
رحلة اليمني تغيرت قبل ألفي عام كانت الهند مقصدا له يصارع الأمواج والاعاصير لبلوغها والعودة بما يحلم به ملوك الشام وفراعنة مصر كان الحرير والبخور والتوابل اهم ما يميز هذا الطريق وهاهو ذات اليمني عائدا يحمل الادوية والعكاكيز لا ينتظره غير اقاربه ودائنيه يتمنون له شفاء يمكنه من اعادة اموالهم وصحة معها يتذكر ما اقرضوه .
نهاية العام الماضي احتفل أحد المستشفيات في مدينة بونا الهندية بوصول عدد المرضى اليمنيين خلال العام الى 2000 مريض من مختلف الاعمار وهو دليل على عمق العلاقة التاريخية بين البلدين حسب تعبير مدير المستشفى في الكلمة التي ألقاها بحضور عدد من المرضى والمبتعثين , لم يقل ان الرقم دليل على التدهور الصحي ولا علاقة للتاريخ بالأمر .
وأنت تسير مسرعا أو بخطوات بطيئة داخل أروقة ذلك المستشفى تسمع صوتا يمنياٍ يعلو شاكيا من مشكلة يواجهها ويريد الحل أحيانا لا يجد غير توجية اللوم الى المترجم المصاحب له وأحيانا نحو إدراي لا يفهم ما يقول المتحدث ويكتفي بهز رأسه محاولا فهم الإشارات التي ترافق الكلمات .
يقول الدكتور كوبيكار المختص بعلاج الأورام السرطانية انه عالج أكثر من مائتي حالة قادمة من اليمن وهو سعيد بالأمر لكنه يشعر بالاسى لأنهم يتحملون مشقة السفر الطويل للوصول إليه , في غرفة جراح الأطفال ديشميت العديد من رسومات لأطفال عالجهم الى جانب صفحة من الصحيفة الصادرة في المدينة مقابلة مع الطبيب يتحدث عن زراعة مثانة لطفل يمني في الرابعة من عمره .
لا تدري أين هو هذا المستشفى هل في حي السنينة أم في الهند , عندما تعرف بنفسك فان موطنك معروف لديهم .. يمن وكأننا احدى مديريات مدينة بونا لانحتاج للوصول غير نصف ساعة وعملة نقدية واحدة , حتى ان اهالي المدينة يبحثون عن اجابة وحيدة ألا يوجد أطباء في بلادكم ¿ وهو سؤال لم أكن أجيب عليه بصدق .
بداية الرحلة
كل واحد منهم يقبض جيدا على استمارة قام مكتب سفريات بتعبئتها الى جانب صورة شخصية وجواز سفر في الطابور الطويل الواقف امام السفارة الهندية بصنعاء الجميع يسأل عن شخص سافر من قبل الى الوجهة المقصودة.
يتولى الموظف أخذ الأوراق المصحوبة بالرجاء ان لا تتأخر التأشيرة وكلمة مشتركة لو سمحت بأقرب وقت بينما هو لا يغير اجابته غدا الرابعة عصرا – من أمامك يخبرك انه سيذهب للسياحة ومن خلفك يقول نفس الامر ولن تكون أنت أفضل حالا وستقول انك ذاهب لذات الغرض , قال احد الواقفين نحن سائحون , انه المكان المناسب لتذكيرك بدرس الامانة والسائح والذي يدور حول طفل وجد حقيبة سائح وقام باعادتها اليه ليحصل منه على شكر ومكافأة , اعتقد ان كثيرين لا تتعدى معرفتهم بالسياحة ذلك الدرس والخوف ان يكونوا غائبين عن تلك الحصة .
قبل ان تأتي الرابعة يكون طابور الامس قد اعاد ترتيب نفسه في انتظار الحصول على التأشيرة التي ينالها الجميع تقريبا ومع ذلك ترى الفرحة في عيون كل واحد منهم وكأنه الوحيد الذي نالها , هنا تسيطر كلمة مبروك على الوضع .
