قيل إن امرأة مرت على مجلس فقالت : من الفقيه فيكم.. ؟ فأشاروا إلى أحدهم ، فقالت له : كيف تأكل.. ؟ فقال لها : اسمي باسم الله وآكل بيميني وآكل مما يليني وأصغر اللقمة وأجيد المضغة، فقالت له : وكيف تنام.. ؟ قال : أتوضأ وأنام على جنبي الأيمن وأقرأ وردي من الأذكار، فقالت : أنت لا تعرف كيف تأكل، ولا تعرف كيف تنام، فنظر إليها وقال: وكيف الأكل والنوم، فقالت له : ألا يدخل بطنك حراما وكل كيف شئت، وإلا يكون في قلبك غل وحقد على أحد ولا ظلم لأحد ونم كيف شئت ، وأكملت حديثها قائلة : ان ما أخبرتني به هو أدب الشيء وما أخبرتك به هو جوهر الشيء، وهذه القصة تؤكد مدى خطورة تورط مجتمعاتنا العربية والإسلامية بهذه المرحلة التاريخية في المبالغة بالمظاهر وترك التحقق والتخلق بالجواهر، لم ينبهر العرب بملابس الرسول صل الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين ولا بمأكله ومشربه، ولكنهم انبهروا بعظيم وعي كلماته وعدالة رسالته، وصدق مشروعه، وسمو أخلاقه وطيب سيرته وحسن أدبه ولين معاملته، فحولهم من أمة ترعى الأغنام والإبل إلى أمة تقود الأمم، وعلى نهج نبي الأمة عليه افضل الصلاة والسلام وعلى آله، يشدد ويرعى ويشرف السيد القائد – عليه سلام الله ورضوانه – على الدورات الصيفية لأبنائنا أطفالنا ليدخلوا بوابة الجوهر ويخرجوا من أزقة المظهر ..
تأتي أهمية الدورات الصيفية من خلال معادلة بناء العقل والقيم وتطوير المهارات وتحسين التفكير في اتخاذ مواقف الحق، والتخطيط الصحيح والسليم لبناء مجتمع واعٍ ودولة عادلة وقوية، فإذا أردت أن تخطط لعام فأزرع الأرز أو القمح، وإذا أردت تخطط لقرن أزرع الأشجار المثمرة، وإذا أردت أن تخطط لبناء دولة كريمة وعادلة وقوية وحياة حضارية كاملة ودائمة، فازرع وعياً وقيماً ومشروعاً في عقول الأطفال وعلمهم ودربهم وأهلهم وجهزهم تجهيزا عمليا، دينيا وثقافيا وعلميا وأخلاقيا وفكريا، ومن هذا المنطلق تأسست الدورات الصيفية في اليمن، ولهدف واضح وصريح، مسعاه هو تطوير وتحسين عقل ومنطق طلاب الدورات الصيفية، وحصولهم على المهارات الحياتية، وزيادة القدرة على التكيف والتعامل مع المواقف الجديدة، وتحسين التفكير، ومهارات حل المشاكل، وزيادة النمو المعرفي، وتطوير الفكر الإبداعي، وتحفيز التفكير المنطقي، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والداعم المؤيد للحق والخير والصواب والمخاصم والمعادي للباطل والشر والخطأ..
في كل العصور هناك فروق حضارية كما هو الوضع حاليا، الفارق اليوم هو أن المتخلف حاليا يعيش تخلفه وفي نفس الوقت يشاهد تفاصيل تقدم حضارة الآخر، والآخر هو عدوه اللدود، مع الأخذ في الاعتبار أن الفوارق الحضارية قديما لم تكن بضخامة الفروق الحالية، فلم يكن ثمة عصر تكنولوجي حقيقي، ولا ثورة اتصالات ولا غير ذلك من تفاصيل الحضارة الحديثة، وبذلك قد اجتمعت على متخلفي العصر الحديث صعوبة الوضع المتردي لمجتمعاتهم، وكذلك التحسر على الفجوة الحضارية التي يشاهدونها طوال الوقت عبر وسائل الاتصال الحديثة، المشكلة أن عقول مجتمعاتنا خلال فترة قوة عدوها هذه، فقست لوحدها، تمجد وتتبع حضارة عدوها، حتى جثت مكانها لا تتقدم إلا بما يريده عدوها، ولا تطور من إمكانياتها إلا بأوامر عدوها، وكل هذا أدى إلى إلغاء وهدم كافة مشاريع (الوعي والقيم ) في تصرفات وممارسات ومواقف مجتمعاتنا، وقتل الإبداع الفردي والجماعي، والعيش في بيئة الخوف وعدم الثقة بالنفس، وكل هذا حتى ينعدم حامل الوعي والقيم داخل شعوبنا العربية والإسلامية، ذلك الحامل الحقيقي الذي يغذي المجتمع بثقافة ومعرفة (الوعي والقيم والمشروع)..