مذبحة ١٣ يناير ١٩٨٦م

عبدالله الأحمدي

 

 

وعاد يناير يحمل الأحزان والأشجان؛ وللمرة السابعة والثلاثين يعود، لكن أحبابا لنا لم يعودوا، حتى مقابرهم اجتثها الحاقدون ورفعوا على أنقاضها ناطحات.
لم تكن مذبحة ١٣ يناير ١٩٨٦م كارثة على الاشتراكي واليمن الديمقراطي، بل كانت كارثة على الحركة الوطنية والثورة في الإقليم، لا سيما في الجزيرة والخليج، فتأثير دولة اليمن الديمقراطية كان يمتد إلى ما بعد الجزيرة والخليج، وكان حكام السعودية ومشيخات الخليج يمتلؤون رعبا عندما يسمعون اسم اليمن الديمقراطي.
وكان النظام الوطني في عدن مأوى ومحطة للمظلومين والمضطهدين والمشردين من الأنظمة الفاشية والبدوية، بل إن كثيرا من ثوار العالم كانوا يجدون الأمن والأمان والمأوى في اليمن الديمقراطية.
كانت مذبحة ١٣ يناير مؤامرة دولية وإقليمية مولتها السعودية ودول الخليج واشتركت فيها عصابة عفاش في صنعاء، ورعتها المخابرات الأمريكية، اذكر أن مدرسا في المعهد الأمريكي ( يالي ) قال لي : ( يمن ديمقراطي ما في خلاص )، يومها كان عفاش يحاول غزو الجنوب، وكان يتواجد مع أركان عصاباته في تعز؛ يتابع أخبار المعارك، ويدلي بالتصريحات، لكن خاب أمله، كما خاب أمل دول الإقليم في إسقاط النظام الوطني في الجنوب.
كان الانقلاب الذي قاده علي ناصر وزمرته يريد إضعاف النظام والحد من ممانعة الحزب من أجل التقارب مع الجوار الرجعي، لكن يقظة الحزب وأجهزة حماية الشرعية الثورية أسقطت الانقلاب، وفرت الزمرة إلى أحضان السعودية التي مولت الانقلاب عن طريق عفاش وأجهزة أمنه.
نعم سقط طابور واسع من قيادات الصف الأول في الحزب والدولة، وآلاف الكوادر في الجيش والأمن والحزب والدولة والنقابات، لقد سقط ما يقارب خمسة آلاف كادر في كل الأجهزة.
يومها كنت في صنعاء مع مجموعة كانت تناصر النظام في الجنوب، وكتب أحد أعضائها بيانا بخط اليد باسم ( الحركة الشيوعية) وتم توزيعه ليصل إلى مسؤولي النظام، بعدها تم اعتقال مجموعة من أعضاء الحركة.
أذكر أن المرحوم الدكتور عبدالعزيز المقالح عندما علم بتصفية أعضاء المكتب السياسي قال : إن من صفاهم علي ناصر كانوا الأقرب له من الذين حوله.
نعم كانت كارثة، لكن المؤامرة سقطت بفعل اليقظة الثورية ووحدة الحزب والشعب والدولة.
وبرحيل تلك الكوادر ضعف الحزب، وضعفت التجربة، والذين صعدوا إلى مركز قيادة الحزب والدولة لم يكونوا بقدر المسؤولية.
لقد كانوا يحملون نزعات ذاتية أسقطوها على الممارسة السياسية؛ بمعنى قدموا الذاتي على الموضوعي، وكانوا أصحاب نزوات شخصية، ولا يعيرون وزنا للقرار الجماعي ومتطلبات الواقع، وبعد تصفية القيادة التاريخية ترنح الحزب والنظام.
كانت الوحدة التي قامت بدون ضمانات وطبخت على عجل في نفق جولدمور بين العليين ( البيض وعفاش ) اختبارا فاشلا لقيادة الحزب والدولة، قيادة سلمت اليمن الديمقراطية بكل إمكانياتها لعصابات صنعاء الفاشية التي كانت في حالة أزمة خانقة.
لهذا كانت الوحدة بوابة مؤامرات على الحزب والتجربة والجنوب والحركة الثورية اليمنية. وكانت حرب ٩٤م نتاج هذه المؤامرة التي حبكتها عصابات الداخل والإقليم والدول الامبريالية.
وكانت القيادة الجنوبية لا تعرف كثيرا عن أوضاع الشمال، ولم تضع في الاعتبار ملحوظات أعضاء المكتب السياسي الشماليين، يومها قال علي البيض لأحد أعضاء المكتب السياسي من الشمال : ( احنا ما عندنا مشاكل مع علي صالح، أنتم عندكم مشاكل معه … ) جاء جارالله إلى المعهد الوطني في تعز للاجتماع بأعضاء الحزب في تعز، سألته يومها عن أوضاع الشهداء رد : ( ما كنا جاهزين للوحدة.. )
اليوم يتخبط الحزب مثله مثل الوطن بين مجاميع تقف ضد العدوان ( اشتراكيون ضد العدوان ) وبين جماعات التحقت بالعدوان وتؤيد ما تسمى بالشرعية، وأخرى التزمت الحياد، وفي الأخير انقلبت دول العدوان والشرعية على الحزب واستبعدته من كل مكوناتها التي فرضها محمد بن سلمان ومحمد بن زائد، وأصبحت الجماعة لا في العير ولا في النفير تعض أصابعها ندما !!
والمشكلة أن من قتلوا الناس في ١٣ يناير على الهوية لايزالون بدون عقاب، وعلى رأسهم علي ناصر محمد.

قد يعجبك ايضا