يستقبلونه قبل قدومه بشهر والمغتربون يعودون إلى قراهم لعيشوا لياليه الروحانية:رمضان في الريف اليمني .. عادات وطقوس روحانية مميزة

 

لا تختلف طقوس استقبال شهر رمضان في الريف اليمني كثيرا حتى مغادرة هذا الشهر الذي يختلف عن كل شهور السنة عند اليمنيين في التحضير والتجهيز والاستعداد لاستقباله لما لهذا الشهر من قدسية وحب وفرحة لقدومه.
كل أبناء الشعب اليمني يستعدون لهذا الشهر من أول أيام شهر شعبان وأحيانا من شهر رجب فالتحضير له يكون على قدم وساق، مثلا كل أبناء الريف يعملون طوال السنة في الغربة سواء خارج الوطن أو داخله وعند قدوم رمضان يوقفون أعمالهم ويتحضرون للسفر والعودة إلى البلاد فلا يحلو لهم صيام رمضان إلا في قراهم وبين أهاليهم وذويهم.
يسافر المغتربون من كل أقطار العالم ودول الخليج على رأسها فتجد منافذ الجمهورية اليمنية مزدحمة جدا بالمسافرين اليمنيين القاصدين اليمن ويتجهون إلى قراهم لقضاء أيام وليالي الشهر بين أسهرهم وهذا يعني أن لشهر رمضان شأن آخر وشعور مختلف عند أبناء اليمن رغم كل الصعوبات والحرب والحصار إلا أنهم يغامرون ويتوكلون على الله ويتجاوزون كل المخاطر والصعاب من أجل أن يكونوا بين أسرهم في رمضان وكما يقول المثل الشعبي «لا يرتاح الغراب إلا على قرماده» هذا هو اليمني وحكايته مع شهر رمضان.
يرى البعض أن رمضان تختلف طقوسه من منطقة إلى أخرى إلا أن الطقوس لا تختلف إلا في بعض المأكولات كما يعتقد البعض لأن رمضان يشكل عند اليمنيين مناسبة دينية سنوية وفرصة للاحتفال بطقوسه وله خصوصية ثقافية في كل ربوع الوطن توارثها الآباء عن الأجداد.
وللأجواء الرمضانية في مناطق الريف اليمني عموماً نكهة ومميزات خاصة إذ قبل حلول الشهر الفضيل يشرع الناس في الريف على إعادة طلاء المنازل والمساجد، حيث تعد أسلوباً متوارثاً جيلاً بعد جيل ،فتتحول البيوت في الجبال إلى حدائق معلقة مضيئة لاعتياد الناس على إضاءة مصابيح خارج المنازل حتى الصباح طوال شهر رمضان، فضلا عن استقباله بإشعال القاز والرماد ترحيبا بقدومه.
في الريف لا يفطر الناس كما في المدينة حيث جرت العادة في كل أرياف وقرى و مناطق اليمن أن ينظموا موائد إفطار الصائم ويفطروا في المساجد ولا أحد يفطر في بيته إلا النساء فيتسابق السكان في تزويد مائدة الإفطار الجماعي وكل شخص بما عنده في منزله.
وبعد الانتهاء من الصلاة يخرج الناس إلى ساحات المساجد ويرددون بصوت واحد ابتهالات روحانية وتراحيب برمضان أما في نهاية الشهر فتكون الابتهالات والشعارات توديعية للشهر الفضيل وطلبا بعودته كقولهم « وداع وداع يا رمصان تروح وترجع يا رمصان».. يتحسر الناس على فراق رمضان ويتمنون بقاءه طوال السنة.
وعند الإنتهاء من الطقوس على باحة المساجد يتعازم الناس ويذهب الجميع إلى المقيل كل يوم عند شخص في القرية وتكون الأجواء مفعمة بالمشاعر الروحانية والدينية والذكر وفي مناطق جبل حبشي محافظة تعز وكثير الأرياف اليمنية تقام «الحضرة» المولد بمديح الرسول الكريم ومسيرته العطرة ويغيب عن المقيل الحديث عن الوضع السياسي على غير العادة فالمقيل ذكر وخواطر ومدائح .
وكما تحدثنا سلفا يعود آلاف المغتربين وكذا تعود الكثير من الأسر التي هاجرت بفعل الهجرة الداخلية وطلب الرزق إلى محافظات ودول أخرى.. يتوافد المغتربون إلى قراهم فتبتهج المنازل بعودة أبنائها.
رمضان قصة تبدأ حروفها في أواخر شعبان الكل يعد لاستقبال الشهر الفضيل حيث تتزين البيوت بالقناديل حتى أن ليالي رمضان تصبح نهارا.. وأكثر اهتمام الرجال الأكبر سنا في رمضان هو الكشاف «الإتريك» أو «الليت» الذي يصاحبه طيلة ليالي رمضان عند ذهابه لأداء صلاة العشاء والتراويح .
في نهار رمضان وبالتحديد خلال فترة العصر الذي يتميز بالهواء الطلق يخرج الناس إلى السوق والذي يكون عادة في قرية معينة أو في مركز المديرية يتوافد الناس إليه يشترون احتياجاتهم وأغراضهم التي تتطلبها وجبات الإفطار ( العشاء) الخاصة برمضان حيث يكون رمضان منفردا بكافة طقوسه عن بقية الشهور.
تتصاعد الأدخنة من البيوت في لحظات العصر حيث يصنعن النساء «اللحوح» للشفوت وباقي الوجبات حيث يفضل أغلب الناس اللحوح في رمضان عن الخبز إلى جانب الملوح و الفطير والكدر كما ينطقها بعض أبناء مناطق تعز ..
تجتمع الأسرة على مائدة الإفطار والتي تتعدد فيه الأطباق من الشفوت واللبن البلدي الذي تنتجه الأبقار والشوربة وأنواع العصيرات كالليمون والجوافة إلى جانب الخضار والفواكه .
أيضاً من الاهتمامات في رمضان الزيارات التي تكون إلى قرى مجاورة يتزاور الأقارب فيما بينهم ويقدمون لهم تهاني رمضان ويقضون لمة أسرية متكاملة في حضور كبار السن أو عمدة الأسرة يتجمعون في المقيل وتصدح التواشيح الرمضانية التي يكون بعضها من التراث الصوفي وتسمى ( المدائح) وتفوح العطور والبخور حتى قرب السحور، هذه هي الأرياف اليمنية بعاداتها وتقاليدها خلال رمضان وليالي هذا الشهر الكريم .. ومن لا يعرف هذه الطقوس الرمضانية في الريف فما عليه إلا حزم حقيبة ملابسه والانطلاق نحو قريته ليعيش هذه الأجواء الجميلة والمختلفة .. ومن كذَّب جرب.

قد يعجبك ايضا