يحيى الربيعي
في الوقت الذي تمضي فيه تجربة الزراعة التعاقدية في تهامة نحو تحقيق نجاح كبير وإحداث نهضة زراعية تترجم تطلعاتنا وأهدافنا في تحقيق الأمن الغذائي وتعود على المزارعين بالفائدة، إلا أن وجود بعض ضعاف النفوس يعتبرون مثل هذه التوجهات مسألة تهدد مصالحهم، ولذلك يتعمدون إفشالها بأي ثمن، وهو ما اتجهوا لترجمته على أرض الواقع.
تجربة الزراعة التعاقدية في تهامة التي تعد واحدة من التجارب الواعدة والمبشرة بتحقيق نجاحات أكبر مما كان متوقعا لها، ورغم كل ما تحمل من بشائر خير ومنحت المزارعين الكثير من التفاؤل، إلا أن أصحاب المصالح الضيقة يسعون لإفشال مثل هذه التجربة الرائدة، من خلال رفع أسعار المنتجات الزراعية التي تم التعاقد مع المزارعين على إنتاجها في الأسواق بنسبة وصلت إلى 60 %، وفي الوقت الذي كانت الجمعيات قد تعاقدت مع المزارعين بشراء الإنتاج بـ14 – 15 ألف ريال للكيس عبوة 50 كجم، ارتفعت الأسعار في الأسواق لتصل قيمة الكيس بذات العبوة إلى 25000 ألف ريال.
هذا نعتبره، مؤشر تفاؤل كبير جدا تحترمه أطراف الزراعة التعاقدية من المزارعين والجمعيات والشركات المتعاقدة، باعتبار ما حدث بادرة خير كبيرة، ومؤشر تفاؤل مشجع أكدت معه شركات التعاقد ذاتها على الفور استعدادها الكامل لزراعة أكبر قدر ممكن من الأراضي الزراعية القابلة لزراعة المحصول، كما أن الكثير من المزارعين الذين لم يتمكنوا من المشاركة في الزراعة التعاقدية، باشروا من ذوات أنفسهم، زراعة المحصول، وإن حققوا عوائد مشجعة، فإن ذلك قد يساعدهم فعلا على معاودة الزراعة، بل وزيادة مساحات الزراعة في المواسم القادمة، وربما يجعلهم ذلك على استعداد تام للدخول في الزراعة التعاقدية مستقبلا وبكميات ومساحات مضاعفة، ووفقا لشروط الأسعار المحددة مسبقا.. لماذا؟ لأن التجارب قد أثبتت بالعين المجردة أن تهامة أستهدفت أرضا وإنسانا من أكثر من جحر. ولكن لن يكون للزمن أن يغدر بأهلها من جديد.
أيا كانت الإشكالية التي ربما نظن أنها يمكن أن تحول دون حصاد نجاحات ما مضى من خطوات في مجال الزراعة التعاقدية، ستظل مجرد فرقعات ضبابية سرعان ما تنجلي عند انكشاف حقائق مغازي وأهداف مفتعليها، إن صح الظن إن لها مفتعلين، خاصة ممن لا يرون لهذا البلد الحق في إدارة عجلة الإنتاج المحلي في الجانب الزراعي.
ذلك أن لكل مشكلة حلا.. ومن كل ضيق لا بد من فرج، وحكاية أن تأتي طفرة تسويقية في ارتفاع سعر سلعة معينة لفترة عابرة، فإن ذلك لا يعد من المؤشرات التي تبنى عليها نتائج، أو تتخذ بموجبها مواقف مغايرة للسائد والمألوف، لأن ذلك لا يعني استقرارا سعريا، ولا يحقق تنمية مستدامة، وإنما هو عارض أو طائف لا يثمر وجودا على أرض الواقع، كي نحكم بأهليته لإحداث التغيير في المواقف من عدمه.
ولربما تتجه بعض الآراء إلى المسألة على أنها مسألة بيع وشراء، وهذا يخضع لقوانين العرض والطلب، رغم أن الجميع يعلم جيدا أن العرض والطلب ليس قانونا ولا عرفا ملزما يتم الاحتكام إليه، لأن من شأن ترك الأمور على غاربها أن يؤدي إلى فقدان القدرة على تسيير النظام، وتعيين المسؤوليات وتحديد الواجبات، وتصبح الحياة عبارة عن غابة يأكل فيها القوي الضعيف، ويلتف فيها الحاذق على العديم الساذج النقي.
