24 % من 3 ملايين نازح ونازحة يستعدون للعودة إلى قراهم ومزارعهم
النازحون: نفضّل الموت وسط مزارعنا على البقاء في مخيمات النزوح
الثورة/ الحسين اليزيدي
أسرف العدوان باستهداف المدنيين ما ضاعف أعداد النازحين قسرًا في اليمن، حيث نشر بيان المفوضية السامية لشئون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة أن “3ملايين و154ألف و572 نازحًا ونازحة” خلال السبع السنوات الماضية من العدوان عاشوا كارثة إنسانية.
في أكبر تجمع نازحين أقيم في العراء على مستوى الشرق الأوسط، يحتضن مخيم النازحين في مديرية عبس محافظة حجة عشرات الآلاف من الأسر، التي أصبحت تحت خط الفقر، وتعيش وعود بفتات لايكاد يذكر من قبل منظمات دولية التي تسعى من خلال الوعود غير المكتملة إلى فرض واقع اتكالي، وإنسان تأويه طرابيل النزوح يتسول على أبوابها.
ومن منطلق حقيقة أن الإنسان اليمني الذي قارع تحالف العدوان وانتصر يأبى إلا العيش بعزة وكرامة، لما عرف عنه من تاريخ حضاري يرتبط بقيم العمل وصناعة الوجود وعشق الأرض، بات واجباً إعادة توطين النازحين ضمن أولويات حكومة المجلس السياسي الأعلى في صنعاء والسلطات المحلية في المحافظات والمديريات.
وفي بيان أصدرته المفوضية السامية أكد أن 24% من النازحين يريدون العودة إلى ديارهم، بعد التحسن الملموس على واقع الحياة اليومية في مناطق النزوح بعد أن حررت من قبل حكومة صنعاء.
تهيئة الظروف
من جهتها، بادرت السلطة المحلية في محافظة حجة عملية التواصل والتنسيق مع الجانب العسكري الذي بدوره هيأ الظروف لعودة النازحين بالتعاون مع السلطة المحلية في مديرية عبس.
وأوضح مدير مكتب مديرية مديرية عبس عبدالله صوعان، أن السلطات المحلية بالمحافظة والمديرية، وبإسناد من مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها مؤسسة بينان التنموية، باشرت وضع برامج للتوعية بأهمية العودة، ودعم العائدين من خلال ضمهم إلى عضوية الجمعيات التعاونية الزراعية متعددة الأغراض، وإدراجهم ضمن برنامج التمكين والإقراض لتمكين العائدين من العودة للزراعة على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي.
فيما أكد منسق برنامج النازحين بمؤسسة بنيان التنموية، مصطفى الناشري، أن برنامج إعادة توطين النازحين والمهاجرين يسعى إلى إعادة النازحين والمهاجرين من مخيمات النزوح والمناطق التي هاجروا إليها إلى مديرياتهم وقراهم ومزارعهم عن طريق التوعية والتدريب والتمكين ومساندتهم في الحصول على فرص عمل بما يخدم الأولويات الوطنية.
ونوّه بأن البرنامج يعد مشروع القروض والتنسيق مع الشركاء المحليين والمحسنين والتجار من أجل توفير فرص عمل تمكنهم من الاستقرار والتوطين في قراهم ومناطقهم وبين أراضيهم ومزارعهم..
ولفت إلى أن أهداف البرنامج جاءت نتاج عن دراسات سابقة تحدد على ضوئها المواد التوعوية والاحتياجات التدريبية المناسبة لتمكين النازحين والمهاجرين، وتحددت كذلك أدوار الجهات المختصة وذات العلاقة والسلطات المحلية وتم وضع خطط مناسبة مع شركاء العمل في ضوء أهداف وسياقات موحدة.
شتات
أبو منصور غدير (56 عام) هو رب أسرة نزحت من مديرية بني حسن ، بدوره يحدثنا عن حياته قبل النزوح :”كنت مثل أي إنسان يعيش في الريف؛ أحرث أرضي وأزرعها ثم أسقيها ولا يأتي غبش الصباح منذ عرفت نفسي إلا وأنا في مزرعتي، كما أهتم بأولادي، وظللت مصدر رزقنا الأول والأخير حتى جاء العدوان وتسبب في نزوحنا عن مسقط الرأس”، موضحاً- بألم وحزن- كيف أصبحت أسرته مشردة في أكثر من منطقة “تشردت أسرتي في شفر والخميس وفي مديريات بعيدة لم نعد نلتقي وكل واحد فينا يبحث عما يسد رمق جوعه، بعد أن كان يجمعنا العمل في مزارعنا وبيوتنا في قرانا”.
