حاول البعض أن يبرر جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي البشعة، التي ارتكبها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بشهادة الأمريكيين انفسهم، في خانة “الكبوة” التي قد يتعرض لها أي زعيم سياسي في العالم، والشيء المهم، وفقا لهذا البعض، أن ابن سلمان تعلم درسا من تلك الجريمة، قد يساعده على أن يعتمد سياسة لا تتسم بالتهور والنزق مستقبلا.
رؤية هذ البعض كانت خاطئة، فهي رؤية تبريرية قبل أن تكون وصف لحالة، فابن سلمان وفور ظهوره في المشهد السياسي السعودي، في ظل والده الملك سلمان، شن عدوانا عبثيا على اليمن تسبب بأكبر مأساة إنسانية في العصر الحديث، ومازال مصرا على مواصلتها رغم مرور اكثر من 7 أعوام، وسجن وطارد كل أمراء آل سعود ، ورجال الأعمال السعوديين الذين يشك في ولائهم له، بعد أن أزاح ابن عمه محمد بن نايف عن ولاية العهد وسجنه وعذبه.
هذه الرؤية ارتطمت، بعبث ابن سلمان الذي تجاوز كل الحدود عندما اختطف رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري وضربه وأهانه وأجبره على تقديم استقالة من منصبه وهو في الرياض، ولم يطلق سراحه إلا بعد المواقف الشجاعة لبعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين ووساطة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي ذهب إلى الرياض ولم يعد منها إلا والحريري معه.
اذا ما مررنا مرور الكرم من أمام السعوديين الذين أنقذتهم الصدفة من مواجهة نفس مصير خاشقجي، وبينهم سعد الجبري وغيره، الذين ما زال ابن سلمان يطاردهم تحت كل حجر ومدر، إلا أننا لا يمكننا فعل ذلك، أي أن نمر مرور الكرام أمام المجازر التي ارتكبها ابن سلمان ضد أبناء الشعب السعودي وخاصة أتباع أهل البيت عليهم السلام في المنطقة الشرقية، فهناك مجازر ارتكبها ابن سلمان تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، وكان يذهب ضحيتها العشرات والمئات من اتباع أهل البيت عليهم السلام، واللافت أن ابن سلمان ومن أجل إيجاد ذريعة لإعدام أتباع أهل البيت عليهم السلام، كان يضمهم إلى بعض المجرمين والتكفيريين من الدواعش والقاعدة الذين يحملون الفكر الوهابي الرسمي في السعودية، رغم أن أتباع أهل البيت عليهم السلام الذين تم إعدامهم في مجازر ابن سلمان المتتالية، وخاصة الأخيرة كانوا لا يطالبون حتى بمطالب سياسية، فكل مطالبهم كانت محصورة برفع التمييز الديني والاجتماعي ضدهم ومعاملتهم كباقي فئات الشعب السعودي.
المجزرة الأخيرة التي ارتكبها ابن سلمان والمتمثلة بإعدام 81 شخصاً مرة واحدة، بينهم 41 من أتباع أهل البيت عليهم السلام، بينهم من كانوا أطفالاً عندما شاركوا في تظاهرات عام 2012، كما كان بينهم أسرى يمنيون!!، كشفت عن نفاق الغرب وعلى رأسه أمريكا، إزاء قضايا حقوق الإنسان في العالم، أكثر مما كشفت عن تهور وسادية وقسوة ونزق ابن سلمان، فهذه الصفات كانت معروفة عن ولي العهد السعودي، ولكن أن يغمض هذا الغرب عينيه ، بهذا الشكل الفاضح، عن هذه المجزرة المروعة، التي تعتبر وصمة عار ستبقى محفورة على جبين الغرب، الذي قايض دماء الأبرياء الذين أعدمهم ابن سلمان ظلما، بالنفط السعودي، الذي يعول عليه الغرب لمحاصرة روسيا على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا.
يبدو أن سلوكيات ابن سلمان ليس مردها تهوره ونزقه وتقلب مزاجه وقسوته الشديدة فحسب، بل مردها أيضاً جشع وطمع ونفاق الغرب، الذي جعله يدرك أن دماء شعبه لا تساوي لدى الغرب برميل نفط، وهو ما شجعه على ارتكاب مجزرته الأخيرة، التي مر الغرب من أمامهما وكأن شيئا لم يحدث.
* نقلاً عن العالم