
أزهر ربيع المتاريس والخنادق والسواتر الترابية في أكثر من مدينة ومكان وعلت أصوات الرصاص على لغة الحوار وضاعت “الحكمة اليمانية” فخرجت توقعات الخبراء والمحليين في الداخل والخارج لتؤكد على انفجار الأوضاع واندلاع حرب أهلية في اليمن تأكل الأخضر واليابس نظراٍ لانسداد أفق الحل من جميع أطراف المعادلة السياسية خلال الأزمات التي مرت بها البلاد.
حيث ساد جو عام من التشاؤم في أوساط الشارع اليمني من اندلاع مواجهات بين قوات الجيش ورجال القبائل الداعمة للثورة والتغيير والواقفة ضدها لتشهد العاصمة وعدد من المدن في البلاد وعلى رأسها صنعاء وتعز وعدن والضالع وغيرها عشرات المعارك حيث ازدهرت عمليات حفر المتاريس والخنادق بالمئات من الشوارع والأحياء بعدد من المدن وهي بيئة خصبة شجعت تنظيم القاعدة على التوسع والتمدد وظهرت “الرايات السوداء” في أكثر من مدينة يمنية وتم إعلان أكثر من إمارة إسلامية.
أمام هذا الوضع المعقد والمْتفجر سطع نجم عبدربه منصور هادي حيث رأى فيه الشعب والمجتمع العالمي قائدا للسفينة اليمنية التي تتلاطم بها الأمواج وأوشكت على الغرق ليخوض الرجل جولات مكوكية وحوارات لا تنتهي مع الفرقاء السياسيين. متنقلاٍ بين “خنادق” و”متاريس” هذا وذاك وهي تكاد تكون نفس المتاريس التي تجاوزها المواطنون اليمنيون أثناء زحفهم على صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس هادي في مثل هذا اليوم 21 فبراير 2012م.
لتكون مْهمة القضاء على ربيع المتاريس والخنادق التي أزهرت في المدن اليمنية أول تحدٍ يواجهه الرئيس هادي لإنهاء التوتر وإعادة السكينة للمواطن, متاريس وخنادق امتلأت بها العاصمة صنعاء واكتظت بها المدن والمحافظات اليمنية تْرشح البلاد حينها إلى الدخول في قائمة “غينيس للأرقام القياسية”!
ليعلن الرئيس هادي عن إزالة آخر “متاريس الحرب” في صنعاء مطلع مايو 2013م.
هادي يعلن الحرب على الإرهاب
كما جاءت قضية محاربة تنظيم القاعدة الإرهابي على رأس اهتمامات الرئيس هادي, فعلى الرغم من سقوط عدد من المدن والمناطق بيد تنظيم القاعدة في محافظات “أبين وشبوة وحضرموت والبيضاء وغيرها من المناطق إلا أن هادي أفشل كل تلك المخططات ضارباٍ بيد من حديد معاقل الإرهابيين رافضاٍ التفاوض معهم مْفشلاٍ توقعات المحللين والخبراء العسكريين في استحالة القدرة على اجتثاث هذا المرض السرطاني الذي بدأ ينتشر ويستوطن بالمدن اليمنية.
فبعد نحو عام على سيطرة جماعة “أنصار الشريعة” المرتبطة بتنظيم القاعدة على مناطق واسعة من محافظة أبين وجد التنظيم نفسه مجْبراٍ على خوض حرب وصفت بـ”الشرسة” هدف من خلالها الرئيس هادي بحسب تأكيدات المراقبين الثأر لكرامة الجيش وإعادة هيبة الدولة وهو تحدٍ أثبت من خلاله هادي نجاحاٍ منقطع النظير في اسقاط الرايات السوداء “شعار القاعدة في أبين” وهو سقوط مدو لمشروع القاعدة في “أرض المدن” في اليمن كما يحلو للكتاب أن يطلقوا عليها.
إنها ضربات موجعة وجهها الرئيس هادي للتنظيم الإرهابي بدعم وروح قتالية كبيرة من قبل فرق اللجان الشعبية وقوات الجيش.
