المبادرة إلى الطاعات والمسارعة إلى أدائها – بصفة عامة- مما دعا إليه الإسلام ورغب فيه، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُون * فِي جَنَّاتِ النَّعِيم﴾[الواقعة:10- 12] وقال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ وقال تعالى: ﴿وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
يقول بعض العلماء: إن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود، والمبادرة أخلص للذمة، وأنفى للحاجة، وأبعد عن المطل المذموم، وأرضى للرب تعالى، وأمحى للذنب.
وفي الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ قال: «ما خالطت الصدقة مالاً قط إلا أهلكته» وإذا كانت المبادرة إلى أخراجها أمراً محموداً فهل يجوز تعجيلها وتقديمها عن الموعد المحدد لها كإخراجها قبل الحول والحصاد.
تقديم الزكاة قبل موعدها
عند أئمتنا عليهم السلام أن لغير الوصي والولي التعجيل للزكاة إلى الفقير أو الإمام قبل حول الحول بنية كونه زكاة ماله إذا كمل الحول وهي واجبة عليه إلا أن يكون التعجيل على إحدى ثلاث صور فإنه لا يصح.
الأولى: أن يعجل عما لم يملك نحو أن يعجل زكة نصاب وهو لا يملك النصاب كاملاً في أول الحول فإن هذا التعجيل لا يصح ولا يجزي، فأما لو كان يملك النصاب كاملاً أول الحول ثم نقص في وسط الحول، وعجل عنه حال نقصه، ثم أتى آخر الحول وهو يملك النصاب فإنه يصح لتقدم وجود السبب.
الثانية: أن يعجل عن ما يجب فيه العشر أو نصفه ويكون التعجيل قبل إدراكه للحصاد فإن ذلك لا يصح.
الثالثة: أن يعجل الزكاة عن سائمة وحملها فإن ذلك لا يصح.
أما الوصي والولي فليس لهما أن يعجلا الزكاة عن مال الصغير ومن في حكمه قبل وجوبها إلا أن يكون في التعجيل مصلحة أو يطلبها الإمام.
والدليل على جواز التعجيل ما روي في تعجيل صدقة العباس وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ: «إنا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين».
هذا وترك التعجيل وإخراج الزكاة في حينها أولى وأفضل؛ إلا إذا عرضت حاجة تقتضي ذلك كحاجة بيت المال إلى زيادة في الموارد لجهاد مفروض، أو لكفاية الفقراء فللإمام أن يستسلف أرباب الأموال أو بعضهم كما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ مع عمه العباس.
وإذا جاز تعجيل الزكاة لحاجة أو مصلحة فإن تأخيرها عن وقت إخراجها الواجب لا يجوز إلا لحاجة داعية أو مصلحة معتبرة تقتضي ذلك، كأن يؤخرها ليدفعها إلى فقير غائب هو أشد حاجة من غيره من الفقراء الحاضرين، ونحو ذلك.
أما تأخيرها لغير عذر ولغير حاجة فلا يجوز ويأثم بالتأخير، ولهذا قال أئمتنا عليهم السلام: وتضيق الزكاة بإمكان الأداء، وإمكان الأداء هو حضور مصرفها في المجلس بعد وجوبها، فمتى حصل إمكان الأداء وجبت وجوباً مضيّقاً فلا يجوز تأخيرها.
وإذا لم يخرجها الشخص بعد إمكان الأداء حتى تلف المال فإنه يضمن الزكاة إلا أن يؤخر لغرض أفضل فلا يضمن.
من كتاب الزكاة في الإسلام
للعلامة / عبد الرحمن بن محمد شمس الدين
Next Post
قد يعجبك ايضا