نحن أمام مؤامرة بعناوين متناقضة لم نتوصل بعد إلى فك خيوطها الملتوية نتيجة تعقيدات الملفات وتداخلها من بكين حتى موسكو وكييف وصولاً إلى لندن وواشنطن وانعكاسات ذلك على الرياض وأبوظبي وصنعاء ولهذا عندما نستمع إلى تحرك جديد فيجب أن نقرأ العنوان من زوايا مختلفة قبل أن نهتدي إلى مسار تجريبي عادةً ما يلجأ اليه السياسي لفك بعض التعقيدات المتشابكة، ولهذا يمكن إخضاع الطرف الآخر للمزيد من التجربة حتى نقف سوياً أمام ما يجب أن نتوقعه مستقبلاً وهنا نتحدث عن حُسن النوايا، فعندما يُقدم طرف معين على دعوة أو مبادرة الهدف منها تحقيق السلام، كما يقول الذين أعتدوا علينا ظلماً وعدوانا قبل سبع سنوات من اليوم، فعليهم إثبات حسن نواياهم حتى نكون أكثر قدرة على تقبل فكرة أننا أمام متغير جديد في مسار العلاقة التصادمية المستمرة جراء الفعل وردة الفعل والدور الأجنبي فيما يحدث.
لسنا هنا بصدد التشكيك بكل ما قد يصدر عن مستشاري ولي العهد وهو على كرسي تهزه أصابع بايدن وتكاد أن تعصف به في أي لحظة بل إن علينا دفع هذا الكرسي للثبات من تلقاء نفسه اعتماداً على مثبتات محلية وإقليمية وليس بالضرورة أمريكية، وسيصبح كذلك إذا تمكن ابن سلمان من إثبات توجهه الجديد من خلال اليمن، وإلا فما الداع لكل هذا الاستعراض الإعلامي الذي يشير إلى أن الرياض باتت اكثر استقلالية من ذي قبل وأن الأمر ليس مجرد رسائل مشفرة لبايدن حتى يستجيب لابن سلمان قبل أن يذعن الأخير للمطالب الأمريكية فيما يتعلق بالنفط وروسيا والحصانة ضد أي ملاحقة بسبب قضية خاشقجي والخروج من حرب اليمن.
في الحقيقة لا يوجد ما يشجعنا لا من الناحية التاريخية أو المقاربات الحالية للعلاقات بين واشنطن والرياض ما يجعلنا نثق ولو بشكل بسيط أن هناك تغيراً كبيراً في الرياض يمكن أن نبني عليه بعض التوجهات الجديدة .. فلو كان ذلك صحيحاً ولو بنسبة ضئيلة جداً لكان الوضع لدينا ليس كما هو عليه الآن.
نعم وبحكم القراءة التاريخية لمسار التعاطي السعودي مع الملف اليمني فإننا لسنا أمام أي جديد سوى برنامج إعلامي مطول سنشهده سوياً قبل أن يكتمل على أعتاب شهر رمضان ببيانات مكررة وهنا تكون الرياض قد أرسلت رسالة خاطئة لليمنيين بمن في ذلك أولئك الذين طالت بهم طقوس الحج إلى قصور الرياض لدرجة أن السعوديين أنفسهم ينظرون اليهم كدودة زائدة ينبغي استئصالها قبل أن تتحول إلى قنبلة مزعجة خاصة إذا لم تجد ما تلتهمه من أموال لقاء خدماتها المستمرة للمملكة منذ عدة سنوات.
لماذا هنا لا يُقدم الجانب السعودي على خطوات حسن النوايا ولتكن هذه الخطوات موجهة للشعب اليمني كرفع إجراءات الحرب الاقتصادية وفتح المجال لتفعيل تفاهمات سابقة تتعلق بدفع رواتب موظفي الدولة والممرات الإنسانية وخطوات عدة أخرى من السهولة على السعودي فعلها لتأكيد رغبته في تغيير سياساته تجاه اليمن، أما إذا كان يرغب في الولوج إلى جولة جديدة من آلاعيبه السياسية فستكون نتائج هذه الجولة وخيمة عليه لأنه لن يتمكن من لملمة تداعياتها بسهولة فستكون اللعبة قد انقلبت عليه وفي عقر داره وسيتأثر موقفه الخارجي كذلك لأننا لا نتحدث عن حديقة خلفية يتحكم بها السعودي بعد سبع سنوات من الخيبة والفشل ولا نتحدث فقط عن لاعب أجنبي واحد بل عن لاعبين ستدفعهم التطورات إلى هذه النقطة المهمة من الصراع العالمي وبقدر تحول الموقف السعودي ستكون التحولات على المواقف الدولية التي ستحاول جر المملكة إلى فصل جديد من صراع سيخضع حتماً لبعض التعديلات من حيث الأساليب وحجم الإصابة، كل ذلك مع شعب يمتلك عزيمة على الاستمرار في المواجهة وحينها سيكون السعودي الأضعف في التأثير لكنه المتضرر الأكبر من تبعات خيباته المتكررة في التحديد العكسي الأذنه اليمنى ومكابرته المستمرة في عدم الإقرار بذنب ما ارتكبه بحق جيرانه من خلال الإصرار على تجاهل الواقع والهروب إلى الشكليات الخادعة بدلاً من الاعتراف بجوهر المشكلة وكيفية حلها وهذا بحاجة إلى شجاعة نادرة نستبعد أن يمتلكها ابن سلمان على الأقل خلال هذه المرحلة ولعل ما هو ممكن اليوم أمامه للخروج بأقل الخسائر سوف يصبح أكثر صعوبة غداً حين يكون قد ابتعد كثيراً عن المسار الصحيح الذي لن يكون متاحاً بعد الآن كما هو الآن.
عموماً … المقدمات ليست مبشرة والمؤشرات لا تدفعنا للتفاؤل والكرة لا تزال في ملعب السعودي ولو تخفى هذه المرة خلف المبعوث الأممي أو المنظومة الخليجية.