انـتـفـاضـة الـريـشـة والـلـون



من بين أشكال الفنون مجتمعة كان الرسم أو الفن التشكيلي هو الأكثر حضوراٍ في ساحات أرساها الشباب لانتفاضتهم ولربيعهم في اليمن 2011م واستقطبت ساحات الانتفاضة كبار الفنانين التشكيليين الذين خاضوا مع الشباب وشاركوهم خطواتهم الأولى بالانتقال من المسيرات المؤيدة لإسقاط نظام ابن علي في تونس وبدء احتجاجات الشباب في مصر ضد نظام مبارك وحتى سقوط نظامه في 25 يناير إلى مرحلة إرساء ساحات للاعتصام والاحتجاج ونصب أولى الخيام على مرمى من بوابة جامعة صنعاء التي سوف تتسع لاحقا وتمتد ويجري تسميتها بساحة التغيير .
حمل الفنانون التشكيليون أدواتهم لتتحول بذلك الساحات إلى مرسم حر يلونون فيها أحلامهم وأشواقهم في التغيير والثورة ويشكلون إيقاعات وتقاسيم الحماس الشبابي الثوري بعنفوانه وعدالة مطالبه في الحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية والحياة الكريمة لكل اليمنيين .
العطاب .. فنان المليون رسمة
وساعدت الحالة التشكيلية في اتساقها مع الحالة الثورية المتزايدة والمتصاعدة في مطالبها حد إسقاط النظام على اكتشاف مبادرات شبابية موهوبة ومحترفة في الرسم أو النحت أو الخطوط أو الفونغراف وانفتحت الساحات على معارض فنية تشكيلية وفوتوغرافية كانت أكثر ما يشد الملتقين بالساحات أو القادمين إليها لمهمة إعلامية وخصوصا مبعوثي الوكالات وقنوات التلفزة من العرب والأجانب ناهيك عن تسليط الضوء على نشاطات هذه الحركة في وسائل إعلام الداخل .
بسام العطاب واحد من هؤلاء الفنانين التشكيليين الشباب الذين كان حضورهم ونشاطهم ملحوظاٍ وبارزاٍ في ساحة التغيير بصنعاء ولذكرى انتفاضة الشباب يتذكر بشغف لحظات تخلقه الفني في فضاءات الساحات المفتوحة على أحلام التغيير
ويحدثنا عن انهماكه «طيلة أيام وشهور الثورة في معبد الريشة واللون وإنجازه ما يقارب مليون رسمة «
ولعل ما يميزه هو رسمه علم الجمهورية اليمنية بطريقة النقش أو الزخرفة التي جعلت من علم الجمهورية أول علم في العالم بطريقة النقش ثم تدوينه أكبر موسوعة لرسم علم الجمهورية على الصدور العارية وأكف الثائرات الشابات وعلى خدود الأطفال.
وليست الأخيرة بالنسبة للفنان التشكيلي الشاب بسام العطاب تلك الحملة الفنية التي نفذها تحت عنوان (لابد للقيد أن ينكسر) كتعبير غاضب من استمرار بقاء المعتقلين من شباب الثورة في السجون فمازالت ذاكرة الانتفاضة تحتفظ بمبادرته في رسم شهداء ثورة فبراير بالأبيض والأسود وكذلك رسمه جدارية للشهداء بالألوان على الجدران
كل ذلك الإسهام الفني في تقدير الفنان العطاب «صرخة جائرة بوجه الظلم وأيقونة حلم مستمر لميلاد اليمن الجديد «
استنهاض الذاكرة بالفن ..
