الثورة نت../
محاضرة اليوم السادس عشر من رمضان 1444هـ لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
استكمالًا لحديثنا بالأمس، عن خطورة ذنب التكبر، وفظاعته، وسوئه، وتداعياته، وآثاره السيئة، وعواقبه الوخيمة، نتحدث اليوم لنسلط الضوء على هذا الموضوع، ولنستكمل بعض النقاط المهمة؛ لأهمية هذه المسألة، وخطورة هذا الذنب، والذي قد يتهاون به الكثير من الناس.
مما يبين لنا خطورة هذا الذنب، ويكشف لنا عن مدى سوئه، وعن مدى عواقبه وآثاره السيئة: هو أنه- كما قلنا بالأمس- ذنب إبليس، وسبب ورطته، وسبب خسارته الرهيبة جدًّا، بالرغم من أنه كان في أجواءٍ يعيش فيها حالة العبادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي أجواء مؤثرة على المستوى الإيماني، في رفقة الملائكة في السماء، وأمضى في ذلك الحال الآلاف من السنين، في أجواء العبادة، في أجواء الذكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في أجواء التقرب إلى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، وبرفقة صفوة خلق الله (الملائكة) الأبرار، الأخيار، الذين كل توجههم هو عبادةٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كل أوقاتهم هي في العبادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فمع ذلك الوضع الذي هو فيه، عندما نشأت في نفسه حالة انحراف، فبدلًا من أن يَعظُم الله في نفسه، بدأت تَعظُم عنده نفسه، ويشعر بالغرور تجاه نفسه، فوصل إلى حالٍ خطيرٍ جدًّا، عندما أتى الاختبار في الواقع العملي كشفه، فإذا كانت حالة التكبر قد تحصل لدى الإنسان، حتى لو كان في بيئة إيمانية، وفي أجواء إيمانية، وفي مسار حياته، في واقعٍ عمليٍ إيماني، وإذا حصلت، تُدمر كل شيء، تُدمر إيمانه، يخسر بها توجهه وعبادته، تؤثر على نفسيته تأثيرًا بالغًا، فإبليس خسر عبادته، خسر مقامه، خسر كل شيء، وخسر مستقبله عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأيضًا ساءت نفسه أكثر وأكثر.
بعض الذنوب خطيرة جدًّا، إذا حصلت من الإنسان، تضرب روحيته الإيمانية ضربةً قاضية، وتفسد نفسيته إلى حدٍ كبير، وتغيره، تغيره تغييرًا خطيرًا جدًّا، فيتحول تحولًا تامًا، من واقع إيماني، إلى واقعٍ مختلف، والتكبر هو من تلك الذنوب، التي لها هذا الأثر السيء جدًّا على نفسية الإنسان، ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في قصة إبليس: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[ص: 73-74].
إذا كان الكفر بكله، بسوئه، وهو في مرتبة العصيان: من أعلى مراتب العصيان، من أسوأ ما يعصي الله الإنسان به، عندما تعصي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالكفر، فأنت بلغت أبلغ درجات المعصية، فالإنسان عندما يعصي الله بالكفر، إذا كان الكفر بكله قد يكون ناتجًا عن التكبر، فرعًا عن التكبر، فهذا يبين خطورة ذنب التكبر.
كما اتضح لنا أنه سببٌ وعاملٌ من الأسباب الرئيسية، والعوامل السيئة، التي دفعت الكثير من الأمم بشكلٍ جماعي، والأقوام، ووجاهات وشخصيات، وتكتلات، وكيانات، ورموز من الطغاة، وشخصيات كانت بارزة في التاريخ، في موقعها، فيما يتعلق بدورها، فيما يتعلق بإمكاناتها، دَفَع بهم ذلك الذنب إلى التكذيب لرسالة الله، إلى المحاربة لرسل الله، إلى المعاداة لأولياء الله، إلى الصد عن سبيل الله، وتلك هي من أكبر الجرائم، ومن أفظع الذنوب، ومن أسوأ المعاصي، تفرعت عن التكبر، فهناك الكثير من الأمم، والكثير من الطغاة، الذين برزوا في التاريخ، وكان لهم موقفٌ سيءٌ جدًّا في المحاربة للرسالة الإلهية والرسل والأنبياء، وكان السبب هو ذلك: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}[الأعراف: من الآية88]، يقول عنهم: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر: الآية43].
