هاجس الوحدة كضرورة وطنية

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد


خلال سوالف الأعوام والسنين وصل الكثير من الناس إلى قناعة بضرورة فك الارتباط وعودة اليمن إلى يمنين اثنين ، وكانت هناك كتابات تتحدث عن الوحدة بين الضرورة والضرر وفك الارتباط ، بعد أن بلغ الناس إلى ذروة الاحتقان النفسي ووصل الحال إلى التنافر الاجتماعي ، والضيق ، والتباس الهوية ، وتنافر السلوك ، ويبدو أن الأحوال تصنع نقائضها ، فحالة الانسجام قد تصنع تنافرا ، والتنافر قد يصنع تناغما وانسجاما ، وقد كانت حركة الاضطرابات التي حدثت خلال عقد ونيف من الزمن كفيلة أن تعيد الناس إلى جادة الصواب ، ففك الارتباط الذي كان يشتغل في وجدان الناس لم يعد حلا في نظر الكثير ، بل قرأنا كتابات لسياسيين كانوا من دعاته يقولون اليوم عكس ما كانوا عليه من موقف في سنوات العقدين المنصرمين من عمر الوحدة اليمنية كما أن مستوى التفاعل مع العيد يختلف تماما عما كان عليه الحال في سوالف الأيام .
إذ شهد عيد الوحدة الثاني والثلاثون خروج المرتزقة ببهرج باهت ، وأظهر الإخوان حالة مزايدة سياسية في إعلامهم تتناقض ومواقفهم المعلنة منها ، وتتناقض وحالة التضاد والتنافر التي أحدثوها صيف 94م في الوجدان الشعبي دون أن يكلفوا أنفسهم مهمة النقد وتصحيح السلوك والاعتذار عن التوحش ،والاستغلال ،وتكريس ثقافة الغنيمة والابتزاز ، مما ترك آثارا سلبية على مسار الوحدة وأنساقها المختلفة.
وخلال سوالف الأيام حاول الانتقالي أن يعلن عن وجوده تحت عنوان فك الارتباط والمطالبة بالاستقلال – كما يزعم – فخاب وخسر كل رهاناته على الشارع ، ويبدو أن الشارع الجنوبي قد أدرك حقيقة مشروع الانتقالي فلم يسر في ركبه بل ترك الركب وحيدا إلا من نفر قليل ربما تقاضوا أجرا على فعل ما يرغب الانتقالي في الوصول إليه من أمجاد لا تخص شعب المحافظات الجنوبية والشرقية ، بل تخص زمرة الإمارات ، وكعادة الإمارات التي دأبت عليها قد تستخدم الزبيدي وزمرته إلى أمد ثم تخلعهم كما يخلع المصلي الحذاء عند ولوجه عتبة المساجد ، ويبدو أنه لم يبق من الانتقالي إلا شعاره ورسمه وبعض قياداته – في ظل وجود سؤال عن المعتوه هاني ابن بريك الذي كاد أن يعبد قادة الإمارات فغاب عن المشهد وما نكاد نسمع له ركزا – وبضع جنود يتقاضون مرتباتهم من الإمارات وهم في تناقص واضمحلال دائم .
حدث في القرن العشرين – وفي النصف الأول منه – أن عزف المستعمر على فكرة الجنوب العربي محاولا فصل الجغرافية التي يستعمرها عن هويتها التاريخية والحضارية من خلال خلق هوية جديدة ، واشتغل على التقسيم وخلق هويات مجزأة في عموم المحافظات الجنوبية والشرقية ، وخرج شعار في عدن يقول :عدن للعدنيين ، ودعم المستعمر مشروع الجفري الذي كان ينادي بفصل الجغرافيا التي يحتلها المستعمر البريطاني تحت مسمى جديد هو الجنوب العربي ، ولم يطل الأمد بهذا المشروع حتى أكلته نيران الثورة ،فتوارى، ولم يكد الناس يسمعون له من ركزا ، فقد جاءت الفكرة من خارج السياق الحضاري والنسق التاريخي فلم تكتمل مقومات النجاح فخاب وخسر .
واليوم يعود المستعمر لذات الفكرة دون أن يستفيد من قانون التاريخ ولا من حقائقه الثابتة ،ولن يصل إلى مقاصده ، بل سوف يتجرع ويلات النتائج التي تجرعها غيره في الأزمنة القديمة والمعاصرة ، فاليمن يحن إلى التشظي ، وحين يتشظى يحن إلى التوحد ، وتلك هي متواليات التاريخ وذلك هو ديدنه في اليمن ، لذلك من الغباء القفز على عنصر التاريخ مهما كانت الأسباب والمبررات والدوافع .
وجاء خطاب صنعاء كجامع ومؤكد على وحدة التراب ، ووحدة التاريخ ، ووحدة المصير، فالوحدة خيار شعبي كما يؤكد خطاب رئيس المجلس السياسي الأعلى، وهي منجز تاريخي تجاوز به شعبنا حالة الفصل التي وضعها المستعمر ، وهو اليوم يحاول أن يتجاوز محاولات الفصل التي يصنعها المستعمر الجديد ، وتشكل صنعاء في ظل كل التجاذبات التي حدثت في زمن الاضطراب – الذي بدأ عام 2011م وما يزال مستمرا – الصخرة الصلدة التي تتكسر على صوانها كل المؤامرات ، إذ أن لا الزمن ،ولا الأحداث والوقائع شهدوا تصرفا مناطقيا منها ، ولا سلوكا عدائيا ضد أي مواطن من عموم اليمن رغم حجم الفاجعة، وغلظة الأخلاق والتوحش الذي مارسه الكثير على أسس مناطقية وطائفية ، فلا تعاملت مع مصطلح “مطلع/ ومنزل” وفق معطياته من سحل وسلخ وتصفيات جسدية ، ولا مع مصطلح “دحباشي” وفق معطياته من عداوة وتهجير ومضايقات وحرق محلات واعتقالات ، بل ظلت كما كانت الحالة الجامعة لليمن واليمنيين التي حددت بوصلة النضال في القرن العشرين حتى تحقيق الاستقلال والحرية والسيادة ، وهي اليوم تقوم بذات الدور تحدد بوصلة الجهاد حتى الوصول إلى الحرية والاستقلال وبسط النفوذ والسيادة على كامل التراب اليمني، وقد كان خطابها السياسي والإعلامي واضحا في هذا الاتجاه ، فخطاب الرئيس مهدي المشاط – رئيس المجلس السياسي الأعلى عشية عيد الوحدة حمل فصل الخطاب بكلمات قليلة موجزة وحدد موقف صنعاء من الوحدة الوطنية حتي تخرس ألسن الذين يتاجرون بمقدرات الوطن، فالوحدة من “الثوابت الوطنية ولم تكن يوما من صنع أشخاص أو أحزاب وإنما كانت وستبقى صناعة شعب يستعصي على الانكسار وهي استحقاق وطن لا يقبل التجزئة” كما ورد في خطاب الرئيس .
لذلك فموضوع الوحدة قضية لا يمكن المساومة عليها ، وستظل هاجسا وطنيا عند كل الشرفاء حتى تستعيد اليمن عافيتها وتبسط نفوذها على كامل التراب اليمني ، فراية الجهاد إذا علت تتداعى تحت ضرباتها أطماع المستعمر .

قد يعجبك ايضا