رحيل الرجل الأول للتوثيق في اليمن
علي سعد طواف*
رحل الأخ الأستاذ القاضي الفاضل الأديب المثقف القائد الإداري والموثق للذاكرة التاريخية الوطنية / علي أحمد أبو الرجال (ذاكرة اليمن الحديث) من مواليد مدينة صنعاء في عام 1352هـ الموافق 1933م. وهو غني عن التعريف وقد كتب عنه الكثير من الباحثين والمهتمين عن أعماله واهتماماته وخبرته وحياته الشخصية … الخ.
إلا أنني سأكتب عنه من خلال تجربتي في العمل معه وتحت إدارته خلال مدة تقارب أربعين عاما، وكانت البداية بعد تعيينه نائبا لمدير مكتب رئاسة الجمهورية عام 1983م، وكنت حينها أعمل مدير عام الشؤون الإدارية بالمكتب، فقد كان الرجل الثاني لإدارة المكتب وكذلك المهتم والمتابع لجميع أعماله الفنية والإدارية والأرشيفية، وقام بتنشيط أعمال المكتب ودوائره والمشاركة في إعادة تنظيم المكتب وإصدار اللائحة التنظيمية وتوزيع الاختصاصات للدوائر بطريقة حديثة تسهل على المكتب متابعة وتنفيذ أعمال مختلف الجهات الحكومية باعتباره المكتب الفني لرئيس الجمهورية .
وبسبب الأوضاع السياسية وحاجة اليمن للوثائق التاريخية، تم تشكيل لجنة جمع وحفظ الوثائق بقرار رئيس الجمهورية رقم 22 لسنة 1984م وتعيين القاضي علي أحمد أبو الرجال رئيس اللجنة وعضوية عدد من الشخصيات الوطنية المهتمة بالتاريخ والتوثيق، وكان الهدف الرئيسي من إنشائها الاهتمام بجمع وحفظ الوثائق التاريخية من مختلف الجهات الحكومية والمحافظات والشخصيات الاعتبارية، وقد عملنا مع بعض الزملاء تحت قيادته وإدارته ومتابعته واهتمامه في جمع الكم الكبير من الوثائق من العديد الجهات الحكومية ونقلها إلى مقر اللجنة بمكتب رئاسة الجمهورية، والقيام بتنظيفها وفرزها وتصنيفها، بحسب توجيهاته ومتابعته لتسهيل الرجوع إليها.
وبعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة تم إنشاء المركز الوطني للوثائق بالقرار الجمهوري رقم (25) لسنة 1991م وتعيين القاضي علي أحمد أبو الرجال رئيسا للمركز بدرجة نائب رئيس وزراء، بموجب قرار مجلس الرئاسة رقم (3) لسنة 1991م، وعملت تحت إدارته في العمل على استكمال إنشاء ومواصلة جمع وحفظ وتنظيم الوثائق، وبعد تعييني وكيلاً للمركز بقرار رئيس الجمهورية عام 1997م، تم إنجاز وتحقيق العديد من الإنجازات التشريعية والإدارية والفنية وتوفير التجهيزات والإمكانيات اللازمة عن طريق المساعدة من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وميزانيته المعتمدة للمركز تحت إشرافه ومتابعته لكل صغيرة وكبيرة.
وسأحاول أن أوجز في ما يلي أهم الاهتمامات والصفات الشخصية والامتيازات التي يمتاز بها القاضي علي أحمد أبو الرجال من خلال تجربتي الشخصية طوال الفترة الماضية:
• يعتبر القاضي علي، الأب الروحي للوثائق والتوثيق في اليمن (عاشق الوثائق)، كما يطلق عليه بعض المؤرخين والمهتمين، وكانت مكتبته الخاصة تعتبر مرجعاً لكثير من الباحثين والدارسين لإنجاز أبحاثهم ودراستهم العلمية قبل إنشاء المركز.
• منذ بداية حياته اهتم بالتوثيق والأرشفة، فقد قام بجمع وحفظ الأعداد الأولى من صحيفة الثورة منذ صدورها عام 1962م حتى عام 1976م ، وكذا الجريدة الرسمية للجمهورية العربية اليمنية لنفس الفترة ، وعند سؤاله عن طريقة جمعها لتلك الفترة قال إنه شاهد سيارة مليئة بالصحف والمجلات والجرائد الرسمية تبع جهة حكومية، وعند سؤاله للسائق أين ستذهب بها، أبلغه أنه سيقوم بإتلافها، فقام بجمعها ونقلها وترتيبها والاحتفاظ بها في منزله، ومواصلة التوثيق لأي إصدار جديد حتى عام 1976م، تاريخ إنشاء مكتب رئاسة الجمهورية الذي يحتوي على توثيق الصحف حتى إنشاء المركز ، وبعد إنشاء المركز الوطني للوثائق أهداها له، وتعتبر مرجعاً مهماً وإضافة إلى ما تم جمعه بالمركز لجميع الصحف المحلية قبل الوحدة وبعد الوحدة ولفترة تقارب 150 عاماً.