ما يتفرع عن التكبر مِن المفاسد الرهيبة، مثل: الصد عن سبيل الله، والظلم لعباد الله، الظلم هو من أبرز نتائج التكبر، الطغاة الظالمون هم مستكبرون، هم متكبرون، وبشاعة ظلمهم وإجرامهم بحق عباد الله، ناشئةٌ عن مستوى تكبرهم، كلما كانوا أكثر تكبرًا، كانوا أكثر ظلماً لعباد الله.
وعامل من عوامل الطغيان والحقد، الإنسان المتكبر يمكن أن يُقدِم حتى على قتل نبيٍ من أنبياء الله، أن يحارب رسول الله، أن يعادي أولياء الله، أن يكون جريئًا على ظلم عباد الله، بأبشع أنواع الظلم؛ لأنه يحتقرهم، ولا يبالي بهم، ويعيش عقدة التكبر والعياذ بالله، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن بني إسرائيل: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}[البقرة: من الآية87]، رسل من عند الله، يأتون إليهم؛ لهدايتهم، لنجاتهم، لإصلاحهم، للتوجه بهم نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحو الخير في الدنيا والآخرة، نحو النجاة من عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بكل ما يمتاز به رسل الله، من الخير، من الكمال الأخلاقي والإيماني، من الرحمة، من الإنسانية، من الجاذبية، في سلوكهم، في أعمالهم، من الكمال المذهل، الكمال الإنساني الراقي جدًّا، يعني: ليس فيهم ما يُنفِّر منهم، أو يبرر التعقد عليهم، أو المعارضة لهم، لا في أنفسهم، ولا في رسالتهم، التي يأتون بها من الله، وهي خيرٌ للناس وإنقاذٌ للناس، فما الذي كان يحصل؟
{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ}، يستكبرون، يحكي عن بني إسرائيل، يستكبرون؛ لأنهم أتوا بما لا تهواه أنفسهم، بما لا يتناسب مع طموحاتهم ورغباتهم الشخصية، فحينها يستكبرون، ونتيجةً لاستكبارهم ماذا يحصل؟ {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}[البقرة: من الآية 87]، هكذا ينشأ ويتفرع عن ذنب التكبر مثل تلك الجرائم:
– التكذيب لرسالة الله.
– التكذيب بآيات الله.
– المعارضة للحق.
– الصد عن سبيل الله.
– القتل حتى لرسل الله وأنبيائه.
على مدى التاريخ تشكلت كيانات، وجماعات، وأقوام، واتجهت بشكلٍ جماعي اتجاه الاستكبار، فالاستكبار والتكبر من الذنوب التي يمكن أن تكون جماعية، أن يتحرك فيها جماعات، كيانات، دول، زعامات ومعها اتباعها، ويمكن أن يكون حالة فردية، حالة شخصية، مثل ما تحدث القرآن أيضًا عن بعض الأشخاص، الذين بلغوا مبلغًا سيئًا في تكبرهم وعتوهم، كحديثه عن فرعون، عن هامان، عن قارون، كأشخاص، يلتف حولهم أيضًا آخرون من المستكبرين.
