
لعبت القبلية اليمنية دورا محوريا في مجريات ثورة الربيع اليمني وتمكنت من قلب الموازين في الأحداث التي شهدتها البلاد خلال انطلاق ثورة الشباب السلمية في 11 فبراير 2011, في ساحات الاعتصامات المفتوحة الميادين العامة وفي كافة المنصات الثورية.
ومنذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة, انخرط شباب القبائل في صفوف المحتجين في الساحات والميادين وبرز دورهم جليا في ساحة التغيير بصنعاء عندما شكلوا دروعا بشرية ضمن المحتجين وأوقفوا كافة المشاريع الشريرة لاجتياح الساحة.
كما عمل شباب القبائل اليمنية بكافة توجهاتهم وانتماءاتهم في تجسيد روح التسامح والإخاء والعمل الجاد جنبا الى جنب المحتجين من كافة الساحات والميادين في محافظات البلاد.
ولم يقتصر دور القبيلة في انخراط شبابها في الساحات والميادين بل وساهمت بشكل فاعل في كافة المنصات الثورية في صناعة مفردات التغيير الحقيقة لتمثل بذلك حالة جديدة ومتميزة لتؤكد على دورها الفاعل في مساندة نبذ المشاريع الهدامة.
وفي أوج الثورة, غير شباب القبيلة المنخرطين في الساحات والميادين الصورة النمطية التي كانت بدأت ترتسم في الذهن العام بان القبيلة مجرد اقطاعيات تميل الى الصرعات المسلحة والقيام بأعمال التخريب والتمترس خلف السلاح, ضمن عملية استهداف ممنهج وتشوية الصورة الحقيقية للقبيلة اليمنية.
وعلى الرغم من الاحصائيات المرعبة التي تؤكدها التقارير الدولية على تكدس السلاح في اليمن وهو في الحقيقة بيد القبيلة, الا ان شباب القبيلة اليمنية تخلو عن هذه الترسانة وقدموا الى الساحات يطالبون بالتغيير بطرق سلمية وراقية جداٍ.
وتصنف اليمن كثاني بلد بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث امتلاك الأسلحة بالنسبة لعدد الأفراد حيث يوجد (61) سلاحا ناريا لكل (100) مواطن يمني طبقاٍ لمسح الأسلحة الصغيرة لعام 2007م الصادر عن المعهد العالي للدراسات الدولية ومقره جنيف, إلا أن ذلك السلاح بقي بعيداٍ في ثورة الشباب السلمية.
وتمكنت القبيلة من خلال مواقفها المتعددة من تغيير الاعتقادات بانها الحاضنة التقليدية التي تسعى للزعامات , وانخرطت في ثورة التغيير بشكل فعال , وساهمت في تشكيل التغيير ونبذ الموروثات بكافة اشكالها واختلافاتها التي تتعارض مع متطلبات اليمن الحديث.
ويتذكر اليمنيون عندما تداعت القبائل اليمنية الى العاصمة صنعاء وعقدت عدداٍ من اللقاءات والمؤتمرات التي بحثت دور القبيلة في المساعدة على الخروج من تلك المجريات , وساهمت في كافة المراحل في الدفع بجميع الأطراف السياسية نحو الحوار.
وسجل عقد عدد من المؤتمرات لشيوخ القبائل في اليمن وناقشوا حينها الأخطار والمهددات التي تتربص بالوطن وتهدد الأمن والسلم الاجتماعي وخرجوا بمحددات كثيرة ساهمت في وصول البلاد الى التسوية السياسية, وهو توجه كان نابعا من استشعار المسئولية الملقاة على عاتق القبائل اليمنية بضرورة تحديد موقف موحد حيال ما كان يجري.
وخاطبت القبيلة حينها الفرقاء السياسيين قائلين إنهم ليسوا اليمن وأن اليمن هو أكثر من 22 مليون مواطن وأن القبائل اليمنية هي من ستحمي اليمن في حال أصر الفرقاء السياسيون على موقفهم الذي سيؤدي باليمن نحو «الصوملة».
ويرى مراقبون أن دور القبيلة كان حاسما , بوقوفها ومساندتها ثورة الشباب السلمية, فيما يرى آخرون أن دور القبيلة كان عبر شبابها دون كيان رسمي من خلال تواجدهم في ساحات الاعتصامات العامة بصنعاء ومدن يمنية أخرى.
وقال الدكتور فؤاد الصلاحي , استاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء, بأن شباب القبيلة شاركوا في ساحات الاعتصامات بشكل فردي من خلال اقامة خيام لهم في ساحات الاعتصامات العامة , دون أن يكون لهم كيان رسمي في ساحة التغيير وساحات وميادين الاعتصامات الأخرى في محافظات البلاد .
