من جديد.. باريس وواشنطن تسعيان لنهب الغاز اليمني وإعادة تصديره بالسعر القديم(7 دولارات)
الإمارات تمكنت من خلق أزمة احتياج حادة في الداخل اليمني
قوى العدوان تتواطأ مع أمريكا والغرب لسد فجوة الغاز الروسي لمضاعفة معاناة الشعب اليمني
تجري الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد مصادر بديلة لتغطية الفجوة المتوقع حدوثها نتيجة عقوبات حظر استيراد الغاز من روسيا على إثر الأحداث في أوكرانيا، والتي اتخذها الطرفان باستثناء ألمانيا التي لا تزال تحتفظ بموقف غامض تجاه الغاز الروسي.
الثورة /يحيى الربيعي
على الصعيد الدولي، شملت قائمة البدائل المعدة من قبل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كلا من فنزويلا وإيران؛ الواقعتين تحت سطوة العقوبات الأمريكية، حيث بدأت أمريكا بإرسال وفودها إلى كاراكاس عاصمة فنزويلا في إطار جولة من التفاوض المرجع أن تقدم خلالها الولايات المتحدة عرضا بإسقاط اسم فنزويلا من قائمة عقوباتها، لكن الأخيرة تعاني من ضعف في القدرة التصديرية بالإضافة إلى وجود تلميحات أمريكية بإمكانية الإغراءات تجاه إيران التي هي الأخرى لديها قائمة أولويات تسبق التفكير في تزويد أمريكا وأوروبا بما تحتاجانه من الغاز والنفط.
وعلى الصعيد الخليجي، تعمل كل من السعودية والإمارات على زيادة حصتيهما في تصدير النفط والغاز في محاولة منهما لتلافي الورطة الأمريكية- الأوروبية، كما يجري تقديم مساعدات فنية أوروبية إلى الجزائر من أجل رفع قدراتها في تصدير الغاز المسال المحتمل تصديره باتجاه أوروبا وفرنسا على وجه التحديد.
في اليمن، مع أن منشأة بلحاف- حسب مصادر رسمية- كانت تمثل أصلا من أصول شركة توتال الفرنسية، بحسب العقود المبرمة معها من قبل النظام السابق، وان َمعظم حصة اليمن من الغاز كانت تباع لكوريا الجنوبية لعشرات السنين، ولا يتبقّىً للشعب اليمني غير الفتات، فقد شاءت إرادة الاستكبار الأمريكي – وفي الزمن الذي لم تكن فيه على خلاف مع الدب الروسي- إلا أن تحرم الشعب اليمني بلا استثناء من الانتفاع بشيء من ثرواته الغازية والنفطية، فأوحت في حينها إلى الشريك الفرنسي بتجاهل هذا الأصل، بل وتركه طعما لتوليد شبكة صراعات تم إعداد سيناريوهاتها بعناية أمريكية بين قطبي تحالف عدوانها على اليمن الإمارات والسعودية عبر أدواتهما من فصائل أذناب العملة والارتزاق الانتقالي وحزب الإصلاح.
حتى أن الحال بدى قبل التنسيق بين واشنطن وباريس في إظهار أبوظبي في موقع الصدارة بإزاحة شبه كاملة للمنافس السعودي عن مسرح المشهد في المحافظة النفطية شبوة، وبالتالي اتخذت أبوظبي عددا من الإجراءات على إثر افتعال سلسلة من الحوادث التي مكنتها من تعطيل وتدمير قدرات المنشأة الاستراتيجية.. إجراءات صبت نتائجها في حرمان حكومة المرتزقة من ميزات الانتفاع بالنفط والغاز المسال، وخسارة أسواقها الدولية التي كانت تستوعب الغاز، والتمكن من نهب أكبر قدر ممكن من عائدات النفط والغاز المسال، والأهم من ذلك أن الإمارات تمكنت من خلق أزمة احتياج حادة في مادة الغاز على مستوى الداخل اليمني بصورة عامة.
فجأة، وعلى النقيض من ذلك، تأتي الأحداث في أوكرانيا وما توالت على إثرها من ردود الفعل الأمريكية والأوروبية تجاه الدب الروسي، لتعيد شركة توتال الفرنسية إلى خشبة المسرح كي تذرف دموع التماسيح من جديد على فقدان مصالحها الحيوية والاستراتيجية في المنشأة الغازية اليمنية بلحاف التي كانت قد استثمرت فيها ما يفوق الـ5 مليارات دولار، ولكن هذه المرة جلبت معها مصالح الولايات المتحدة وفرنسا كي تنتصر لقضيتها عبر إشراك شركة هنت الأمريكية في معاودة التصدير.