وأضاف “أذاقتنا حياة المخيمات سواد البعد عن قرانا، وعشنا الفراغ والاتكال على الغير.. لم يناسبنا ذلك الواقع المأساوي، عدنا لمزارعنا وعادت أرواحنا للحياة واليوم نزرع الذرة الشامية والسمسم والقطن”.
عطاء منقطع
أما النازح السبعيني، الأمين يحيى مجذوب، فيسرد قصة التشرد التي عاشها، “كنا نعيش في أحسن حال ولدينا الأغنام والماعز وفي مزارعنا نأكل وننتج ونبيع، وبعد نزوحنا بسبب العدوان من بين أراضينا ومزارعنا رأينا الشؤم وعايشنا الضنك، كان المخيم الذي يؤويني وأسرتي ما يلبث سوى شهرين ثلاثة بالكثير حتى تظهر عليه الثقوب ويبدأ في الاهتراء بسبب حرارة الشمس”، واصفاً النزوح بـ “حياة البؤس الذي لا ينقطع”.
ويستطرد قائلا للذين لم يعودوا حتى الآن لمزارعهم وقراهم: انتظاركم لقوت المنظمات زائل وأرضكم ومزارعكم باقية منذ الآباء وحتى الأبناء والأحفاد.
وقال النازح عبدالله عبده جنيد، أن الأيادي العاملة التي تعطلت بسبب العدوان والنزوح وكانت رافدا للاقتصاد الوطني، عادت في الأشهر الأخيرة للعمل والإنتاج، وأن المزارع الذي ترك دياره بسبب النزوح، عاد يزرع الحبوب والبقوليات بمختلف أنواعها ويدعو الذين تسمروا في المخيمات العودة قبل فوات الفرصة إلى أراضيهم وزراعتها قبل أصابتها بالتصحر.
وأوضح “بدأت المنظمات تمنح النازحين من سلة غذائية إلى اثنتين، ثم فجأة توقفت عن منحتها، هذه الأسباب وغيرها جعلتنا ندرك أهمية مزارعنا وقرانا، وقررنا أن الموت بين مزارعنا وتحت سقوف بيوتنا أشرف وأعزلنا من حياة الاتكالية والعيش على اغاثات المنظمات”.
وللنزوح أضرار
اعتبِر الخبير الاقتصادي نبيل الشرعبي النزوح واحدا من العوامل التي تؤثر سلبا وبشكل كبير على واقع الفرد والمجتمع والبلد بنظامه الاجتماعي والاقتصادي والإنساني، فعلى مستوى الفرد يتسبب النزوح في فقدانه لمدخراته وأدواته التي تعب لأعوام في جمعها، ناهيك على إنهاء خططه الحياتية التي كان حرص على وضعها لتنظيم شئون حياته وعمله واستقراره الحالي والمستقبلي.
ويضيف الشرعبي: “أن الكثير من النازحين يفقدون وظائفهم جراء النزوح القسري وتتحول حياتهم إلى كارثة، ما يخص الفئة العمرية ما بين 6 إلى 18 عاماً، يتسبب النزوح لهم بفقدان فرص التعليم والحياة الآمنة ويعرضهم للخطر، وينعكس ذلك على مستقبلهم سلبا”.
ويواصل الشرعبي “يمتد الأثر السلبي من الفرد إلى الأسرة التي تتحول من حياة الاستقرار إلى حياة الشتات، يقابلها فاقة ومعاناة وفقدان ممتلكاتها و… إلخ، وهو ما يسبب تفكك الأسرة ويؤثر على أفرادها نفسيا، وهذا يضاعف من معاناة الأسر والتي تقف عاجزة عن دفع هذا الضرر الذي داهمها جراء النزوح”.
ويصل الأثر السلبي للنزوح، بحسب الخبير الاقتصادي، من الأسرة إلى المجتمع النازح، الذي من المحتمل أن يواجه حياة بائسة وضياع حاضر ومستقبل أجياله، مما ينجم عنه تبعات اقتصادية كارثية تتعمق أكثر فأكثر كلما طالت فترة النزوح، فمن فقدان الممتلكات إلى خراب الأراضي الزراعية إلى فقدان فرص العمل والمشروعات الاقتصادية الخاصة وتعطل طاقة الإنتاج جراء نزوح الأيادي العاملة والخبرات وارتفاع نسب البطالة، ويقابل ذلك ارتفاع للأسعار في مناطق المجتمعات المستضيفة للنازحين، والاضطرار إلى البناء العشوائي وطمر الأراضي الزراعية وارتفاع عمليات حفر آبار المياه العشوائية وغير ذلك، ما يقود إلى انهيار منظومة اقتصاد الفرد واقتصاد الأسرة واقتصاد المجتمع، ويصبح الجميع مستهلكاً، ويمتد تأثير ذلك إلى اقتصاد البلد ككل، حيث تتآكل قاعدة الإنتاج والزراعة والتنمية”.