الأقاليم مفتاح الإدارة التنموية الناجحة لليمن


لقاءات/محمــد محمـد إبراهيم –

تفــاءل عدد من السياسيين تجاه مجريات تطبيق مخرجات الحوار الوطني معتبرين أن النظام الفيدرالي هو الخيار الأنسب لواقع اليمن السياسي والديموغرافي مشترطين ضرورة التسريع بتنفيذ تطبيق المخرجات لإزاحة ستار الخوف الناتج عن النزعات الاستقلالية لدى البعض وهي النزعات التي تستغل الجهل بمقتضيات المفاهيم المتعلقة بالأقاليم والنظام الفيدرالي لدى عامة الناس ..
وأوضح السياسيون لـ “الثورة” أن المقصود بالأقاليم يعني تكافؤ الفرص والمساواة بين افراد المجتمع اليمني مؤكدين على ضرورة أن تتواكب مع عملية الأقلمة حملات توعوية اعلامية وتفاعلات جماهيرية تصل إلى كل أطياف الشعب اليمني وفئاته من شأنها التعريف بنظام الدولة الاتحادية ومسارات الشراكة في السلطة والمسؤولية التنموية والثروة وتطرقوا إلى قضايا تمس التأصيل السياسي والإداري للنْظْم الاتحادية… وغيرها من القضايا التي شملها هذا الاستطلاع ..

الشراكة في السلطة والمسؤولية التنموية والثروة وتعزيز مبدأ التنافسية في تجويد العمل الاداري والانتاجي في كافة مناحي الحياة.. هذا الهدف الأقرب والأهم لبناء دولة مدنية حديثة يلمس الفرد وجودها من أصغر دوائر العمل المجتمعي والمحلي مروراٍ بديوان عام المديرية ثم ديوان عام المحافظة أو الولاية ثم حكومة الإقليم وصولاٍ إلى قمة الهرم السياسي والسيادي للدولة الاتحادية.. هذا التأصيل الإداري والسياسي والسلطوي هو جوهر النظام الاتحادي وليس المقصود من مفهوم هذا نظام كما يتوقع عامة الناس بأن الأقاليم تعني بناء دول على أساس مناطقي استقلالي يجذر شيئاٍ من التشرذم بل يعد أداة من أدوات العمل التنموي التنافسي..
هذا ما لفت إليه النائب البرلماني والناشط السياسي سنان العجي.. مؤكداٍ في تأصليه للبْعúد السياسي والإداري لأي نظام فيدرالي اتحادي في العالم على ضرورة ادراك البعد الثقافي للمجتمع ومستوى استيعابه لمقتضيات الأقاليم حتى لا يذهب اليمنيون إلى فساد إداري وصراع سلطوي جديد داخل الأقاليم بل يجب أن تكون الديمقراطية والصلاحيات الواسعة بل الشاملة في العمل التنموي هي أهم معيار النجاح بالفوز بسلطة الولاية أو المحافظة داخل كل اقليم ومن ثم الإقليم..
وقال العجي : إن مسألة الأقاليم تأتي كخيار سياسي يؤصل لمرحلة تنموية جديدة تقوم على حكم محلي لا نقول واسعاٍ بل كامل الصلاحيات للسلطات داخل الأقاليم وكذلك داخل الولايات التي هي المحافظات على الصعيد التنموي الذي يمس حياة كل فرد مع ضرورة أن تبقى القضايا السيادية المتصلة بتوزيع الثروة وفق عدالة القانون بيد دولة قوية وأمن يبسط القانون والعدالة والمواطنة المتساوية بين الأقاليم وداخل الأقاليم ….
وأضاف العجي : نتفاءل كثيراٍ بمستقبل اتحادي ليمن واحد يضم ستة أقاليم تتداخل لتجذر الوحدة اليمنية بشكل أكبر وأعمق ولما من شأنه خدمة التنمية وتعزيز التنافس الخلاق بين الأقاليم لخدمة المواطن.. فأنا كمواطن أنتظر مشروعا تنمويا وخدميا يرقى بمستوى معيشتي وأنتظر دولة تحميني وتحمي كل ما يمس أسباب هذه المعيشة.