من جملة التغيرات آنفة الذكر تتبادر إلى الأذهان حقيقة أن الحديث عن دور تحالف العدوان السعو-إماراتي كانت قد حكمت بدور مسبق ومحوري كان على الرياض وأبوظبي لعبه لإرضاء غرور العداء الصهيو- أمريكي في عدائه للأمة الإسلامية ومصالحها، وأن تحالفهما في العدوان على اليمن لم يكن سوى أدَاة من سيناريو مؤطر بالأجندة الأمريكية-الأوروبية وتنفذه أدوات تم استئجارها أو بالأصح صناعتها كي تنفذ سلسلة من الأدوار الثانوية والمرحلية التي جندت لها ثلة من العملاء والمرتزقة في تشكيلة ما يسمى بالانتقالي والشرعية المزعومة.
وهي حقيقة لا تحتاج إلى إبراز دليل أوضح من استحضار الإجابة عن تساؤل يفرض نفسه ومفاده: ماذا يعني تلاشي حلبات صراع امتدت على المستويين الدولي والإقليمي بين وكلاء العدوان (مليشيا انتقالي الإمارات، ومليشيا الإصلاح الموالية للسعوديّة)، ظهرت من خلاله أبوظبي بأنها المتفوقة على الرياض في إحكام سيطرتها على حركة (منشأة بلحاف) كي يظل (ميناء علي) زاخراً بحركة الاقتصاد العالمي، وأنها هي المسيطرة على المنطقة الملاحية والدولية والموانئ والجزر والمنافذ البحرية والمطارات من مضيق هرمز حتى قناة السويس مُرورًا بمضيق باب المندب؟
ذلك التلاشي الذي ظهر على إثره الشريكان الأساسيان (أمريكا- فرنسا)على طاولة أكبر عملية نصب واحتيال تُمارس ضد أمة بأكملها، وعبر شركتي هنت وتوتال تستأنفان تصدير الغاز اليمني المستخرج من صافر في محاولة منهما سد جزء من احتياجات أوروبا من الغاز المحظور استيراده من روسيا.
وتُريد واشنطن وباريس من خلاله نهب الغاز اليمني وإعادة تصديره بالسعر القديم الذي كانت قد تضمنته بنود اتفاقية تطوير الغاز اليمني بين المشغلين الأجانب (توتال وهنت وشركاؤهما) من جهة، ونظام عفاش من جهة أخرى الموقعة بينهما في يناير 1997م، والمعلوم بـ 3 دولارات للمليون وحدة حرارية في تجاهل سافر لما وصل إليه سعر المليون وحدة حرارية في السوق العالمية للغاز المعلوم بـ 45 دولارا؛ أي: أن فرنسا وأمريكا تعملان على نهب 42 دولاراً عن كل مليون وحدة حرارية ناهيك عن حصتيهما كمشغلين أجانب في الـ3 دولارات المحددة كسعر رسمي للبيع.
شخصيات ديكورية
وعلى حساب معاناة الشعب اليمني، سيباع الغاز اليمني من جديد، ولن تحصل اليمن حتى على الـ 1 دولار عن كل مليون وحدة حرارية الذي سيذهب إلى حسابات الفار هادي وأعضاء حكومته الفندقية، فيما ستوزع الدولارين الآخرين على المشغلين وشركائهم الأجانب.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها نهب الغاز اليمني بهذه الطريقة الكارثية، إذ سبق أن اتفق نظام صالح في العام 2009م، مع توتال وشركائها المشغلين على استخراج الغاز وتصديره بنفس السعر (3) دولارات واستمر الوضع كذلك من العام 2009م إلى العام 2013م بينما كان سعر الغاز عالمياً في تلك الفترة يتراوح ما بين 12 – 15 دولاراً للمليون وحدة حرارية.
والمضحك الكارثي في المشهد أن تسمع عن عملية اكتشاف خطيرة تلوح بها حفيظة (القربي) الوزير السابق في حكومة المرتزقة عن وجود مفاوضات لإعادة تصدير الغاز اليمني بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات الغربية ومقاطعة الغاز الروسي.