الرحلات المتجهة الى الهند ممتلئة وقد تنتظر لعشرة ايام وتكون مضطرا للقيام الثالثة فجرا لمغادرة موطنك الذي ما ان تبتعد عنه حتى تكتشف انك تحمله معك .
لا مكتب سفريات سيخلصك من تعبئة بيانات الاستمارة التى توزع على متن الطائرة وتعود من جديد عبارات الرجاء , تسمع الجميع يتساءلون ماهو عنواني في الهند ¿ هل تعرف رقم تلفوني بالهند ¿ يظهر المنقذ للرحلة بالكامل يحمل احدهم كرتاٍ يتضمن عنوان احد الفنادق في مومباي اوغيرها يتفق ما يزيد عن مائتي راكب انهم سينزلون هذا الفندق ” ايوه هو ذه ” من غير تعبئة بيانات العنوان لا يمكن لموظف المطار منحك اذن الدخول الى الهند وهو ما يعرفه الاغلبية ومع ذلك لم يتعبوا في البحث عن عنوان يقصدونه .
يبتسم لك موظف المطار مع كلمة ترحيب بقدومك – عقب تجاوز عتبة البلاد يسألك السائح عن أفضل مستشفى يمكن الذهاب اليه وعن الحياة المعيشية في الأرض الجديدة وتتناقل المعلومات بصورة مرنة تتمنى لو انها تحدث بالداخل , يتفرق من جمعتهم الطائرة ليذهب كل واحد لمواجهة مصيره .
وقد اعتاد السائقون في مطار مومباي التعامل مع من أصبحوا يميزونهم جيدا فهم يأخذونهم إلى أكثر الشوارع تواجدا للعرب واليمنيين شارع محمد علي رود هناك سيعثرون على معلومات تساعدهم وللأسف فإن تعامل المختلفين عنا بكل شيء أفضل صدقا من أولئك الذين تجمعنا بهم العروبة والإسلام عندما تذهب لزيارة بلادهم .
نهاية المتطوعين
يقول احمد وهو شاب قادم من عدن لمرافقة والده: تقف اللغة أولى المشاكل ومن لا يتحدث الانجليزية يتمنى لو انه كان تعلمها عندما أتيحت له فرصة ولم يستغلها .
من لا يتحدثون غير العربية يحتاجون إلى مترجم يتولى شرح الحالة للطبيب , قبل سنوات كان الطلاب المبتعثون يتطوعون لمساعدة القادمين ويرشدونهم على أفضل ما يساعدهم لكن الحال تغير وأصبح تطوع الطلاب محدوداٍ ودخلوا بصفقات مع بعض المستشفيات .
منذ ستة أشهر جمعت السلطات الهندية في مدينة بونا عدداٍ من الطلاب اليمنيين الذين يمارسون الترجمة لصالح المرضى وأخذت توجه إليهم النصائح بأن يعاملوا أبناء بلدهم القادمين من اليمن بصورة جيدة وأن يتعاملوا معهم بصدق وقال لهم احد المجتمعين لا تنسوا أنهم مرضى , ما لم سنتخذ إجراءات ضدكم لأن سوء المعاملة يسيء إلينا , يقول احد الطلاب: الحمد لله أنني لم أكن بين من تم استدعاؤهم وقد اعتمدوا كشوفات المستشفيات لتوجيه الاستدعاء .
ويضيف الطالب البعض يخبرون إدارة المستشفى انه سيحضر لهم مريض شرط أن يضعوا له نسبة من كل إجراء يتخذ عملية أو معالجة أو فحوصات وللأسف أن هذه النسبة تضاف إلى الفاتورة المطلوبة من المريض .
بينما يقول احد من يتولون الترجمة وقد مضى عليه عام على إتمام دراسته انه يقوم بالترجمة بين الطبيب والمريض ولا يحصل إلا على ما يمنحه المريض ولا يقبل على نفسه أخذ نسبة.