تجربة الزراعة التعاقدية قد تحدث طفرات من القفزات السعرية أو الانخفاض غير المتوقع، تفرضه ربما عوامل زيادة أو نقص في الإنتاج، فيحدث المتغير سلبا أو إيجابا، وربما تشتم رائحة مؤامرة أو حيلة ما، يقف وراءها مرضى نفوس لا يريدون- كما أسلفنا- لهذا البلد خيرا.. فهل يعني هذا أن الأمر مدعاة للاستسلام والفشل أو المواجهة بطرق لا عقلانية؟ كلا إن ذلك من المستحيل حدوثه على الإطلاق.
فالتعاقد وجد ليكون وسيلة للنجاة، وليس قاربا يخرق للغرق، ولا مكان مع التعاقد لغير الوفاء بما جرت به العقود بين الناس من شروط، قد تكون الطفرة حاصلة في قيمة محصول الذرة الشامية في الحديدة فعلا.. وهذا شيء طبيعي، لكن هل هذه الطفرة الآنية يمكن لها أن تصنع استدامة لسعر الذرة الشامية على مدار العام أو لأعوام متواصلة.. بالتأكيد لا.. طيب، سيأتي أحدهم، ويُدخل في أنفس المزارعين المتعاقدين مع الشركات، عبر الجمعيات، أن الطرفين قد أوقعا هذا المزارع في خسارة، ولكن بالتأكيد سيحاول هذا الواحد جاهدا ألا يذكر المزارع بحال أن تكون هذه الطفرة عكسية.
جاءت كتابة هذه الخاطرة على أثر قراءة خبر تدشين موسم حصاد محصول الذرة الشامية في مديرية المراوعة محافظة الحديدة، وهو التدشين الذي يأتي في إطار اختتام المرحلة الأولى من مشروع “أحييناها” الزراعي الذي تنفذه اللجنة الزراعية ومؤسسة بنيان التنموية في تهامة، ويتضمن تجربة لتحسين زراعة الذرة الشامية والدخن بالمراوعة كنموذج للعمل التعاوني المتكامل بين المزارعين في المنطقة ومؤسسة بنيان وجمعية الشراقية.
يهدف المشروع إلى إحياء النشاط الزراعي في المناطق غير المزروعة حيث تقدر المساحة المستهدفة في المرحلة الأولى بـ 600 هكتار تم التدخل فيها لعون المزارعين على استصلاحها وزراعتها بمحاصيل الذرة الرفيعة والشامية والدخن عن طريق توفير مدخلات الإنتاج الزراعي (الوقود، وسائل الحراثة، البذور، أنظمة الري) مستردة بعد انتهاء عملية الحصاد.
المشروع جاء للمساندة في المناطق التي لم يتمكن الفلاحون من زراعتها نظرا لارتفاع الكلفة لمدخلات الإنتاج الزراعي، كما أن اختيار مديرية المراوعة -منطقة الخبت- مثّل تحدياً بحكم طبيعة الأرض والزحف الصحراوي عليها، وتم بفضل الله استصلاح هكتارات من الأراضي.
يذكر أن مشروع أحييناها يأتي في إطار برامج اللجنة والمؤسسة وخططها التنموية لدعم القطاع الزراعي في بلادنا وصولا إلى المساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي بزراعة الحبوب بأنواعها.
وقد مثلت هذه المرحلة أساسا لانطلاقة أكبر، في المرحلة القادمة هذا الموسم. كما شملت التدخلات زراعة 40 هكتارا في منطقتي الخبت والوادي، والمساهمة في تحسين نظام الري وتحويله من طريقة الغمر إلى استخدام الأنابيب البلاستيكية في نقل وتوزيع المياه داخل الحقول لعدد 20 مزارعاً ما أدى إلى انخفاض كمية الديزل المستهلكة بنسبة 50 %، بالإضافة إلى توفير البذور المحسنة عبر مؤسسة إنتاج الحبوب.
التوجه نحو استصلاح الأراضي الزراعية واستغلال الإمكانات المتاحة لزراعة مختلف المحاصيل، وفي المقدمة الحبوب، يأتي كأولوية تهدف إلى رفع الإنتاج الذي من شأنه كسر الحصار الاقتصادي لدول العدوان، ناهيك عن الإسهام بشكل فاعل في تخفيض فاتورة استيراد الحبوب.