الثورة / عبدالرحمن عبدالله
منذ تداولت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي “تويتر”، مقطعا يتحدث فيه الإعلامي اللبناني “وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية” جورج قرداحي عن الحرب السعودية على اليمن بوصفها حربا عبثية، يوم الثلاثاء الماضي ، تحركتك السعودية بديناميكية هستيرية ضد لبنان ، واستنفرت في معركتها المسعورة كل أدواتها وبيادقها وأبواقها ، وكل ما يمكن لها من خلاله إلحاق الضرر بلبنان الشعب والحكومة.
وإذا كان الفاتح لهذا السُعار حديث بسيط لإعلامي قدير، قاله قبل توليه منصباً وزارياً في لبنان عن الحرب الإجرامية العدوانية على اليمن واعتبرها حربا عبثية دعا السعودية لوقفها ، فبماذا كانت ستتصرف المملكة المسعورة إزاء أي عمل عسكري يستهدفها ردا على حربها العدوانية ضد الشعب اليمني ، لولا العجز والوهن الذي أصابها ، وقوة الردع والرد الذي امتلكه اليمنيون لتصرفت السعودية، التي يقودها رجل يوصف بأنه مختل ومضطرب عقليا.
منذ الأربعاء الماضي استدعت السعودية المسعورة كل وسائل الضغط والتأثير الدبلوماسية والإعلامية والسياسية وحتى الاقتصادية لما تسميه “معاقبة لبنان على إساءته للمملكة وخروجه عن العروبة” ، وقد كثفت السعودية حملة الضغوط على لبنان منذ يوم الخميس ، والجمعة سحبت سفيرها من بيروت وطلبت من السفير اللبناني مغادرة الرياض، لتلحق بها كل من البحرين والكويت والإمارات ، ويوم أمس قطر أدانت تصريحات قرداحي، مُحاولة تخفيف حدة السُعار الخليجي بطلب التهدئة ورأب الصدع.
ويوم أمس كشف وزير الخارجية السعودي، أن المسألة تتعدى تصريحات الوزير اللبناني جورج قرداحي، إلى ما وصفه أصل التكوين السياسي في لبنان ، وقال الوزير السعودي فيصل آل سعود أمس السبت، إن أحداث الأزمة مع لبنان ترجع أصولها إلى التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز ما وصفه بهيمنة حزب الله.
ولم تقتصر الحملة الخليجية السعودية المسعورة على لبنان في سياقها الدبلوماسي فحسب ، ولا حتى الاقتصادي وإعلان حظر الواردات اللبنانية ، بل استنفرت السعودية كل بيادقها من إعلاميين وصحافيين في مختلف الدول العربية بما فيهم مرتزقتها في اليمن ، ومعهم جيوش إلكترونية تنشط في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف لتسويق محتوى دعائي تحريضي على “جورج قرداحي” ، ويتعرض للشعب والحكومة اللبنانية بسيل يومي من الإساءات والكلام المقيت والمنحط.
رأس لبنان أو الجحيم.. هكذا تقول السعودية
سياسيا ليس مفهوما حتى الآن ما هو المطلوب فعله لبنانيا لترضى عنه السعودية وسائر الممالك والإمارات الخليجية ، لا إقالة الوزير الإعلامي القدير جورج قرداحي ولا حتى استقالة حكومة ميقاتي كافية لتتراجع السعودية عن نوبة السعار المجنونة التي تتصرف من خلالها تجاه لبنان، منطلقة من تصريحات للوزير جورج قرداحي قبل تسلمه حقيبة الإعلام في الحكومة اللبنانية، ظهرت إلى السطح الثلاثاء، يقول فيها إن الحرب على اليمن حرب عبثية ، فوزير الخارجية فيصل آل سعود يقول لرويترز أمس في مقابلة “إن القضية أوسع بكثير من الوضع الحالي”، ويضيف “أعتقد أن من المهم أن تصوغ الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية مساراً للمضي قدماً بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله”.
هكذا إذن تتكشف الخلفيات والدوافع التي تجتر معها سيلا جرارا من حملات التحريض والتعريض باللبنانيين والإساءات السعودية الخليجية التي تنبعث من دول عربية عديدة وبأشكال وقوالب متعددة ، الحملة أثرت كثيرا على الداخل اللبناني الذي وقع في متناقضات هي في النهاية هدف من أهداف السعودية نفسها ، حتى قالت مصادر يوم أمس إن نجيب ميقاتي فكر في تقديم استقالة الحكومة التي يرأسها ، والاستقالة تعني العودة إلى الفراغ الذي تسعى له مملكة العدوان السعودية في لبنان.
الإجراءات والهستيريا السعودية هي متوقعة يقول مراقبون، سواء بسبب قرداحي أو بسبب غيره ، خاصةً أن موقف السعودية المتغطرس تجاه لبنان نتيجة سنوات من عدم الرضا السعودي على لبنان بدأت منذ ما قبل 2015م، وتصاعدت مع موقف حزب الله تجاه الحرب العدوانية السعودية على اليمن، ومذاك تتخذ السعودية الكثير من الخطوات العدائية تجاه لبنان لكنها هذه المرة صعدتها إلى طرد واستدعاء السفراء ، اتبعتها في ذلك دويلات الخليج ما عدا سلطنة عمان.