يؤكد خبراء مْتخصصون في شئون القاعدة على أن اتخاذ هادي لقرار المواجهة مع القاعدة بدلاٍ من “التفاوض والحوار” يْمثل قراراٍ شجاعاٍ وحكيماٍ أبداه الرئيس على الرغم من الانقسام الواضح والكبير في صفوف المؤسسة العسكرية نتيجة للأحداث الخطيرة والعاصفة التي شهدتها البلاد شمالاٍ وجنوباٍ وشرقاٍ وغرباٍ وهو وضع دفع المحللين والخبراء اليوم إلى وصف الحرب الاستباقية التي شنها هادي على القاعدة بأنها سارت في الطريق الصحيح حيث قطعت الطريق على هذا التنظيم من التمدد والتوسع مستغلاٍ الانفلات الأمني الحاصل والأزمة الطاحنة التي مرت بها البلاد وذلك رغم الكلفة الباهظة لهذا القرار والتي كان يدركها الرئيس هادي مسبقاٍ حيث نجح في إغلاق هذا الملف الشائك وأعاد الحياة الطبيعية والسكينة التامة إلى تلك المناطق بعد طرد عناصر التنظيم من ما كان يْسمى بـ”ولاية أبين” بعد سيطرتها المطلقة على مدن رئيسية فيها أهمها زنجبار وجعار وتخلي التنظيم “قسرياٍ” عن إمارة “عزان” بشبوة بعد حصار مستميت لها من قبل قوات الجيش وفرق اللجان الشعبية.
هادي: لا هدنة مع القاعدة!
وأمام هذه الخسائر التي تكبدها تنظيم القاعدة في أبين وشبوة وحضرموت زاد إصرار رئيس الجمهورية على مواصلة الحرب المفتوحة لاستئصال هذا التنظيم رافضاٍ عقد “هْدنة” مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على أن تتوقف خلالها عمليات المواجهة والمطاردة من قبل الجيش اليمني لعناصر التنظيم جاء ذلك مع اقتراب مؤتمر الحوار الوطني مارس 2013م وذلك من خلال وساطة أطلقها بعض من رجال الدين وشيوخ القبائل لكن الوساطة بحسب معلومات صحفية فشلت نتيجة إصرار الرئيس هادي على اشتراطه أولاٍ “تخلي تنظيم القاعدة عن السلاح وإعلان التوبة من الأفكار المتطرفة” قبل تنفيذ أي هدنة لوقف الحرب المفتوحة من قبل الجيش على أفراد هذا التنظيم.
لكن معارك ونجاحات الرئيس هادي وفقاٍ لخبراء مْتخصصين بشؤون القاعدة كانت تعترضها الكثير من الصعوبات ففي الوقت الذي كان فيه هادي يصر إصراراٍ كبيراٍ ويخوض في أكثر من جبهة قتالاٍ عنيفاٍ ضد عناصر هذا التنظيم بهدف الحفاظ على هذه الانتصارات التي حققها كانت عادة ما يظهر الانقسام السياسي فضلاٍ عن انقسام المؤسستين العسكرية والأمنية على طول وعرض البلاد كعائق يحد من خنق هذا التنظيم واستئصاله وهو واقع كان في الغالب يسمح لعناصر هذا التنظيم للانتقال والتسلل إلى مناطق وأماكن أخرى.
حرب مفتوحة
هذا الوضع دفع التنظيم إلى اتباع أساليب جديدة ناقلاٍ معاركه من ساحات المدن المغلقة إلى ما يشبه الحرب المفتوحة مْدشنا استراتيجية جديدة في القتال فاستنفر عناصره في البيضاء وصنعاء وعدن وتعز مْنفذاٍ عمليات انتحارية استهدفت شخصيات أمنية ومنشآت عسكرية وحكومية وسفارات وقنصليات عربية وغربية.
هجمات انتحارية مكثفة ومجنونة دفعت خبراء عسكريين إلى التأكيد على أن هذه الهجمات التي شهدتها محافظات عدن وشبوة والضالع وصنعاء كان أبرزها اغتيال شخصيات سياسية وعسكرية مهمة كاغتيال قائد المنطقة الجنوبية اللواء الركن سالم قطن بمدينة عدن تأتي كرد فعل له على إعادة الثقة في نفسه وانعكاساٍ لتراجعه الكبير ودحره من مدن ومناطق بقت تحت سيطرته لأكثر من عام كامل بالإضافة إلى محاولة تسجيل حضوره ومحاولة فاشلة لإثبات القدرة على الفعل والمواجهة بعد تعرضه لسلسلة من الهزائم التي كبدت التنظيم الكثير من الخسائر بمختلف جبهات القتال.