شغف التذكر في حديث بسام العطاب هو ذاته بالنسبة للفنان التشكيلي الشاب مشير الشارحي .. إذ يقر بأن ثورة الشباب الشعبية السلمية في بدايتها الأولى أذكت في نفسه نزعة فنية مختلفة : «كنا نخرج من داخل الجامعة باتجاه الساحة وكنت أقوم بالكتابة على الأوراق عبارات مختلفة كإرحل والشعب يريد إسقاط النظام وأحياناٍ كان بعض المتواجدين في الساحة يريدون رسومات كاريكاتيرية ساخرة أو بروتريه وكنت أساعدهم في ذلك»
ويتذكر أيضا كيف «مثلت ساحة التغيير بصنعاء ملتقى لأغلب الفنانين على مستوى الفن التشكيلي في بلادنا كالدكتورة/ آمنة النصيري والأستاذ وليد دلة والأستاذ عدنان الخليدي وكذلك الأصبحي والحرازي وسامر وغيرهم الكثير ممن لا أتذكر أسماءهم هؤلاء الفنانون الذين كنت أنا ومجموعة من الشباب كثيراٍ ما نحتك بهم ونرسم إلى جانبهم ونستفيد منهم حيث كانت المواد بتوفرها بشكل كبير قد ساعدتنا في ذلك سواءٍ على مستوى الورق والألوان والأقلام والريش كل شيءُ كان موجوداٍ «.
ووسط مخاوف وأخطار المواجهات لم يكن يخبو ضوء وصوت الريشة واللون يقول الشارحي ويتابع : «في تلك الفترة وبينما كان النظام بتعنته وإجرامه يواجهنا بكل ما يمتلك من قوة لم نكن نملك – نحن كفنانين – إلا هذه اللوحات المعبرة عما يحدث من قمع وظلم وقتل وسفك للدماء فالريشة كانت بمثابة البندقية التي ندافع بها عن أنفسنا أمام المجتمع الدولي والمحلي وكذلك النظام نفسه.».
لقد التزم الفنانون لدور يرونه مهما في مرحلة هامة من تاريخ البلاد ولذلك كان واضحا أن الفن بكل أشكاله « لعب دورا بارزا في الخطوط المتقدمة للثورة الشبابية السلمية وتحديدا الفن التشكيلي حيث ساهمنا في توصيل رسالة تحوي بداخلها آلاف الكلمات والتعبيرات قبل جمعة الكرامة وكنا نستلهم في لوحاتنا رسوم لشخصيات مشهورة وكبيرة حاول طمس تاريخها النظام السابق مثل الشهيد والزعيم إبراهيم الحمدي والشهيد جار الله عمر والأديب البردوني والزبيري والفنان الكبير فنان الثورة والحب/ أيوب طارش العبسي».
بروتريهات للشهداء .. صارت بعضها مفقودة !!
وعلى صعيد تجربته الفنية خلال الانتفاضة الشبابية فإن الفنان الشارحي قد تميز في عمل بروتريهات لشهداء جمعة الكرامة :» كنا نعتبر هذا أقل واجب نقدمه لهم أي أن نرسم لهم من لوحة واحدة على الأقل كان كل يوم يمر وعدد الشهداء في تزايد وجاءت فكرة إنشاء معرض كبير يتسع لأكبر قدر من اللوحات وكان التكتل الوطني الحر قد أقام معرضاٍ كبيراٍ في ساحة التغيير بصنعاء وكنت حينها منسقاٍ عاماٍ لهذا المعرض وتم استدعاء أغلب الفنانين للمشاركة والرسم داخل هذا المعرض لأنه قد وفر أيضاٍ كافة المستلزمات والأدوات التي سنحتاجها».
والمناسبة لا تمنع الفنان الشارحي من انتقاد ضياع بعض اللوحات الفنية التي احتواها المعرض ومازالت مفقودة إلى الآن :»المعرض طبعاٍ لم يستمر فترة طويلة حتى أن بعض اللوحات إلى اليوم لا نعلم أين مصيرها ومن بين هذه اللوحات بروتريه الصحفي جمال الشرعبي التي كانت مهداة أساساٍ لنقابة الصحفيين اليمنيين وبروتوريهات ولوحات أخرى لرسامين ما يزالون يطالبون أمثال الفنان عدنان الخليدي «.

قد يعجبك ايضا