وأيضًا تمتد سيئة التكبر، ويمتد ذلك الذنب الكبير والخطير جدًّا إلى واقع الضعفاء، الذين يرتبطون بالمستكبرين، هو في نفسه ضعيف، من حيث الإمكانات، من حيث النفوذ، من حيث التأثير، من حيث واقعه، ولكنه يحمل مشاعر التكبر، ولذلك يرتبط بالمستكبرين، ويميل نحوهم، وينجذب نحوهم، ويتفاعل معهم، أو أن عقدة الضعف أثَّرت عليه، إلى درجة أن يتجه في صفهم، حتى وهو يحمل الشعور بالضعف، والبعض أيضًا- مثلًا- من الفقراء، البعض من الناس العاديين، حتى لو لم يكن في واقعه ما يغريه للتكبر، لا في إمكاناته، ولا في منصبه، ولا في اعتبارات معينة، أو إمكانات معينة، ولكنه يحمل عقدة التكبر، ولو تمكَّن، أو حصل على مقام معين، لكان من أسوأ المتكبرين والطواغيت، ولطغى طغيانًا رهيبًا، ولكنه في واقعه مكبَّلٌ، لا يستطيع أن يتحرك وأن يُبِرز حالة التكبر وعقدة الكبر التي في نفسه، تظهر منه في تكذيبه بآيات الله، في صده عن هدى الله، في موقفه وعناده الشديد تجاه الحق، الذي يظهر فيه الأنفة، ويظهر في الاستكبار من تقبُّل الحق، ومن الإيمان بآيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” والتقبُّل لهدى الله “جَلَّ شَأنُهُ”.
عندما يتحدث القرآن الكريم عن فرعون، عن هامان، عن قوم فرعون، عن الأمم والأقوام الماضية، يقدم العنوان الأبرز لموقفهم، وهو الاستكبار: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}[فصلت: من الآية 15]، {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ}[العنكبوت: الآية39]، وهكذا، عندما تحدث عن بقية الأقوام يقول: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ}[الأعراف: من الآية 75]، فتبرز حالة وعنوان الكبر في موقفهم.
ويبرز هذا العنوان أيضًا في الآخرة، في سياق العذاب لهم، إلى درجة أنه يتحول إلى عنوان أساسي، في تصنيفهم، وفي الحديث عن عذابهم، وعن أحوالهم في العذاب.
في يوم القيامة، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن يوم القيامة: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ}[الواقعة: الآية3]، القيامة والمتغيرات التي تأتي فيها من أهم ما فيها: أنها خافضة، خافضةٌ لمن؟ للمستكبرين، المستكبرين في هذه الدنيا، الذين انحرفوا عن نهج الله، الذين تكبروا تجاه آيات الله، لم يستجيبوا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، صدوا عن سبيل الله، في يوم القيامة تخفضهم تلك المتغيرات الرهيبة، لا وزن لهم، لا قيمة لهم، لا أهمية لهم، يُحشرون وهم في حالةٍ من الضعف، والعجز، والاستسلام، والذل، والهوان، والتندم، والتحسر، تنتهي حالتهم تلك، التي كانت في الدنيا.
ويقول عنهم في ساحة القيامة: {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ}[إبراهيم: من الآية21]، يبرز عنوان الاستكبار، وحال الذين انبهروا من مستكبرين في الدنيا، فارتبطوا بهم، وانضموا إلى صفهم، واتجهوا في اتجاههم، فكانوا يوم القيامة في غاية الخسران.
في حالة العذاب في النار والعياذ بالله: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}[غافر: 47-48]، فيبرز هذا العنوان في حال أهل النار: بين مستكبرين، وضعفاء ارتبطوا بهم، كعنوان بارز جدًّا.
يقول أيضًا عن يوم القيامة: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[الأحقاف: من الآية 20]، وفعلًا حالة الإهانة في يوم القيامة حالة رهيبة، في واقعهم، مقارنةً بما كانوا عليه في الدنيا، في حالة الاستكبار والطغيان، حالة رهيبة جدًّا.