خْطــورة سوء الفهم
أما الباحث والمحلل السياسي محمد سيف حيدر –مدير تحرير مجلة مدارات الصادرة عن مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية- فيؤكد أن النظام الاتحادي الفيدرالي هو الخلاص من أزمة التشظي السياسي لليمن لكن الخطورة قبل الدخول في هذا المشروع هو سوء الفهم لمعنى الفيدرالية لدى عامة الناس وهي المشكلة المفاهيمية التي تعكس نفسها تعاطياٍ واقعياٍ مع مجريات الأحداث في اليمن فنسمع بكثرة ما يعبر عن النزعات الاستقلالية لدى كثير من المناطق اليمنية وهذا الخطر الذي حذرت منه منذ فترة طويلة.
وقال حيدر : والأخطر من هذا هو اتساع وتعميق سوء الفهم على العامة لتعتيم الرؤية المستقبلية لليمن بهذه النزعات الاستقلالية التي تختلف دوافعها من منطقة إلى أخرى فمثلاٍ الحراك الجنوبي أو التهامي أو الحضرمي.. هذه نزعات دافعها الظلم في الماضي والغبن السياسي والمجتمعي الناتج عن أخطاء سياسية ضربت منظومة الشعور الوحدوي بالكيان المؤسسي للدولة وثمة نزعات في مناطق أخرى دافعها قبلي أو صراع سلطوي يستدعي كثيرا من الماضي السياسي.. كل هذه جلعت العامة يعتقدون أن الفيدرالية تؤسس لكيانات جديدة تبدأ بهذه النزعات وتنتهي بالتسليم بالأمر الواقع.. والواضح أن الفرز بدأ من الآن من خلال ما نسمعه من صراعـات ومواجهات هنا أو هناك.
وقال: الأحرى بالقوى السياسية أن تبلور المفهوم في إطار حديث وبسيط يعكس جدوى الصيغة الاتحادية للعامة لبلدُ تحول من وحدة اندماجية إلى وحدة فيدرالية بدولة اتحادية تعطي الأقاليم نوعاٍ من القدرة والمرونة في إدارة العملية السلطوية والتنموية ما يحمل الكل مسؤولية بناء الدولة المدنية الحديثة ليس على مستوى اليمن كجمهورية اتحادية بل في إطار كل اقليم وبما يشعر المواطن بقيم الدولة وعوامل وجودها.. وأنا أؤكد أن القوى السياسية اليمنية في حال نجحت في تقديم مشروع الدولة الاتحادية ذات الأقاليم بهذا المستوى من الفهم للمواطنين فلا خوف على هذا المشروع من التحديات..
محمد سيف حيدر اشترط – لنجاح هذا الدور التوعوي الوطني- التسريع بإجراءات التنفيذ ومواكبة هذه العملية بنشاط جماهيري يبدأ من العاصمة ولا ينتهي بالقرى بل يصل إلى البيوت اليمنية عبر الإعلام وكل الوسائل المتاحة حتى لا تتفاقم النزعات الاستقلالية والشطحات الادارية في بعض المحافظات التي تقرأ مسألة كونها في إطار إقليم قراءة قاصرة تفتقر لأبسط معلومات المؤسسية للإقليم..
تأصيلاٍ تاريخياٍ
الناشط السياسي فيصل السلفي يؤصل مصطلح الاقاليم تأصيلاٍ تاريخياٍ مْعيداٍ هذا المفهوم الى العهد النبوي حينما وزع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وفوده الى مناطق الجزيرة العربية فإقليم البحرين واقليم اليمن واقليم العراقين –وقد ارسل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل معاذ الى اقليم الجند تعز فأسس جامع الجند – وارسل ابو موسى الاشعري في عهد عثمان– وارسل علي بن ابي طالب الى اقليم همدان فأسس المسجد الكبير بصنعاء… وارسل الى اقليم حضرموت – وارسل الى اقليم زبيد وريمة – وهكذا انتشرت دعوة الاسلام في ربوع اليمن حسب الاقاليم التي وضعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم . ومن هذا التوزيع النبوي يتبين ان النبي اراد ان يوزع ويبسط مهام الرسل الذين ارسلهم لتعليم اهل اليمن وتعريفهم بأحكام الاسلام..  
