتنا المتعاقبة لم تتطرق لذكر المجزرة بشيء ولم تدونها في بطون الكتب بل ضللتنا وضللت الرأي العام بتهميش المجزرة وعدم ذكرها لتُظهر السعودية كأنها حمل وديع وجارة طيبة تحمل كل الحب والاحترام للشعب اليمني فقد مرت ثلاثة أجيال يمنية وهي لا تعرف شيئا عن تفاصيل هذه المجزرة والسبب واضح ومعروف وهو أن الإعلام اليمني منذ قيام الجمهورية وحتى اليوم لم يكن مستقلا استقلالا تاما، ولم يكونوا مالكين لقرارهم وسيادتهم الوطنية بل كانوا تابعين وعملاء أذلاء لبني سعود باستثناء بعض القيادات الشريفة والنزيهة التي عملت السعودية على محاربتهم بكل الوسائل الممكنة لديها، وقامت بقتلهم عبر عملائها من الداخل، ومن هذه القيادات الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، ولكن حينما ملكنا زمام أمورنا وقرارنا وأصبحنا سادات أنفسنا ومستقلين بقرارنا السياسي بدأ الحديث عن هذه المجزرة، وهذا بفضل ثورة 21 سبتمبر التي انطلقت في عام 2014م وبفضل القيادة الثورية الحكيمة التي من الله بها علينا.
وعلية يجب أن تكون مجزرة الحجاج في تنومة ومجازر هذا العدوان السعودي الأمريكي القائم ضمن مفردات حملة التعبئة الجهادية واشتمال المناهج التربوية على مظلومية تلك المجازر، مقرونة بذكر الانتصارات التي حققها اليمنيون من الجيش واللجان الشعبية، وأن تتولى الدولة رفع الدعاوي القضائية ضد المعتدين أمام المحاكم الدولية بشأن ضحايا مجزرة تنومة وتعويضاتهم، مثلها مثل جرائم ومجازر العدوان القائم اليوم وأن يُعاد طرح موضوع تعويضات شهداء تنومة في أية مفاوضات قد تنشأ بين اليمن والنظام السعودي، باعتباره ملفا لا زال مفتوحا ولم تحسمه أي معاهدات سابقة، وخاصة معاهدة الطائف.
وكيل وزارة المالية
كاتب وباحث في الشأن الاقتصادي