• حضر العديد من المؤتمرات العربية والدولية في مجال الأرشيف والتوثيق، وكان القاضي علي أبو الرجال من الكفاءات التوثيقية على المستوى العربي والدولي، حيث انتخب نائب رئيس الفرع العربي للمجلس الدولي للأرشيف.
• عمل على تطوير العلاقات بين المركز والمراكز الشقيقة والصديقة ووقع مع نظرائه عدداً من الاتفاقيات الثنائية في مجال الأرشفة وزار عدداً من البلدان الشقيقة والصديقة (مصر، تركيا، المملكة العربية السعودية، تونس، الجزائر، الكويت، لبنان، إيطالياـ فرنساـ ألمانياــ اندونيسيا، ماليزيا … ).
• حصل على أوسمة وجوائز عديدة على المستوى الوطني والعربي وكذلك العالمي ومن أهم ذلك وسام التعاون عام 1978 من الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح و كذلك وسام الملك عبدالعزيز عام 2001م ووسام الفنون والآداب رتبة فارس من وزارة الثقافة الفرنسية عام 2007م.
• متابعة الحصول على الدعم عبر منظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو للحصول على أحدث الأجهزة الحديثة في مجال حفظ وصيانة الوثائق.
• يعتبر القاضي علي أحمد أبو الرجال مدرسة أو بالأصح جامعة لما له من خبرة ودراية في المجال العلمي والثقافي والفقهي والديني والأدبي والطبي، فثقافته واطلاعه واهتماماته واسعة في مختلف المجالات.
• رجل إداري متمكن من الدرجة الأولى يهتم ويتابع جميع الأعمال منذ بدايتها حتى نهايتها.
• يتابع التطور الإداري في المجال الإداري ويعمل على تطبيقها ليحسن من أداء الأعمال في جميع الجهات التي تولاها منها وكيل وزارة الأشغال ومحافظ صنعاء ومحافظ الحديدة ومكتب الرئاسة والمركز.
• مطلع في مجال التاريخ اليمني خاصة التاريخ الحديث ويعتبر مرجعاً لكثير من الباحثين في إعداد دراستهم خاصة لفترة حكم الإمامة والحكم الجمهوري، فقد عاصر فترة أحد عشر إماما ورئيساً ابتداء من حكم الإمام يحيى حتى الوقت الحاضر.
• ساهم في العديد من الإصدارات عن (العلاقات اليمنية الفرنسية، واليمن في العهد العثماني، والشذرات الغنائية من الذاكرة الشفوية اليمنية).
• إن ما تم جمعه وحفظه في المركز من الوثائق التاريخية تقدر بمساحة 12 كيلو متراً طولياً من الوثائق محفوظة في حوالي 37000 حافظة كرتونية تشمل جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والقانونية والصحفية … الخ، تمثل مختلف المراحل التاريخية لليمن من فترة الحكم العثماني والاستعمار البريطاني وفتره الإمامة والجمهورية وكذلك بعد الوحدة اليمنية.
• نظيف اليد وأنزه رجالات الدولة في جميع الأعمال التي تولاها وتعتبر الأمور المالية آخر شيء يفكر فيه وفي كثير من الأحيان يقوم بشطب وتنزيل مستحقاته القانونية التي تصرف مقابل الأعمال التي تنجز ضمن كشف الموظفين.
• رجل خير وإحسان لجميع من يعرفه ومن لا يعرفه ، ويتعاون مع الجميع في كل الأعمال الخيرية والإنسانية .
وهنا يجب أن نشير إلى أن القاضي علي أبو الرجال كان يتمنى أن لا ينتقل إلى جوار ربه إلا وقد تم تنفيذ مشروع مبنى المركز الوطني للوثائق في الأرضية المخصصة في قاعة المؤتمرات خلف وزارة الخارجية ، والتي تم وضع الدراسات والمخططات للمبنى بحسب المواصفات العالمية لمراكز التوثيق وبخبرات عربية ودولية (ألمانية) ، إلا أنه أخيراً كانت أمنيته أن يتم تصفية الأرضية من المعتدين عليها والذين قاموا بالبناء فيها بالرغم من تسويرها وحجزها .
إن الحديث عن حياة القاضي علي أحمد أبو الرجال يحتاج إلى كتب وأبحاث، وأتمنى من الدارسين والمهتمين في الجامعات اليمنية القيام بدراسة حياة القاضي العملية والمهنية والشخصية، ونحن على أتم الاستعداد لتوفير البيانات والمعلومات اللازمة.
* وكيل المركز الوطني للوثائق