هادي يسقط “قناع القاعدة”
وكردة فعل على هذه الانتصارات التي حققها الجيش اليمني ضد تنظيم القاعدة دفعت الأخير إلى “فقدان صوابه” في محاولة لاستعادة ثبات قدمه على الأرض واستعادة صورته فارتكب العديد من المجازر بحق أفراد الجيش وهو ما أظهر وكشف, القناع الحقيقي لهذا التنظيم الذي طالما ادعى أنه يْقاتل أعداء الأمة الإسلام فنفذ عدداٍ من العمليات ضد الجيش والأمن اليمني بعدد من الأماكن والمدن اليمنية في حضرموت ومارب والضالع وصنعاء لعل أبشعها جريمة السبعين التي راح ضحيتها نحو 400 بين شهيد وجريح, وهي مذبحة انعكست سلباٍ على صورة هذا التنظيم في أوساط بعض المتعاطفين معه خاصة وأنه كان قد قدم نفسه كنموذج أفضل بعد استيلائه على مدن في أبين وشبوة فلم يكن سوى عبارة عن تنظيم دموي لا يستهدف سوى الشعب والجندي اليمني.
وضع دفع القيادة السياسية إلى تكثيف العمليات ضد هذا التنظيم في أكثر من جهة وأمام أي خسارة كان يتكبدها الأخير كان التنظيم يتصرف بطريقة “هستيرية” وبأسلوب جنوني كشف وجهه الحقيقي ولا سيما عندما استهدف مستشفى العرضي بوزارة الدفاع من خلال عمليات تصفية بدم بارد لأبرياء من الأطباء والجنود ومطاردات لقتل الأطفال والنساء والطبيبات في مشهد سجلت كل تفاصيله كاميرات المراقبة وشهدها الملايين وأسقطت آخر قناع لهذا التنظيم الذي لم يجد أي مبرر لهذا الفعل الإجرامي فكانت ضربة قاصمة ومدوية لهذا التنظيم في اليمن خاصة وأنه ملأ الدنيا بتصريحاته ومواقفه التي أعلنها باستهدافه لأعداء الإسلام والأمة ليخسر هذا التنظيم آخر تعاطف له عند بعض الناس ولا سيما من الشباب المغرر بهم, تطور وصفه قادة التنضيم كالضواهري وغيره بـ الخطير مطالبين تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب إلى تبديل هذه الاستراتيجية وعدم تكريس الأخطاء التي وقع فيها التنظيم خاصة تلك التي حصلت في عدن وصنعاء ومارب والبيضاء والضالع وغيرها.
سقوط الطائرات ودراجات الموت!
في مقابل ذلك وأمام انقسام المؤسسة العسكرية ومع ازدياد الاختلالات الأمنية شهد عاما “2012 – 2013م” بجانب تنظيم القاعدة تحدياٍ آخر لا يقل خطورة عن القاعدة والمتمثلة في تزايد حالات عمليات الاغتيال بواسطة دراجات الموت مْستهدفة كبار الضباط والكفاءات العسكرية وخيرة الخبرات الأمنية وشخصيات سياسية, فقد تحدثت مصادر أمنية عن اغتيال أكثر من 200 شخصية عسكرية وأمنية في عامين فقط.
الحوار وهيكلة الجيش
وعلى الرغم من كل هذه التحديات التي اعترضت طموحات وإصرار الرئيس هادي للابحار بالسفينة إلى بر الأمان إلا أن انطلاق مؤتمر الحوار الوطني في 18 مارس 2013م برئاسة رئيس الجمهورية شكل هو الآخر ضربة موجعة لأمراء الحرب في البلاد, فبإصرار الرجل على النجاح ومن خلفه المجتمع الدولي تم التعامل بنجاح مع أعقد الملفات الساخنة كقضية الجنوب وقضية صعدة ومع كل انجاز يحققه المؤتمر كانت الأعمال التخريبية والاغتيالات تحاول جاهدة إفشال هذا المؤتمر آخرها اغتيال الدكتور الشهيد أحمد شرف الدين والدكتور عبدالكريم جدبان من مكون “أنصار الله” في مؤتمر الحوار, وهي تضحية وخسارة فادحة للوطن اليمني ولمكون “أنصار الله” لفقدان شخصيتين وطنيتين بحجم الشهيدين شرف الدين وجدبان “رحمة الله عليهما وهو وضع دفع الرئيس هادي أمام ذلك للإعلان صراحة “حتى لو يْقتل الرئيس هادي شخصياٍ وهيئة رئاسة الحوار يجب أن ينجح المؤتمر فكان للرجل ما أراد.