وأوضح الصلاحي, بأن القبيلة اليمنية بشكل عام بدأت تدرك اهمية اقامة الدولة المدينة عقب ثورة 11 فبراير السلمية , وذلك يندرج في اطار مصالحها .
من جانبه قال نبيل البكيري, رئيس þالمنتدى العربي للدراسات والتنميةþ , بأن القبيلة لأول مرة تدافعت الى ساحات العمل الثوري السلمي دون سلاح.
وأوضح قائلاٍ: «لقد مثلت ثورة 11 فبراير منعطفاٍ تاريخياٍ في مسيرة التطور السياسي والثقافي للمجتمع العربي واليمني على وجه الخصوص لما يمتاز به المجتمع اليمني من خصوصية مغايرة في ثقافة التعاطي مع السلاح كتراث وزي تقليدي وأداة للزينه والحرب على حد سوى ومع ذلك مثلت ثورة 11 فبراير منعطفاٍ ثقافياٍ تجلى في تخلي القبائل عن السلاح و تدافعهم الى ساحات العمل الثوري السلمي لأول مرة في تاريخ القبيلة اليمنية التي كانت دائماٍ أداة مسلحة في يد الحركات السياسية في صناعة وإنتاج السياسة في المجتمع اليمني».
واكد البكيري, بان ذلك الفعل السلمي كرس مرحلة كان يعلق عليها الأمل كثيراٍ إلى أن طرأت بعض النتوءات غير الطبيعية ممثلةٍ بالايدلوجية الطائفية التي مثل لها هذا التحول في سلوك القبيلة اليمنية صدمة لا يمكنها أن تعيش في ظلها هذا الجماعات المسلحة كونها تعتاش على ثقافة العنف والفوضى التي تجر بها القبائل إلى مجرد عكفة يقتل بعضهم بعضا وتنجو هي في الأخير حائزة على كرسي الحكم والسلطة فكرست جل جهودها إلى إفشال تلك الانتقالية السلمية الفبرايرية للقبيلة والمجتمع اليمني فدشنت حروباٍ عديدة في صعدة وعمران والجوف .. وضن البعض أن هذه الجماعات الطائفية المسلحة قد نجحت في إرباك المشهد الحضاري .
واشار رئيس المنتدى العربي, إلى الخروج الأخير في جمعة 11 فبراير عمق وكرس مدى الانتقالية الحضارية للمجتمع اليمني والقبيلة اليمنية رغم كل هذه الانتكاسات والافتعالات التي تحاول جماعة العنف جر المجتمع اليمني إليها مرة أخرى.
بدوره, ذكر الصحفي مارب الورد, بأن قبائل اليمن لعبت دوراٍ كبيراٍ في المشاركة في الثورة وانجاحها وكانت أحد عوامل الحسم سواءٍ في هدم أركان النظام السابق باستقالة عدد من شيوخها ورموزها من حزب المؤتمر والمناصب الحكومية أو بانضمامها لصفوف الثوار من أبناء الشعب.
وأكد أنه, لا يمكن إغفال أو التقليل من دور القبائل والنظام السابق اعتمد على شيوخها في كسب الولاءات وشراء أصوات المواطنين في الانتخابات وإخضاعهم لعملية تخدير بقبول الواقع بما يحول دون التغيير.
وأضاف « كانت الثورة التي اختطت المسار السلمي درعاٍ وقوى تحمي ساحات الاعتصام وتمنع تقدم الألوية العسكرية من مواقعها للمدن بهدف قمع المتظاهرين».
وأشار الصحفي الورد, إلى أن القبائل كانت من أوائل من انخرط في صفوف الثورة وقدمت ابنائها ودعمها المادي ومثلت الحامي لظهر الثورة ومن ذلك دعوة أبنائها المنتسبين للجيش والأمن بعدم توجيه أسلحتهم لصدور اخوانهم من الشعب ودعتهم للانسحاب وهذا ما تم وقد شهدنا استقالات كثيرة ولم تفلح اغراءات النظام المادية في تجنيد أبناء القبائل أيام الثورة.
وحسب الورد, فإن القبائل لم تلجأ للسلاح إلا فيما يتعلق بالدفاع عن مؤسسات ومنشآت الدولة التي أخلاها منتسبوها كما حصل في الجوف والتي تولت حمايتها وعدم التفريط بالمعسكرات وحماية المتظاهرين من قصف قوات الجيش كما حصل بتعز..
وأعتقد أن رجال القبائل كانوا أحد عوامل الحسم في تسريع إسقاط النظام السابق وتركه إلا من قلة حوله يعاني من الالتفاف الشعبي والاجتماعي خاصة من قيادات المجتمع.