لم تكن الأمم المتحدة والهيئات المنبثقة منها يوماً منصفة لصالح الشعوب المستضعفة والخاضعة للنهب والاحتلال حتى نستغرب من كمّ الأكاذيب والتجنّي الذي حمله تقرير ما يسمى بـ(فريق خبراء اليمن التابعين للجنة العقوبات 2140 في مجلس الأمن).
جاء تسريب مضمون التقرير بعد مرور أسبوعين من توزيعه على أعضاء مجلس الأمن، حيث كان مقرراً انعقاد جلسة مغلقة هذا الأسبوع لمناقشته، إلا أنه تم تأجيل ذلك للمرة الثانية.
في كل الأحوال، تقرير الخبراء، والذي غطى الفترة الأولى ما بين ديسمبر 2021 – مارس 2022م حمّل حكومة صنعاء كامل المسؤولية للأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية المزرية في اليمن، وأعاد التقرير لهجة الإدانة لقيام القوات المسلحة بالدفاع عن الوطن من خلال شن هجمات على أراض العدو، ردا على عدوانه على اليمن المستمر منذ مارس 2015، كما ادعى التقرير أن الأوضاع الإنسانية للسكان في المحافظات الحرة أحرزت تحسناً خلال فترة الستة الأشهر (الهدنة)، محاولاً بذلك حجب أشعة الشمس بغربال، إذ كيف يمكن لهذه الأوضاع أن تتحسن، فيما الحصار ظل يكلف البلاد مبالغ طائلة بسبب احتجاز السفن، كما ظل نهب الثروات مستمرا فيما موظفي الدولة بلا مرتبات منذ ستة أعوام.
وبشأن تمديد الهدنة، كرر التقرير نفس البدعة الأمريكية ليتحجج بأن تعقيد تمديدها كان بسبب المطالب التعجيزية لصنعاء، وهي المطالب الإنسانية التي أكدت على صرف المرتبات وفتح مطار صنعاء وإيقاف القرصنة بشكل نهائي عن دخول المشتقات النفطية والغذاء والدواء عبر ميناء الحديدة.
المحاولة المتعمدة في تمرير المؤامرة يتضح أيضا من استخدام التقرير إجراء حكومة الإنقاذ في منع تداول العملات النقدية التي طبعها البنك المركزي فرع عدن حُجة على صنعاء، كما يتحدث عن عمليات تهريب هائلة للسلاح إلى صنعاء، لكنه لا يورد أي دليل في هذا السياق.
إجمالاً، فإن التقرير بهذا (النَفَس) الضيق، لا يبدو غريبا، كما لا يبدو غريبا تأخير مناقشته، خصوصا وأنه تزامن مع حراك التقارب لإيجاد صيغة مقبولة من اجل تمديد الهدنة، ما يشير إلى أن التقرير، منتج أمريكي خالص، رُسمت تفاصيله وفق الرؤية الأمريكية التي تكشف عنها تباعاً أطروحات الأمريكيين في الشأن اليمني وفي مقدمتها ما يأتي من سفيرها وكذا مبعوثها إلى اليمن.
إذ يبدو من هذه (الحِدة) في لغة التقرير وتأجيله من يناير الماضي ثم تعمد تسريبه قبيل مناقشته، محاولة للضغط على صنعاء للقبول بالصيغة الأمريكية وإن جاءت عن طريق الأمم المتحدة، فلا تزال أمريكا تتحجج بمبررات غير مقبولة لعدم تنفيذ الشروط التي طرحتها صنعاء لتمديد الهدنة، لأنها تدرك أن ذلك سيعني تحويل عائدات النفط إلى الداخل، وهي العائدات التي كانت تقوم بتوزيعها على حصص ولها نصيب الأسد، فضلا عن تحقيقها لشيء من الاستقرار في سد حاجتها من الوقود من خلال نهبها للنفط اليمني، كما هو حالها في سوريا، حيث تواصل نهب النفط السوري وبصورة روتينية.
التحامل غير المبرر في تقرير خبراء الأمم المتحدة يثير التساؤل عن نوايا المنظمة الدولية التي تعلم أن الدبلوماسية تقتضي في هذا الوقت إنصافا واضحاً دعماً ودفعاً لحالة النشاط الحاصلة من أجل وضع نهاية للحالة السلبية التي اتسمت بها الأشهر الماضية مع إبقاء اليمن في وضعية اللا حرب واللاسلم، إلا أن التعمد في يأتي بهذا الشكل الذي افتقر حتى للمحاولة تحميل الطرف الآخر أي مسؤولية لا يعبر عن أي درجة من الحرص لدى هذه المنظمة لترسيخ سلام.
ومن مساوئ التقرير، أنه ليس هناك ما يشير إلى مرادف إيجابي لما ذكره من إدانات، يمكن أن تخدم اليمنيين، فكل ما أورده، شواهد على ما يعبّر عن حالة دفاعية وعن عدم قبول اليمنيين بإجراءات دول العدوان بما فيها أمريكا.
الشيء الآخر في التقرير غير المنصف، أن معلوماته تبدو إلى حد كبير قد استندت إلى ما تنشره الصحف ووسائل أعلام تابعة لقوى التحالف، بل وأحياناً تغريدات الناشطين، إذ لا يبين التقرير أجراء أي عمليات تحقق، ما يثبت أن الجمع لهذه النوعية من المعلومات كان متعمدا.