خطف اللحظة التاريخية ومنطق الأولويات في السياسة

عبدالله بن عامر

لكل بلد أولويات في التعامل مع الملفات اليومية الداخلية وكذلك الخارجية.
وبحكم الأولويات نرى الدول تضع نصب أعينها أهدافاً ينبغي تحقيقها وتحاول بشتى الوسائل المقاربة الواقعية بين ما تمتلكه من أوراق وبين ترجمة أولوياتها العملية في بناء مشروعها.
وبما أن للسعودية أولويات، أيضا لليمن أولويات، وكلاً بحسب حاجته الملحة وبما يحقق الاستجابة لتلك الأولويات التي تسخر من أجلها كافة الإمكانيات ضمن الخطة الاستراتيجية.
ومع مرور الأيام وتطورات الأحداث تجد الدول نفسها أمام متغيرات طارئة كانت خارج توقعاتها ضمن خطتها العامة، فتلجأ إلى إحداث تعديلات على مسار توجهها العام للاستجابة للأولويات الطارئة، وما أكثرها لدينا وفي تاريخنا القريب والحالي.
قد تتصادم أولويات الدولة مع دولة مجاورة، بحكم الصراع والتدافع، وتتصادم أولويات الدول الكبرى بالصغرى، وتتصارع أولويات القوى العظمى، وهكذا يُحسن جهابذة السياسة التعامل مع ملفات الأولويات من خلال الإدارة بمنطق فرض الإرادة على الغير، إما بالقوة الناعمة أو الصلبة.
كل ما يجري حولنا هو تصادم في أولويات الدول فهناك، دول قد تسهم بإجراءاتها ومواقفها في دفع دول أخرى إلى التغيير الجذري في أولوياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والعسكرية، كوجود تهديد على كيان الدول وفق مفهوم الدولة ذاتها عن أمنها الجماعي ومجالها الحيوي ومصالحها التي لا يمكن أن ترتبط إلا بالجغرافيا وبالتاريخ وبالهوية العامة , لكن في نهاية الأمر لابد أن يكون هناك أولويات تترسخ في الذهنية العامة.. على ضوئها يعبر الشعب مرحلة مهمة من تاريخه إلى مرحلة أخرى ولابد أن تكون الأولويات واضحة للشعب ولا يؤدي هذا الدور إلا الخطابين السياسي / الإعلامي للدولة ضمن المنظومة الإعلامية القادرة على الحشد والتعبئة ولا نقصد هنا مجموعة قنوات أو إذاعات بل منظومة إعلامية تشمل الشخصيات الإعلامية من رأس الهرم القيادي في الدولة حتى القاعدة العريضة بما في ذلك المؤسسات المختلفة.
لدينا أولويات تتمثل في إيقاف العدوان ورفع الحصار ويجري العمل ليل نهار على تحقيق ذلك، كوننا ودون سابق إنذار وجدنا أنفسنا تحت وابل القنابل الأمريكية ووجدنا هناك عرض البحر سفناً حربية أمريكية تتحكم بالحركة القادمة إلى ميناء الحديدة ووجدنا في سياق كل ذلك سفناً حربية تقصف وعشرات الطائرات الحربية بأعلام عربية تقصف وتنشر الدمار، وصرنا أمام واقع جديد فُرض علينا كشعب، أولويات صار من الواجب على السلطة التي تدير المعركة حالياً وهي ترسم مسار المعركة المصيرية أن تؤكد للشعب في كل مرحلة أن أولوياتنا هي إيقاف العدوان ورفع الحصار وحين نتمكن سوياً من صناعة ذلك- وها نحن نفعل- سنكون على أعتاب مرحلة جديدة من الحرية والاستقلال، وفي تلك اللحظة التاريخية سنكون قد كتبنا ليس لأنفسنا فقط بل ولأجيالنا أننا حققنا انتصاراً تاريخياً يجعلنا على أعتاب مرحلة الدولة.
قد يكون مثل هذا الحديث عبارة عن تكرار لما يتردد في خطابنا السياسي الإعلامي لكن مثل هذا الحديث يجب أن يتكرر ليل نهار لاسيما ونحن في مرحلة الفوضى الإعلامية التي تتطلب منا المزيد من الابتكار في وسائل الاتصال الإعلامي بالجماهير، فالشعب هو صاحب الامتياز الحقيقي في صناعة مستقبله وليس من المستبعد أن يتمكن العدو في لحظة غفلة نعاني منها من اختطاف هذه اللحظة وما أقربه إلى ذلك، لاسيما وهو يحاول هذه الأيام أبعادنا عن مناسبة يوم الصمود الوطني فماذا عن هذه المناسبة؟
أي أن صمودنا في وجه كل هذا الشر القادم الينا من خلف البحار ومن خلف الحدود المصطنعة والسماء المفتوحة سيدخل عامه الثامن .. أليس هذا العنوان يستحق منا أن نقف احتراماً لأنفسنا ولو لدقائق .. نعم، أوجاعنا أكبر من أن نكتب عليها ومعاناتنا أصعب من أن نعبّر عنها، لكن صمودنا يستحق منا أن نقول لمن راهنوا على سقوط هذا الشعب خلال أسابيع وخلال أشهر لم يحققوا أهدافهم، وها نحن على أعتاب العام الثامن وهذا في حقيقة الأمر ليس ابتهاجاً، وإن كان يحق لنا أن نبتهج لكننا نرى إلى معاناتنا بنفس النظرة التي نرى فيها إلى صمودنا وأهميته، ولذلك فإن ثمان سنوات من الصمود لا تدفعنا إلى التشبث بكل ما نطلقه من تصريحات ومواقف بقدر ما تجعلنا أمام مسؤولية تاريخية في التعامل الجدي مع أي مبادرة لإنهاء العدوان ورفع الحصار وبالتأكيد أن خطابنا في هذا الجانب واضح تماماً ولا يحتاج منا إلا للتأكيد أن جيراننا الغاضبون لصمودنا ثمان سنوات منزعجون تماماً من وصولنا إلى هذه المرحلة، وكما نقترب خطوة فيجب عليهم أن يقتربوا خطوتين، إذا كانوا بالفعل حريصين على طي ملف العدوان، وأن يتذكروا دائماً أن صمودنا لم يكن إلا ضرورة تقتضيها أخلاقنا وتفرضها علينا قيمنا، فلا يمكن لأي شعب حر أن يأتيه الغزاة الأجانب ويفتح له أبوابه، فكيف اذا كان هذا الشعب هو شعب اليمن؟!

قد يعجبك ايضا