ولذلك عندما نتأمل أن هذا العنوان حاضر على مستوى الماضي، وهو أيضا على مستوى الحاضر بارزٌ جدًّا، كيانات الطاغوت، والظلم، والعدوان، والإجرام، والصد عن سبيل الله، والمحاربة لرسالة الله، والسعي للانحراف بالناس عن المبادئ الإلهية، والقيم الإلهية، هي كيانات مستكبرة في عصرنا وفي حاضرنا، الدور الذي يتحرك فيه الأمريكيون والإسرائيليون وقوى الكفر والطاغوت هو استكباريٌّ، هم مستكبرون، هم جبهة استكبار، تسعى للسيطرة على كل المستضعفين، والاستضعاف للمجتمع البشري، والهيمنة عليه، والاستغلال له، والاستعباد له، والانحراف به عن منهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
إذا تأملنا في عصرنا، في واقعنا، في زماننا، من الذي يتولى بشكلٍ أساسي السعي بالانحراف بالناس عن رسالة الله، عن الاتِّباع لرسل الله وأنبيائه، عن مبادئ الحق، عن قيم الخير، عن مكارم الأخلاق، عن القيم الفطرية الإنسانية الراقية، التي تميز الإنسان عن بقية الحيوانات؟ هي تلك الكيانات المستكبرة. من الذي يباشر الظلم للمجتمعات البشرية، القتل للمجتمعات البشرية، النهب لثروات الشعوب، الاعتداء على الشعوب؟ هي تلك الكيانات المستكبرة الظالمة. من الذي يسعى لضرب- حتى- حالة العفة في أوساط الشعوب، وضرب البنية الاجتماعية للشعوب، والسعي لتفكيكها وبعثرتها، من خلال نشر الفساد الأخلاقي، بشكلٍ غير مسبوق في الأزمنة الماضية؟ هي تلك الكيانات المستكبرة، التي تنشر الفحشاء، تنشر المنكر، تروِّج للفساد، أتوا حتى بعنوان (المثلية) لنشر الفساد بشكل غير مسبوق في أرجاء العالم، ولتوفير الحماية له، والدعم له بكل أشكال الدعم، ومحاولة أن يتحول المنكر إلى حالة مقبولة في أوساط الشعوب، هي تلك الكيانات المستكبرة، من المتسبب في بؤس معظم البشرية، في معاناة أكثر المجتمعات، في مختلف القارات على وجه الأرض، من الجوع، من الفقر، من المعاناة الشديدة؟ هي تلك الكيانات المستكبرة، التي تسرق ثروات الشعوب، وخيرات المجتمع البشري، وتسعى للاستحواذ عليها والاستئثار بها. أكبر المفاسد، أكبر المظالم، حالة الطغيان، أكبر الجرائم، أكبر الانحرافات، تأتي من تلك الكيانات المستكبرة في عصرنا.
وهكذا هو في الأزمنة الماضية، تبرز كيانات مستكبرة، يبرز طغاة، ظالمون، مستكبرون، مجرمون، فيؤدُّون ذلك الدور السيئ في واقع البشر؛ من واقع استكبارهم في الأرض، وسعيهم لمحاربة رسالة الله، في قيمها، في مبادئها، في شرعها ونظامها، الذي يحقق للمجتمع البشري الارتقاء في الإنسانية، وأيضا يحقق لهم العدل والخير.
على مستوى الساحة الإيمانية، يجب الحذر والانتباه من التكبر، الإنسان الذي ينشأ في بيئة إيمانية، يعيش في مجتمعٍ مؤمن، عليه أن يكون حذرًا من التكبر؛ لأنه حالة إذا طرأت في نفس الإنسان، وفي واقعه، وفي سلوكه، تمثل ضربةً قاضيةً لإيمانه، كما تحدثنا عن واقع إبليس، كان في ظل بيئة إيمانية، بين أوساط الملائكة، وفي واقع عبادة، يمارس عبادةً معينة.