وتعظم الكارثة في تباكى هذا الوزير من على منبر منصته في تويتر حين استدرك بالقول: “لكن المهم هو أن تعيد الحكومة التفاوض على سعر تصديره وفقًا لأسعار السوق اليوم”، مع معرفته أن حكومته ورئيس شرعيته المزعومة وجنرالاتها لا يملكون من أمرهم شيئا، وأن لا رقم سيذكر لهم فيما إذا أوتي بهم على طاولة تفاوض شكلية لن يكونوا فيها سوى صور ديكورية لشرعنة ما تريد فرضه أمريكا من حصاد مسبق لمثل هكذا تفاوض، بل قد ربما يشكل مبلغ المليار دولار الذي كانت اليمن تتحصل عليه سنويا رقما كبيرا، وأن من غير المستحق أن تدفع أمريكا وشركاؤها بمبلغ بهذا الحجم إلى أرصدة شخصيات ديكورية لا تمثل أي رقم على الواقع.
عن النفط اليمني
يعتبر النفط المحرك الرئيسي للاقتصاد اليمني، حَيثُ كان يمثل 70 % من موارد الموازنة، و63 % من الصادرات، و30 % من الناتج المحلي، وتمثل عائداتُه نسبةً كبيرةً من موارد النقد الأجنبي، حَيثُ بلغت إيراداتُه حسب إحصاءات عام 2014م نحو 800 مليون دولار.
وتؤكد المصادر الرسمية أن بلحاف الميناء الواقعة في محافظة شبوة جنوب شرق اليمن، هي ثاني أضخم مشروع غازي في الشرق الأوسط، والمنشأة اليمنية الأبرز في المنشآت الاقتصادية والحيوية، وأكبر ميناء يمنية مخصصة لتصدير الغاز المسال عبر الأنبوب الرئيسي الممتد من محافظة مارب شمال شرقي البلاد، وحتى ساحل بحر العرب، وكلّف إنشاؤها 4.5 مليار دولار، وهي مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال عبر ميناء بلحاف الذي بدأ إنشاؤه عام 1990م، بعد اكتشاف النفط في محافظة شبوة عام 1987م، من قبل شركة تكنوا كسبورت السوفيتية، لتصدير النفط الخفيف، وتم تصدير أول شحنة نفطية عام 2009م.
منشأة (بلحاف) كانت حكومة المرتزِقة قد سلّمتها مع الميناء لدولة الاحتلال الإماراتي، في خطوة اعتبرت ضمن الحرب الاقتصادية التي يمارَسُها تحالف العدوان ضد الشعب اليمني، وضمن استراتيجية تحقيق أهداف اقتصادية مرحلية أوقفت دولة الاحتلال الإماراتي منشأة بلحاف الغازية مع بداية العدوان عام 2015م، ومن ثَـــمَّ حوَّلتها إلى ثكنة عسكرية احكمت سيطرتها على ميناء ومنشأة بلحاف الغازية الذي يضم أكبر مرفق لتصدير الغاز المسال على ساحل بحر العرب وحولت الميناء إلى مركز تدريب لمجاميع مسلحة تتبع ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي التابع لها؛ بهَدفِ إبقاء الميناء تحت سيطرتها.
تقديرات رسمية صادرة عن وزارة مالية حكومة الإنقاذ بصنعاء، توقعت أن تصل خسارة اليمن إلى ما يقارب من 15 مليار دولار جراء توقف تصدير الغاز المسال خلال السنوات السبع من بداية العدوان على اليمن بحوادث مفتعلة، كان آخرها إشعال حريق في سفن تصدير يمنية في الميناء، وكذلك القيام بتفجير أَدَّى إلى إصابة أجزاء كبيرة من ميناء “بلحاف”.
وأكد خبراء في شؤون النفط والغاز أن إيرادات المنشأة السنوية قبل تعطيلها، كانت 4 مليارات دولار سنويا كانت الحكومات السابقة تحصل على الربع منها؛ أي: على مليار دولار سنوياً، وفي امتداد ذلك، فَـإنَّ خسائر إيرادات المنشأة الغازية المقدرة خلال سنوات العدوان تزيد تقديراتها عن 27 مليار دولار.