قدم والد طفل يعاني من الشلل الدماغي من منطقة صبر عدن لا يعرف أين يذهب في الطائرة تعرف على شاب من صنعاء دله على المستشفى والمكان المناسب واسأجر له شقة رخيصة لكنه غادر إلى مدينة أخرى بعدها لم اعرف كيف أتصرف وفجأة التقيت طالباٍ من منطقة في ردفان -كنت قد درست فيها لسنوات- وهو الآن من يساعدني واتصل له في اي وقت يحضر دون أي مقابل ويغضب ان عرضت عليه إعطاءه فلوساٍ .
هناك كثير من الطلاب المبتعثين يحسنون التعامل مع أبناء بلادهم بل قد يساعدونهم إن احتاجوا إلى المال رغم ضيق الحال كما أكد عدد من المرضى.
لقاءات مختلفة .
يلتقي المرضى اليمنيون في مستشفيات الاغتراب يناقشون مشاكلهم كما لو كانوا أسرة واحدة يسألون عن بعض ويدعمون بعضهم نفسيا في هذه المدينة البعيدة عن مومباي العاصمة الاقتصادية بـ300ـ كم يكثر مرضى قادمون من عدن ولحج وأبين وحضرموت لا يحدثونك إلا عن حسرة تحاصرهم على وضع البلاد كلها لا تغلف السياسة هنا الكلام لتفصل المناطق يتمنون واقعا أفضل صحة ينعمون بها على أرضنا .
في الحي الذي نزلت فيه وسط المدينة دقق احد مواطني كشمير في وجهي ثم رفع يده مشيرا إلي بأن أسير خلفه وبعد أن قطعنا مسافة ليست طويلة توقف واعاد إشارته نحو كرسي عرفت فورا أن الجالس عليه يمني هرولت نحوه للمصافحة واخذ يسأل عن كل شيء في موطنه .
يقول أبو احمد: بعد أن مضت عليه ستة أشهر بعيدا عن عدن شعرت بالضيق وإنا وحدي هنا عدت وأخذت معي أسرتي ليخففوا عني الغربة وهاهم يشعرون بالضيق ايضا ويريدون العودة , قال مبتسما أن جاره الكشميري ما أن يرى يمنيا حتى يعرفه ويقوم بإحضاره إليه ليخفف عنه حالة الاغتراب التي يعيشها الكشميري نفسه , بعدها بأيام رأيت ذات الرجل يحضر شابا وصل للتو من لحج ويشير له نحوي قبل ان يتركنا ليعود للعمل في محله التجاري .
إلى هذا الحد نتشابه ¿ كنت اسأل عماد الصبيحي ولم يكد يتوقف عن الضحك حتى يعود اليه حين ذكرت له ما قال احد قادة الحراك الجنوبي في مقابلة مع جمال عامر في صحيفة الوسط وهو يبرر لرغبته بالانفصال ” نحن في الجنوب لا نشبه الإخوة في الشمال ملامحنا تقترب أكثر من الإخوة الخليجيين ” – تمنيت لو أن لي من اللغة الكشميرية ما يمكنني من سؤال الكشميري كيف له القدرة على رؤية التشابه الذي عجز عن رؤيته قائد سياسي ولما لم يأخذ المولود في لحج إلى احد القادمين من الخليج مع كثرتهم في حينا .
التقيت أبا أحمد صدفة في مطار مومباي عائدا مع أبنائه الذين كانوا سعداء بعودتهم وبعافية والدهم أكثر “الليلة بنكون في عدن” انبعثت كلماتهم مع موسيقى المكان مع ادعيتنا جميعا بأن لا يفرقنا المرض , كل العائدين لهم مشاعرهم الظاهرة في أعينهم منهم من تخلص من وجعه ومنهم من مازال متألما من رحلته التي لم تثمر – اب برفقة ابنه عائدين إلى صعدة بعد أن عرف فقط مرض ابنه وحاجته إلى زراعة نخاع وعرف انه عاجز عن توفير المبلغ عاد ليرقب معه دنو الأجل – ماذا سأفعل لا امتلك قيمة النخاع ولا احد من الأسرة مطابق تماما – ثمة أمل يلوح من بعيد أن جمعيات خيرية أجنبية قد تساعد الطفل كون الحالة فريدة وقد أرسلوا إليه أدوية لا تشفيه وإنما تبعد عنه الانهيار السريع أما البلاد العائد إليها فمهمتها في صعدة مختلفة تماما عن رؤية طفل يقترب منه الموت والصراخ هناك أهم من إنقاذ حياة .