فحالة التكبر يمكن أن تطرأ للإنسان حتى لو كان في بيئة إيمانية، في بيئة جهادية، في بيئة صالحة، عندما يبدأ الغرور يتسلل إلى مشاعره، إلى نفسه، إلى وجدانه، وتنمو بذراته الخطيرة في أعماق قلبه، ثم تبدأ تعظم عنده نفسه، كلما عمل عملًا صالحًا، أو توفق لشيءٍ، لم تزدد حالته الإيمانية انشدادًا نحو الله بقدر ما كبرت عنده نفسه، حتى تتحول نفسه إلى صنم في داخله، يتوجه كل اهتمامه، تتوجه كل عباداته، كل أعماله، نحو التضخم، ونحو التمحور حول الذات، نحو التعظيم للنفس، يزداد شعوره كلما عمل أكثر، وكلما أنجز أكثر، هي حالة خطيرة جدًّا، هي تسبب للإنسان الانحراف، حتى لو قد استمر في العمل لمراحل طويلة، أو عمل أعمالًا ذات أهمية كبيرة، يمكن أن ينحرف بعد ذلك انحرافًا تامًا.
تمثل عائقًا خطيرًا جدًّا عن تقبُّل الهدى، فالإنسان إذا نمت فيه حالة الغرور والعجب بالنفس، لم يعد يتقبل النصح، لم يعد يتقبل التذكير، لم يعد يرى في أحد أنه في مستوى أن يذكِّره، يصبح عنده موقف حتى ممن يذكِّره، وقد يحتقر من يذكِّره، أو يحمل عنه- فورًا- نظرة سلبية، أنه لا يدرك أهميته وعظمته، أو أنه ينتقص منه، أو غير ذلك، وقد لا يسمح للآخرين أن يذكِّروه، قد يصل إلى هذه الدرجة، ألَّا يقبل منهم حتى أن يذكِّروه أصلًا، ويتكون حاجزٌ بينه وبين التذكر بآيات الله، الاهتداء بآيات الله، الانتفاع بآيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ولهذا حينما قال الله “جَلَّ شَأنُهُ” عمَّن يؤمنون حقيقة الإيمان بآياته: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا}[السجدة: من الآية 15]، من يحملون مشاعر الخضوع التام لله “سُبْح َانَهُ وَتَعَالَى”، والاستسلام التام، والتسليم التام لأمره “جَلَّ شَأنُهُ”، ليس عندهم أي أنفة من أي شيءٍ من أوامر الله وتوجيهاته، عندهم انقياد تام، وطاعة تامة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس هناك في الواقع أي شيءٍ يمكن أن يؤثر عليهم، فينشِئَ فيهم حالة التكبر والأنفة.
{وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[السجدة: من الآية 15]، لن يستكبر تجاه أي عمل هو رضا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أي مهمة عملية هي رضا لله “جَلَّ شَأنُهُ”، ليست الحالة العملية مفصلة عنده بمعايير نفسية، وأهداف نفسية، ومقاسات نفسية، تُرضِي عنده حالة الغرور، حالة التكبر، عنده انقياد تام لأمر الله، وحرص كبير على رضا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
حالة التكبر إذا طرأت في واقع الإنسان- وهو ينتمي الى الساحة الإيمانية- تؤثر على علاقته الأخوية الإيمانية بالآخرين؛ لأنه من حين تبدأ فيه حالة العجب والغرور، تتكون عنده حواجز ما بينه وبين الآخرين على الفور، ولهذا يقول أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيهِ السَّلَامُ” عن العُجب: ((العُجْبُ وَحْشَة))، يبدأ الإنسان يشعر بهذه الحواجز ما بينه وبين الآخرين، وتبدأ نظرته تتجه نحو نفسه، التي تتضخم أكثر وأكثر، نحو ذاته، يتمحور حول ذاته، كلما تمحور حول ذاته أكثر، كلما تكونت تلك الحواجز بينه وبين الآخرين، ثم يصبح المعيار عنده في علاقته معهم: مدى إرضائهم لغروره، مدى تفاعلهم مع حالة التكبر وعقدة الكبر في نفسه، ما مدى الاحترام له ما مدى التعظيم له، ما مدى تعاملهم معه على أساس التضخيم له، يصبح هذا هو الموضوع الأهم، لم يعد ذائبًا في الله، متجهًا نحو الأعمال الصالحة التي ترضي الله، يهمه منهم إيمانهم، اتجاههم نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، صلاحهم، استقامتهم على منهج الله، ينظر إلى كيف هم تجاهه، الموضوع الأساسي دائمًا، والموضوع الأهم على الإطلاق، وليس كيف هم تجاه الله، كيف إقبالهم إلى الله، كيف توجههم الإيماني، وهي حالة خطيرة جدًّا.
