“أوروبا ضحية صراع الكبار ! “

هشام الهبيشان

 

 

من المؤكد أن الصراع الروسي الصيني مع الأمريكان لا يمكن معالجته من خلال الحلول الجاهزة، فالعالم بمجموعه بدأ يتجه نحو صراع “غير معهود “، وسط فقدان القدرة على السيطرة على هذا الصراع، ما يؤكد أنه يسير بخطى متسارعة ربما نحو حرب عالمية ثالثة “قد تكون نووية –أو بيولوجية”، “والأمور تكاد تنفلت من عقالها” أو بالأحرى أنها انفلتت ” .
وفي تطورات متسارعة في العالم وليس ببعيد عن أزمة حرب أوكرانيا ، تعلن الصين التصعيد والاستعداد لحرب شاملة مع أمريكا التي تهدد الأمن الصيني ببحر الصين الجنوبي والجنوبي الشرقي وتايوان، وبالتزامن مع ذلك يهدد بوتين بأن بلاده قد تستهدف أي دولة “تهدد الأمن الروسي ” وهذا ما يؤكد استمرار الصراع الروسي الصيني – الأمريكي ، ولا يمكن لأي متابع أن ينكر “تحديداً “مدى وحجم الخلاف الدائر حول أوكرانيا وملفات المنطقة العربية وإيران وملفات عدة يتصدر أولوياتها توزيع مناطق النفوذ بين واشنطن وموسكو، بعض المتابعين يدركون جيداً أنه في هذه المرحلة تحديداً فإن الدولتين كلتيهما الروسية والأمريكية تعيشان الآن في حالة حرب سياسية ساخنة جداً قد تتطور مستقبلاً إلى صدام عسكري مباشر “والمطلوب كان فقط هو محاولة ضبط إيقاع الخلافات حتى لا تصل لدرجة الاشتباك العسكري المباشر “ولا مانع من حدوثه عسكرياً بين الحين والآخر في حال الضرورة من خلال الوكلاء بعيداً عن الجغرافيا الأمريكية والروسية والصينية”، وهذا الشيء ينسحب أيضاً على الصراع الاقتصادي التجاري الدائر اليوم بين واشنطن وبكين، الذي قد يتطور مستقبلاً إلى صراع سياسي عسكري كبير.
الأوروبيون بدورهم يدركون ويعون حجم هذه الخلافات ،ويدركون جيداً أيضا ان هدف تلك الاتصالات كان هو فقط ضبط إيقاع الخلافات الروسية – الأمريكية – الصينية ،حتى لا تتطور لنزاع عسكري سيفرض عليهم أن يكونوا جزءاً منه ،”لأنهم بدورهم حاولوا قدر الإمكان التخفيف من حدة التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين واشنطن من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على بريطانيا التي توترت علاقتها بالفترة الأخيرة مع روسيا، فهي الأخرى تريد لهذا التوتر بينها وبين روسيا أن يبقى في إطار سياسي “مرحلياً ” ولا تريد بالمطلق أن يتطور لصراع عسكري، لأنها تدرك جيداً أن أي صراع عسكري روسي صيني – غربي ،ستكون نتائجه كارثية على الجميع .
وعندما نتحدث عن حقائق الخلافات بين الروس والصينيين من جهة والأمريكان من جهة أخرى والتي يدركها الأوروبيون جيداً، فهذه الخلافات كادت أن تتطور في المرحلة الأخيرة لصدام عسكري “نووي – كارثي “مباشر “وهي مازالت مرشحة اليوم لهذا التطور “، وخصوصاً عندما هدد بوتين بالرد على أي هجوم أمريكي عسكري نووي يستهدف موسكو أو حلفاءها، فالأمور كادت أن تنفلت من أيدي الجميع، وتتطور نحو سيناريو عسكري كارثي سيشمل القارة الأوروبية بمجموعها وستكون من أهم مسارح هذا الصراع العسكري.
الأوروبيون بدورهم يعون جيداً بأن الخلافات الروسية – الأمريكية، لا يمكن أن تحل باتصال أو بقمة رئاسية ولا بمجموعة قمم وأن نهايتها “ستكون المواجهة العسكرية المباشرة “، ولكنهم يسعون قدر الامكان لتأخير هذه المواجهة ويحاولون ضبط إيقاعها، رغم أن الروس والصينيين في هذه المرحلة تحديداً، وأكثر من أي وقت مضى أصبحوا بشكل أكثر واقعية تحت مرمى وتهديد مشروع أمريكا، فالروس اليوم باتوا بين مطرقة الدرع الصاروخية الأمريكية التي باتت بحكم الواقع قريبة من الحدود الروسية، وتشكل خطراً محدقاً بأمن المنظومة العسكرية الروسية، وخطر خسارة أوكرانيا لصالح الغرب، واحتمال فقدها لكثير من مناطق نفوذها في الشرق الأقصى والشرق الأوروبي وبالشرق العربي، وسندان تقويض جهودها التوسعية والوصول إلى مناطق ومراكز نفوذ جديدة والاستغناء عن مراكز نفوذها القديمة لصالح القطب الأوحد الأمريكي والانكفاء على نفسها، وليس بعيداً عن كل ذلك الملف السوري وغيره من الملفات وخصوصاً الثروات الطبيعية وملفات حقول الطاقة في الدول التي تتحالف مع الروس “الثروات الطبيعية الإيرانية- كمثال”، ومن جهة أخرى يدرك الروس حجم المؤامرة الأمريكية والتي أفرزت ما تسمى بـ“حرب النفط”، والتي تستهدف اركاع القوة الروسية ، والحد من تصاعد النفوذ الروسي .
وهنا وعند الحديث عن الصين أيضاً، فالأوربيون بدورهم يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوط الأمريكية والعقوبات الاقتصادية على الصين، وخصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية «مرحلياً» بخصوص ملفي بحر الصين الجنوبي وتايوان، فالأوروبيون يدركون أنّ النظام الأمريكي الرسمي وحلفاءه في الإقليم الآسيوي المحيط بالصين، يستعمل سلاح الممرات البحرية والمعابر الدولية ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الصيني، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كلّ هذه الملفات الوضع في بحر الصين الجنوبي، ومن هنا أدرك الصينيون مبكراً أنّ أمريكا وحلفاءها في الإقليم الآسيوي يحاولون بكلّ الوسائل جلب النظام الرسمي الصيني وحلفائه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الصينيون وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم الآسيوي، ولذلك قرروا الذهاب نحو رفع سقف التهديد بالخيار العسكري ضد واشنطن في الفترة الأخيرة، وبالطبع بالتنسيق مع الروس .
وهذه الضغوط التي تمارسها واشنطن على موسكو وبكين ، يعرف الأوروبيون أن الوصول إلى مسار تفاهمات حولها بين الروسي والأمريكي بهذه المرحلة هو «شبه مستحيل ،فهذه الملفات تحتاج إلى تفاهمات «كبرى «((لا يريدها الأمريكي بالمطلق ))» وهنا من الواضح أن هناك جملة من التعقيدات الأمريكية التي تمنع الوصول إلى هذه التفاهمات، هذه التعقيدات تدفع نحو تأكيد صعوبة بناء وثيقة تفاهم أمريكية – روسية صينية، قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية.
*كاتب وناشط سياسي – الاردن.

قد يعجبك ايضا