نصائح لأطبائنا في الداخل .
ليست هناك فوارق كبيرة بين مستوى الأطباء في الهند وفي اليمن جميعهم تلقوا تعليما متقاربا لكن هناك فرقا جوهريا يقوم به الطبيب الهندي ولا يعيره الطبيب اليمني اهتمام انه التواضع .
يقول احد مرافقي المرضى: لقد لاحظت ان الطبيب في الهند لا يقوم بعمل أي إجراء قبل أن يتشاور مع زملاء له يجتمع معهم ويتناقشون ثم يقررون.
هذا يغضب الطبيب اليمني أن أخبرته انك ستذهب لسؤال طبيب آخر ينفجر في وجهك قد يرمي كيس الدواء في وجهك وهو يقول وليش جيت عندي كل طبيب في الهند يسعده أن تخبره انك ستذهب الى طبيب آخر كي تتأكد , يفاجئك بان يرفع سماعة الهاتف ويتصل هو به ويرسل إليه ملفك الطبي ثم ينتظر ما يقرره مثلك , يقول الدكتور ديشمت جراح أطفال: نحن نعمل كفريق وليس كأفراد – من السهل ان تتأكد مما قاله ديشمت في كل ورقة او إجراء طبي يتخذه يدون كل بيانات التواصل معه مع عبارة الرجاء الاتصال بي في أي وقت لمعرفة المزيد حول الحالة المرضية طبعا يعمل هذا الجراح أستاذاٍ في عدد من أهم الجامعات الهندية وتسبقه شهرته وابتسامته وتواضعه أيضاٍ حسب وصف أحد أقارب مريض يتولى علاجه مضيفا نتصل به في أي وقت ويرد على كل استفسار لنا بل إنه أحيانا هو من يتواصل معنا لأن الحالة تعنيه وتهمه يجعلنا نحس ان مريضنا هو المريض الوحيد الذي يتولى علاجه مع انه يعالج العشرات يوميا .
ما الذي سيكلف الطبيب اليمني إن قام بذات الأمر هل سيفقد احترامه لدى المرضى ام سيزداد حبهم له¿ .
يقول مرافق مريض: أخذت طفلي إلى طبيبه في اليمن وهو يشكو من الم في بطنه كتبت له علاج ينظم الهضم لديه وقالت لا تكثروا من لمس بطنه اتركوه , بعد ذلك اتضح ان ما يتألم منه ورم يتطور ويكبر كل يوم كما عرفنا فيما بعد لو أنها تواضعت واستفسرت من طبيب أو طبيبة أخرى هل كانت ستخسر شيئاٍ أم ستكسب خبرة وتنقذ روحا .
مشفى قديم جدا
في مبنى أقامه الاحتلال البريطاني يزيد عمره عن مائة عام تتصدر قاعة كبيرة طاولة خشبية مغطاة بقماش ابيض يجلس في الجهة الداخلية منها ما يقرب من عشرة أطباء حديثي التخرج يقابلهم المرضى الصغار الذين يدخلون دفعة واحدة وفقاٍ لأرقامهم , أمام كل طبيب طفل يخضع للتشخيص ويعطي المرافق له المعلومات التي يسأل عنها فجأة يتدخل طبيب آخر لمعاونته في فهم الحالة يساعدهم عدد اكبر كلما كانت الحالة معقدة , تشعر بالفعل ان الطبيب ليس فردا بل طاقم يعمل بتكامل وتواضع ومع ذلك لا تتخذ القرارات الكبيرة منهم بل تحال إلى من هم أكثر خبرة ومرتبة علمية .