كثيرة هي الصراعات التي تتكرر وتتجدد بين المسلمين وأهل الكتاب “اليهود والنصارى” على امتداد التاريخ الإسلامي ومنذ فجر الرسالة المحمدية، وهو صراع باقٍ ببقاء هذا الوجود، هذا الصراع يتجسد في حزب الحق وحزب الباطل، ولن ينتهي حتى ينتهي الباطل ويزهق ويظهر الحق وينتصر أهله.
من هنا سعى الأعداء من أهل الكتاب وراء إضعاف المسلمين وزلزلة دولتهم وتفريقهم وتمزيق روابط الإخاء بينهم، حتى يتسنى لهم القضاء على الإسلام بشكل نهائي، ولما كان ذلك الأمر صعبًا عليهم، سعوا بطرق أخرى لمسخ الهوية الإيمانية للمسلمين وجعل الإسلام مجرد ديانة وعبادات جوفاء وفصل المسلمين عن جوهر الدين والغاية من تشريعاته وإبعاده عن مجالات الحياة الأخرى، كالمجال السياسي والعسكري والثقافي والاجتماعي، لأن ربط الدين بكافة مناحي الحياة يشكل حصنا للمجتمع المسلم وحصانة ضد الأعداء.
“حتى تتبع ملتهم “هكذا حدد الله تعالى هدف اليهود والنصارى من خلال صراعاتهم مع المسلمين فلن يهدأ لهم بال ولن يرضوا بأي إنجاز يحققونه مادام المسلمون على ملتهم، لذا نراهم مستنفرين في كل مايتعلق بمسخ الهوية الإيمانية للمسلمين عبر ثقافة الغرب التي جعلوها براقة تسر الناظرين، لشد الناس إليها، وصرفهم عن ملة الإسلام، فالحروب الناعمة والغزو الفكري كلها تبدو في ظاهر الأمر تطورًا وانفتاحًا وبناءً للمجتمعات ولكنها في الواقع انحطاطٌ وسقوطٌ وهدم.
حربٌ شعواء منها ما ظهر وماخفي كان أعظم، كلها تهدف لصبغ المجتمع المسلم بثقافة الغرب وإدخالها إليه شيئًا فشيئًا حتى أصبحت لا تفرق بين شكل المجتمع المسلم وغير المسلم في شيء، فالاختلاط والمجون واللباس والأزياء – وحتى ثقافة الحديث ونبرة الكلام – أصبحت ممزوجة بثقافة الغرب ومسمياتهم وأفكارهم المسمومة.
من هنا تأتي أهمية التمسك بهويتنا الإيمانية وتحصين أنفسنا من الهوية الغربية لأهل الكتاب التي تؤدي بنا في النهاية للانسلاخ عن قيمنا ومبادئنا وإيماننا شعرنا بذلك أم لم نشعر، لنصبح بذلك كما أرادوا هم لنا بأن نتبع ملتهم، وننسى التكليف المناط بنا كأمة مسلمة ينبغي أن تكون خير أمة أخرجت للناس، والسبيل إلى ذلك لن يكون إلا بالتمسك بالإسلام المحمدي الأصيل والسير وفق منهج الله تعالى في القرآن الكريم والاتباع والتسليم للقيادة القرآنية التي تمثل جوهر الدين وتترجم تشريعاته واقعا في الحياة، حتى يأذن الله بالفتح والنصر المبين، وما ذلك على الله بعزيز.