ثم هي تضرب إخلاصك لله، روحيتك الإيمانية، تغيّر نظرتك تجاه الأعمال، قد يكون هناك أعمال في غاية الأهمية، لكنها ليست ذات شهرة، ذات سمعة، ليست ترضي حالة الغرور لديك، حالة التكبر عندك، فلا تعطيها أي أهمية ولا أي قيمة، أنت تريد من تلك الأعمال التي لها سمعة، لها شهرة، الصيت لها: أنه من كان فيها له أهمية؛ لأن حالة الغرور، حالة العجب، حالة التكبر، والأهداف الشخصية، طغت على اهتمامك، على نفسيتك.
تكون جريئًا في الإساءة إلى الآخرين في التعامل معهم، تبرز حالة التكبر عندك كسلوك، في تعاملك معهم، الله يقول عن المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية54]، (أَذِلَّة)، هذا هو تعبير ليس وراءه أي تعبيرٍ آخر عن مدى التواضع، عن مدى التواضع الكبير، فحالة الإنسان المؤمن تجاه بقية إخوته المؤمنين، تجاه الناس المستضعفين، هي حالة تواضعٍ تام، لكنَّ الإنسان إذا طرأت له حالة التكبر، تتغير نفسيته، ويتغير أسلوبه في التعامل، يحمل مشاعر الاحتقار للناس، مشاعر الازدراء لهم، ومن ثم يبرز تكبره عليهم كسلوك، في التعامل، في التخاطب، في الكلمات، في طريقة التعامل، وهي حالة خطيرة جدًّا، ثم هي تؤثر على واقع الإنسان.
حالة الإنسان المؤمن هو يتربى- إذا تربى تربيةً إيمانيةً صحيحة- يتربى على الخضوع لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يحرص دائمًا على أن يكون له مكانة عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، طموحاته متجهةٌ في المقام الأول: أن يحظى برضوان الله، بالتكريم الإلهي، الذي له أهمية فوق كل شيء، هو التكريم الحقيقي، هي الكرامة الحقيقية، ولهذا يركز القرآن في مساحة واسعة حول هذه النقطة، عندما يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة: 10-11]، تقريبهم هذا معناه أنهم يحظون بتكريمٍ واسع، تظهر هذه الحالة من التكريم في أشياء كثيرة: فيما يعطيه الله لهم يوم القيامة، فيما ينعم به عليهم، فيما يهيئ لهم، فيما يعطيهم، تظهر مظاهر هذا التكريم يوم القيامة، في معاملة الملائكة معهم: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد: 23-24]، {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}[مريم: الآية85]، مظاهر التكريم كبيرةٌ جدًّا عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعظيمة، وراقية للغاية، راقيةٌ جدًّا.
بينما حالة التكبر هي حالة سلبية جدًّا وسيئة، ومعروف ما حصل لإبليس، تحول إلى صاغر، {مِنَ الصَّاغِرِينَ}[الأعراف: من الآية13]، مذمومًا، مدحورًا، ملعونًا، رجسًا، خبيثًا، لا يحظى بالاحترام عند أحد، لا عند الملائكة، ولا عند الجن، ولا عند الإنس.
المتكبرون تنطبع في نفوس الناس عنهم انطباعات سلبية، يمقتون تصرفاتهم، يمقتون أساليبهم، لهذا آثار سيئة عليهم؛ أمَّا الإنسان المؤمن فهو في تربيته الإيمانية ينشد التكريم الإلهي، والمكانة عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولهذا يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[هود: الآية23]، (وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ)، اتجاههم نحو الله قائمٌ على فهم معنى العبودية لله، والخضوع التام لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتواضع التام مع عباده، مسيرة حياتهم سليمةٌ من التكبر، ومظاهر التكبر، ومظاهر الغرور، ومظاهر الطغيان، طريقتهم في التعامل مع عباد الله قائمة على أساس الرحمة، والإنسانية، والتكريم للناس؛ لأنهم لا يحملون مشاعر الازدراء للناس، ولا الاحتقار للناس، وهذه مسألة مهمة جدًّا.
والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فتح الباب لعباده المستضعفين- كبديل عن الحالة التكبر- أن يمنحهم عزة الإيمان، وعزة الإيمان هي نعمة كبيرة جدًّا؛ لأنها ليست قائمة على حالة الغرور، ولا على حالة الطغيان، ولا على حالة الممارسات الإجرامية، ليست مبنية على عقدة وهمية يعيشها الإنسان في نفسه، ثم يبني عليها تعاملات سيئة مع الناس، فيها ظلم، فيها عناد، فيها رفض للحق، فيها تعنت تجاه عباد الله، وطغيان في التعامل معهم، عزة الإيمان يُبنى عليها سلوك نقي، سليمٌ من شوائب الطغيان، والإجرام، والظلم، والتصرفات السيئة.
الإنسان المؤمن، المؤمنون كما قال الله عنهم: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة: من الآية54]، تبرز عزتهم، وشموخهم، وقوتهم، في مدى ثباتهم على الحق، في مدى مواجهتهم للطغيان، في مدى تحررهم من هيمنة المستكبرين، يبرز شموخهم، ومكانتهم، وعزتهم، في ثباتهم على نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في قيمهم الراقية والأصيلة، في احترامهم لإنسانية الناس، وتكريمهم للناس، واهتمامهم بأمر الناس، واهتمامهم بأمر المستضعفين، فهم: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، وهم: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، وهم في تعاملهم يلتزمون الحق والعدل، فيتميزون بتلك الميزة الراقية جدًّا؛ لعزة الإيمان، البعيدة عن التسلط، بالطغيان، والظلم، والفساد، والإساءة، والممارسات المشينة، وممارسات الغرور والإجرام.
ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْـمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، عزة الإيمان لن تدفع بك إلى العناد أمام حق، إلى رفضٍ لحق، إلى ممارسةٍ لظلم، إلى تصرف هو طغيان، لن تجعلك متكبرًا أبدًا، الفارق بينها وبين التكبر فارقٌ كبير جدًّا، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يمنح عباده المستضعفين، عندما لا يرتبطون بالمستكبرين، ولا يتجهون اتجاه المستكبرين، أن يرعاهم بعظيم رعايته، كما قال الله “جَلَّ شَأنُهُ” {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}[القصص: 6-5]، يعطيهم الله التمكين، يُمَكِّن لهم، ينقذهم من استكبار المستكبرين، من ظلم المستكبرين، من طغيان المستكبرين، ويمنحهم عزة الإيمان، ويمكِّن لهم؛ ليقيموا العدل، ليجسدوا القيم الإلهية، يقول “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}[الأعراف: من الآية137].
بل إلى درجة أن المستضعفين- على مر التاريخ- هم من قامت على أكتافهم الرسالة الإلهية، عندما اتجهوا بإيمان، ولم يرتبطوا بالمستكبرين، ولم يتجهوا اتجاه الاستكبار، كان البديل عن ذلك: أن يتحقق على أيديهم الأمور العظيمة، تنهض رسالة الله في الأرض، يتوفقون لأن يتحركون هم لإعلاء كلمة الله في الأرض، أن يكونوا هم من يحققون الإنجازات المهمة في واقع المجتمع البشري، ذات القيمة الأخلاقية والإنسانية، أن يعتقوا المجتمعات من هيمنة المستكبرين وظلمهم، ثم تأتي الرعاية الإلهية من المراحل التي هم فيها في غاية الاستضعاف، لتغير واقعهم، ثم تغير الواقع بهم من حولهم إلى حدٍ كبير.
