من معين تضحياتهم ارتشفنا العزة سلسبيلا، ومن جزيل عطائهم تنفسنا الكرامة بكرة وأصيلا، هم الأوفياء حقًا والصادقون قولًا وفعلًا، مضوا لنصرة دين الله والمستضعفين في أرضه وأرخصوا دماءهم في سبيله، وتحملوا المصاعب والمتاعب لرفع رايته ونصرة أوليائه، فما وهنوا في مقارعة الظالمين ولا استكانوا في مواجهة المعتدين وانطلقوا في ساحات الوغى أُسدًا غالبين يذيقون الأعادي من بأسهم الشديد ما يلين به الحديد لتسقط تحت أقدامهم الشريفة الطاهرة ترسانة أعدائهم من العتاد والعتيد، رافضين الاستسلام أو التراجع رغم كثرة التهديد فقد عرفوا الله حق معرفته في سلسلة الوعد والوعيد فصغر ما دون الله في أعينهم وعظمت في نفوسهم مراقبة الله لهم وعلمِه بما تخفيه الصدور، فما تراجعوا ولا تخلفوا وقال قائل منهم « كيف لي أن أرجع بغضب الله علي وأحمله على ظهري بقية حياتي «….
ذاك هو الشهيد المجاهد صاحب البطولات الحيدرية الشهيد البطل يوسف محمد العطاب…
هناك في صنعاء الحضارة والتاريخ وفي مديرية شعوب وفي العام ١٩٩٦م وبالتحديد في السادس عشر من شهر مايو كان ميلاد الشهيد المجاهد البطل يوسف محمد عبدالفتاح العطاب- سلام الله عليه..
نشأ الشهيد يوسف في أسرة محبة لآل البيت الأطهار عليهم السلام وترعرع في بيئة متتبعة لسيرتهم سائرة على نهجهم متمسكة بولايتهم .
تعلقت روح الشهيد يوسف بالمسيرة القرآنية وبأخلاق أنصار الله الصادقين منذ أن كان في المرحلة الثانوية فانجذب إليهم وشغف بسلوكياتهم وأخلاقهم التي كانت تعكس ذاك النور، الذي امتلأت به أرواحهم وتشبعت به من هدي الله فكان دائم الإعجاب بصفاتهم وأفعالهم ومواقفهم المشرفة حتى بدأ الالتحاق بمقراتهم للاستماع لهدي الله وتطبيق البرنامج اليومي الخاص برجال الله معهم.
استمر الشهيد في متابعة حضور دروس هدى الله وتطبيق برنامج رجال الله حتى حادثة التفجير الإرهابي الذي حدث في شارع التحرير والذي كان ضمن سيناريو محكم من قبل الأعداء لجعل صنعاء مستنقعًا للدماء حينها انطلق كجندي استشعر مسؤوليته تجاه دينه ووطنه وأمته وبلده ووهب نفسه لله وفي سبيله بدأ بالمشاركة في الأمنيات وعندما بدأ العدوان السعودي الصيهوأمريكي على بلادنا عشية السادس والعشرين من شهر مارس في العام ٢٠١٥م لم يستطع الشهيد المواصلة في المرابطة وقرر الالتحاق بدوراتٍ عسكرية وقتالية وتخصص حينها في مجال الدروع لينطلق في أول جبهة في أرحب ونهم حيث كان شديد التأثر بتلك المواقف التي كانت تحدث معه ومع المجاهدين معه ويتذكرها دائماً ويحكي للجميع عنها وكيف كان حفظ الله للمجاهدين وكيف أيدهم وكيف أحاطت بهم لطائفه ورعايته.
بعد تطهير أرحب انتقل إلى جبهة مارب ثم انتقل إلى جبهة جيزان فلم يكن يطيق البقاء في جبهة قد هدأت فيها المعارك حتى ينتقل إلى أخرى ثم انتقل بعد ذلك إلى جبهة باب المندب كهبوب واستمر فيها فترة طويلة ومن بعدها انتقل إلى جبهة نهم ولم يلبث فيها كثيرا حيث كان يقول أنه يريد جبهة فيها الكثير من التعب والجهاد ليزداد إيمانا ويستشعر لذة الجهاد في سبيل الله.
كان أكثر ما يثير حميته ويهز مشاعره هو رؤية الأطفال والنساء الذين كانوا يدفنون أحياءً جراء القصف والغارات وكان كثيراً ما يخاطب نفسه ومن حوله قائلا»كيف لنا الجلوس وهؤلاء يقتلون بلا ذنب «؟! « كيف لي أن أتوقف عن الجهاد والعدوان لا يتوقف ولا يستريح دقيقة» وسرعان ما يعود إلى ساحات الجهاد وهذه المرة كان توجهه إلى جبهة عسير وتحديدا جبهة مندبه التي كانت له فيها من البطولات والمواقف الشجاعة العظيمة ما يليق بأن يكون ختاماً لمسيرته الجهادية ومعراجاً لروحه الزكية للصعود إلى العلياء راضية مرضية.