وقد أدرك الرئيس هادي خطورة بقاء المؤسسة العسكرية والأمنية منقسمة ومتعددة الولاءات فقام بعملية هيكلة المؤسسة العسكرية مع استبعاد قيادات عسكرية وأمنية كبيرة.
السلفيون والحوثيون .. فك الاشتباك
إلى وقت قريب كانت محافظة صعدة تشهد اشتباكات عنيفة ودامية بين مقاتلي الحوثيين والسلفيين في منطقة دماج راح ضحيتها المئات من القتلى بين الإخوة الإعداء.
وعلى إثرها تمددت الحرب وتوسعت حتى وصلت إلى كتاف بصعدة ومحافظات عمران وصنعاء وحجة والجوف فشكل رئيس الجمهورية لجاناٍ رئاسية أخذت على عاتقها النزول إلى مناطق القتال في دماج وكتاف وحوث وأرحب وغيرها بهدف وقف نزيف الدم.
فنجحت اللجان الرئاسية في إزالة التوتر في منطقة دماج بصعدة كما نجحت الوساطة في إزالة المتاريس والنقاط في مديريات “خب والقف و..” بالجوف.
كما نجحت اللجنة الرئاسية في إيقاف إطلاق النار وإنهاء التوتر في منطقة “خيوان” وإزالة المتاريس المطلة على الطريق الرئيسي التي كان يتمركز بها المسلحون ابتداء من منطقة “خيوان” إلى منطقة “عجمر” في حوث وهو الحال أيضاٍ في منطقة أرحب شمال صنعاء.
صنعاء ودخان المدافع!
ففي صنعاء العاصمة كان لاصوت يعلو فوق أصوات الرصاص حيث الدخان يتصاعد من كل مكان مع انتشار كثيف للمسلمين المدنيين الموالين والمعارضين رضون بكثافة مخيفة على أسطح المنازل والشوارع وبين الأزقة والحارات.
كما شوهدت العشرات من الآليات العسكرية والدبابات والخنادق والمتاريس تغزو صنعاء التي تم تقسيمها بين طرفين متقاتلين ومناطق مغلقة تتساقط عليها وتنبعث منها القذائف والرصاص في مشاهد قتالية مرعبة.
فحي الحصبة كان له النصيب الأكبر من هذه المعارك بدءاٍ من 23 مايو 2011م أثناء ثورة الشباب حيث شهد قتالاٍ عنيفاٍ بين المؤيدين والمعارضين سقط خلالها المئات بين قتيل وجريح كما تم تدمير وتضرر المئات من المنازل والمنشآت التجارية في حرب تم فيها استخدام مختلف أنواع الأسلحة.
ووفقا لإحصائيات رسمية فإن ما بين (2500-3000) منزل تضررت من حرب 2011م فيما نزحت عشرات الأسر من السكان وتضرر نحو 10.000 تاجر وخسائر تجاوزت أكثر من 4 مليارات ريال.
وفي الجولة الثانية من الحرب (سبتمبر 2011م) امتدت النار واشتعلت حتى وصلت إلى شارع مازدا وصوفان وما جاورهما والزبيري وحي الزراعة وغيرها حتى وصل إلى محيط مطار صنعاء الدولي.
فحي صوفان شهد هو الآخر حرباٍ مفتوحة انتشر فيها مشهد الدمار بكل مكان وتساقطت الجثث في الشوارع وتعفنت كما دمرت عشرات المنازل لشخصيات موالية ومعارضة.
أرحب ونهم
كما أن منطقة “أرحب” شمال صنعاء لم تكن هي الأخرى بمنأى عما يجري بالعاصمة صنعاء, فقد شهدت المنطقة حربا شعواء وتعرضت لقصف كبير في الفترة (مارس2011- يونيو 2012م) وهي معارك دارت بين قوات الحرس الجمهوري وبين مسلحي قبائل أرحب ونهم وبني جرموز المؤيدين للثورة الشبابية.