ويوضح التربوي السلفي للعامة البعد المفاهيمي للأقلمة مركزاٍ على مبدأ المساواة بين الناس في إطار أي نظام اتحادي فيدرالي قائم على الأقاليم قائلاٍ: يتبادر الى اذهان الكثير من الناس ان توزيع مسميات الاقاليم تعني المناطقية وعودة كل ابناء منطقة الى اقليمها وهذا مفهوم خاطئ وانما المقصود بالأقاليم الادارية تكافؤ الفرص وتسهيل الإدارة والمساواة بين افراد المجتمع اليمني ككل ولكل فرد يمني ان يتمتع بعمله الوظيفي او استثماره التجاري أو السكن او غيره في الاقليم الذي يريد دون تفريق او تجزئة بين ابناء الاقليم والاقاليم الأخرى .
وأكد السلفي أن المستقبل يختلف عن الحاضر بكل مفرداته وأطروحاته وعلى كل ابناء اليمن أن يدركوا أن الوصول إلى المستقبل المنشود يتطلب من الجميع طي صفحة الماضي والذهاب إلى بناء اليمن الجديد لافتاٍ إلى أن اللبس المفاهيمي للأقلمة لدى عامة الناس جوهره التخوْف على الوحدة التي احبها ابناء اليمن وسعوا لها سنين طوالاٍ وقدموا التضحيات الجسام وصولاٍ إلى إعادة هذا المشروع الوطني العظيم..
الفعاليات الجماهيرية
صارت مهمة التنوير والتوعية أكثر محورية في الفترة السياسية الراهنة ليس لما يقع على عاتقها من دور ضروري على مستوى رفع الوعي بمستجدات المفاهيم السياسية.. هذا ما لفتت إليه الدكتورة أفراح الزوبة نائب أمين عام مؤتمر الحوار الوطني موضحة أن معرفة التأثير الإيجابي لقيام الأقاليم في اليمن على حياة الناس يقتضي فهم وظيفتها ولماذا نشأت..¿ وهذه الأسئلة المحورية لا يقدم الإجابة السريعة عنها سوى الاعلام والعمل الجماهيري في كل اليمن.. داعية كل وسائل الإعلام والأحزاب السياسية للقيام بدورها التنويري في هذه الفترة لتهيئة العامة وتعريفهم بما تعنيه المفاهيم المتصلة بالنظام الفيدرالي والدولة الاتحادية والأقاليم وعلاقاتها بتقريب الجانب الخدمي والمعيشي للناس كبديل لإدارة الدولة من المركز وما يصاحب ذلك من الأخطاء السياسية التي ادت للإقصاء لكثير من المناطق اليمنية من حقهم في اتخاذا القرار وفي الثروة والسلطة ما فرض عدم استقرار الوضع الأمني السياسي والاقتصادي في اليمن..
ونفت الزوبة أن تكون الأقاليم تجزئة للبلاد بل نظام إداري يسمح بوجود حكومات محلية على مستوى الاقاليم تعمل على خدمة الناس وتسهل حياتهم وتمكنهم من المشاركة الحقيقية في صنع القرار والاستفادة من امكاناتهم…
وبالتالي ستكون الاقاليم فرصة للتنافس التنموي الايجابي بين الاقاليم المختلفة كما أنها تعطي كل مواطن يمني من أي ولاية (محافظة) ان يتنقل ويمارس كل حقوقه في المواطنة والتملك والتجارة والاستثمار والعمل السياسي بحسب مخرجات مؤتمر الحوار والدستور الذي سيتم صياغته.

قد يعجبك ايضا