في جبهة منبه كان الشهيد يوسف – سلام الله عليه – ضمن المجاهدين الذين كانوا تحت قيادة الشهيد/عبدالكريم آل حمران سلام الله عليه فاستسبل وقاتل قتال الأبطال في التبة التي كان عليه مع عدد من المجاهدين فحين اشتد وطيس المعركة كان يوسف صامدا صمود المجاهدين العظماء وثابتاً ثباتاً أزعج الأعداء وأربك تقدمهم نحو تلك التبة التي أصبح فيها وحيداً واستطاع مع زميله الشهيد هيثم العنسي صد زحوفات العدو ومنع تقدمهم فرغم ما يمتلكونه من عدة و عتاد وكثرة في عدد المقاتلين إلا أنهم عجزوا عن التقدم نحو تلك التبة لأن من كان فيها رأى بعين البصيرة أن صاحب الموقف الحق والقضية العادلة لا خوف يتسلل إلى قلبه ولا يمكن أن تحدثه نفسه بالتراجع مطلقا لأنهم يمتلكون حس المسؤولية ويفضلون الموت والاستشهاد في سبيل الله على التراجع أو الاستسلام للأعداء فكان لابد أن ينالوا إحدى الحسنيين «النصر أو الشهادة»….
بعد عدة محاولات لإقناع الشهيد يوسف بالانسحاب والتراجع من موقعه الذي كان متمترسا فيه رفض رفضًا قاطعًا التخلي عن موقعه والتراجع محدثا نفسه عن جزاء الصابرين المحتسبين في سبيل الله من الفوز والنعيم قائلا: والله لا أرجع وأحمل غضب الله عليا بقية حياتي ».
وهكذا وبهذه الروحية وقف أمام العدو وقاتل واستبسل ولم يسمح لأحد من التقدم نحو التبة التي كان عليها فجن جنون الأعداء واحتاروا في من يعتلي تلك التبة وأي نفسية يمتلكون ليواصلوا القتال بتلك الشجاعة والبسالة المنقطعة النظير رغم أن كل المعطيات توحي بضرورة انسحابهم وتراجعهم….. نعم لقد أعلن العدو عجزه واستسلامه أمام البطل يوسف وزميله هيثم الذين ضربا أروع الأمثلة وجسدا أشرف المواقف بشجاعة واستبسال ورغبة في أن يقابلا الله تعالى وهو راض عنهما حتى وإن كان ثمن ذلك مفارقة الدنيا فليس الجزاء الا جنة عرضها السموات والأرض.
اشتد انزعاج العدو وكثرة رغبته في السيطرة على تلك التبة التي كان عليها الشهيد يوسف وزميله هيثم فما كان منه بعد عجزه وجبن مقاتليه إلا أن يرسل طائراته لتقوم بما عجز عنه مقاتلوه فبعثت نار حقدها وصبت كير غضبها على تلك التبة ولم تكن غارة أو اثنتان أو ثلاث بل كانت ثمان غارات جبانة تلك التي استهدفت مترس البطلين يوسف وهيثم لتهدأ بعدها تلك النيران و تتصاعد سحائب الدخان التي حملت معها روح الشهيد يوسف وزميله هيثم إلى عليين حيث الأنبياء والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا وذلك في تاريخ 25 – -3 2018م.
تبقى في تلك التبة جسد الشهيدان أو بتعبير آخر ما تبقى من جسديهما الطاهرين بعد ملاحم بطولية فريدة تسطر في صفحات التاريخ بأحرف من نور.
واستطاع عدد من المجاهدين الأبطال الذين قابلوا الوفاء، بالوفاء فيما بعد استطاعوا استعادة جثماني الشهيدين بعد عدة مناورات مع الأعداء.. ليعود رفات الشهيد يوسف إلى أسرته في صنعاء لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمانه الطاهر ويزف بعدها إلى روضة الشهداء في الجراف شهيدا شاباً صدق ما عاهد الله عليه فاستحق أن يكون في ضيافة الله وينال وسام الشهادة.
نعم لقد رحل الشهيد يوسف وترك خلفه من المواقف والبطولات والتنكيل بالأعداء ما يجعل استشهاده محل فخر واعتزاز وتشريف لوالديه وكل من عرفه كما أن روحه الطاهرة ما زالت تحلق في فضاءات حياتهم ولا تزال مواقفه وكلماته وبشاشة وجهه تسكن في مخيلتهم جميعا ويبقى عهد الوفاء للشهداء بالسير على طريقهم والالتحاق بركابهم والوفاء لدمائهم الطاهرة حتى نستحق أن ننال ذات المقام الذي وصلوا إليه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.