وهكذا حصل في صدر الإسلام، عندما تحرك رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وتحرك معه قِلّةٌ من المستضعفين، وتحرك لمواجهته بقية المستكبرين، امبراطوريات ودول كبرى، المستكبرون في الجزيرة العربية، المستكبرون حتى من قومه، واجهوه وحاربوه، حاربوا الرسالة الإلهية، لكنه انتصر، وأولئك القِلّة المستضعفون، الذين تحركوا معه، تغير واقعهم هم حتى أصبحوا هم سادة العالم، أصبحوا هم القوة الأبرز في الساحة العالمية، بعد سنوات معدودة، بعد مراحل معينة، تغير واقعهم تمامًا، وتغير الواقع من حولهم، ولهذا يقول الله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال: الآية26].
ولذلك فالتوجه الصحيح هو: العبودية لله، الذوبان في طاعة الله، وأنت بذلك تَكُرم، تَعتّز، تَشرُف، يمنحك الله الود في قلوب عباده، {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم: الآية96]، يمنحك الله عزة الإيمان، بدلًا من أن تتورط في عقدة الكبر، والممارسات التي فيها تكبر، وكلما ذُبت في عبادة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ كلما أعزك الله أكثر، كلما رفع قدرك هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كلما أعلى شأنك، كلما جعل لك- هو- الود في قلوب عباده، كلما أعزك بعزة الإيمان، لكن كلما اتجه الإنسان هو، يريد أن يفرض لنفسه في أوساط الناس، عن طريق ممارسات التكبر، ومظاهر التكبر، وسلوك التكبر، وتصرفات التكبر، هيمنة، مساحة معينة، نفوذًا معينًا، أهمية في النفوس؛ كلما مقتوه، كلما استاؤوا منه، كلما صَغُر في أنفسهم وفي أعينهم، كلما احتقروه في نفوسهم، تختلف الحالة اختلافًا تامًا.
ثم في الآثار السلبية المدمرة لإيمان الإنسان، لعلاقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، للتسبب بالمقت من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إبليس عندما استكبر لعنه الله، طرده من رحمته، غضب عليه، الإنسان بذنب التكبر يمكن أن يلعنه الله، أن يمقته، أن يطرده من رحمته، ولو كان له دهر طويل من العبادة، أو من الأعمال الصالحة، إبليس كان له آلاف السنوات من العبادة، لكنَّ ذنب التكبر من أخطر الذنوب، من أسوأها. على الإنسان أن يحذر ألَّا يفعل كإبليس، إذا اتجه الإنسان في ساحة الإيمان، ليحذر من حالة التكبر، ألَّا تطرأ في واقعه، أن يحترس من حالة الغرور، أن يحترس ويتنبه من حالة العجب بالنفس، التي تتولد عنها حالة التكبر، أن يستشعر دائمًا تقصيره أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يستوعب جوانب النقص لديه، أن يسعى دائمًا للذوبان في توجهه الإيماني نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يستفيد من القرآن أكثر وأكثر، فيما يتحدث به القرآن عن خطورة التكبر، وعن ترسيخ القيم التي تحميك من التكبر، وتحميك من الغرور، وتحميك من العجب والعياذ بالله.
الإنسان إذا كان في منصب، أو سلطة، أو وجاهة، أو له مقام معين، أو مسئولية معينة، أو له مكانة في أوساط الناس، عليه أن يكون حذرًا جدًّا؛ لأنه من أكثر الناس عُرضةً للتكبر، فليحذر؛ حتى لا يتحول إلى متكبرٍ، إلى مغرور، إلى معجبٍ بنفسه والعياذ بالله.
نَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَتَـقَـبَّل مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ، وَالقِيَامَ، وَصَالِحَ الأَعْمَالِ، وَأَنْ يُزَكِّيَ أَنْفُسَنَا، وأن يُعِيَنَنَا عَلَى طَهَارَةِ أَنْفُسِنَا، وَزَكَاءِ أَنْفُسِنَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