كمن يطالب لبنان بتقديم رأسه قربانا، تريد السعودية إنهاء المقاومة بيد اللبنانيين أنفسهم وتقديمهم لها قربانا ، المقاومة التي حررت لبنان من الاحتلال الصهيوني ، وحمت اللبنانيين من جحيم الدواعش والتكفيريين خلال الأعوام السابقة ، وكرست سيادة وحرية لبنان في مواجهة العدو الصهيوني ، هي رأس مال وضمار اللبنانيين ، وهذا الرأس بات مطلوبا للسعودية التي تتحالف مع إسرائيل وتقدم لها الحكومات واحدة تلو الأخرى، لتعلن التطبيع والاتفاقات معها، هذه معادلة لا يقبلها اللبنانيون وإن بدا بينهم من يقول غير ذلك.
إعلام وإعلاميون تحت الخدمة السعودية
صحيح أن ردود الفعل السعودية المسعورة على حديث قرداحي، وضعت حكومة رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، تحت ضغط كبير، وصحيح أن جورج قرداحي بات يواجه ضغوطا متزايدة لتقديم استقالته رغم موقفه المتماسك في مسألة الخضوع للضغوط ، إلا أن السعودية استنفرت كل بيادقها في الوطن العربي دفعة واحدة ضد جورج قرداحي ، أمر يعيد إلى الأذهان ما فعلته مع بداية إطلاقها للحرب العدوانية الإجرامية على الشعب اليمني ليلة 26 مارس 2015م.
من يتابع القنوات المصرية يوم أمس، وهي تبث محتوى مسيئاً لجورج قرداحي يشعر أننا أمام إعلام يبث من الرياض لا من القاهرة التي ظل فيها الإعلامي القدير جورج قرداحي طويلا يقدم برامجه التي انتشرت على نطاق واسع في السنوات الأخيرة ومنها برنامج “المسامح كريم” الذي كان يقدمه ويبثه في القاهرة ، أما برامج التوك شو التي تشتهر بها القنوات المصرية فقد تحولت إلى بوق واحد ضد قرداحي ، عمرو أديب صاحب قناة الفراعين سخر حلقات برنامجه خلال الثلاثة الأيام الماضية على قرداحي، مستخدما كلمات نابية وخارجة عن المألوف والمسموح في الإعلام.
أما في لبنان فنحن أمام طابور واسع من الإعلاميين والصحافيين الذين تجندوا ضد وزيرهم الإعلامي القدير جورج قرداحي رغم كونه من الوسط الإعلامي المشهور والمعروف على مستوى الوطن العربي كله ، ما عدا الميادين والمنار وصحف اليسار ووسائل إعلام المقاومة بشكل عام ، نحن أمام اصطفاف إعلامي لبناني غير مسبوق يتحدث بلهجة السعودية وبخطابها وعناوينها ، حالة ليست من حالات جلد الذات اللبنانية لصالح الذات السعودية ، بقدر ما هي حالة انسلاخ ونكوص من اللبنانيين إلى السعودية التي لا تملك ذاتا ولا تملك تاريخا ، ولولا النفط والأموال التي تملكها لأصبحت أكثر دولة معزولة وغير مقبولة لا على المستوى الرسمي ولا الشعبي.
من تابع وسائل السوشيال ميديا يشعر أننا أمام بوق سعودي واحد ، إذ استنفر الذباب الإلكتروني بشكل غير مسبوق في نشر محتوى إعلامي واحد ، متساوقا مع اصطفاف عريض من النخب الإعلامية والسياسية الناشطة في وسائل التواصل الاجتماعي ضد جورج قرداحي ، إذ من الواضح من خلال الأسلوب الخطابي المستعمل من حيث الجدة وحدة اللهجة واستعمال أدوات التوكيد، أن السعودية تخوض معركة أساسية بالنسبة لها ، هذه المعركة تسعى من خلالها إلى كسر لبنان ، وتكميم قرداحي وأي قرداحي سيتحدث عن السعودية مرة أخرى ، هذا الأسلوب الدعائي شهدناه سابقاً خلال تغطية عمليات عدوان المملكة المنبوذة على اليمن ، بدا أن استعماله اليوم ضد قرداحي إعادة للتجربة.
وتوحيدا لذلك لجأت الفضائيات الخليجية إلى استضافة محللين لما تطرح من تقارير وفلاشات ضد لبنان وضد جورج قرداحي ، لا يضيفون شيئا إلا تأكيد ما يبث في التقارير والفلاشات التي تعكس حالة من السعار التحريضي المقيت ضد لبنان وضد اللبنانيين وضد جورج قرداحي ، وتتحدث عن أنها ردة فعل عربية على لبنان الفارسي ، وفي إطار المعركة كان طبيعيا التركيز على كون “جورج قرداحي مؤيد لبشار الأسد ومحب للسيد حسن نصر الله وهذا يعني أنه يعادي العرب، والعرب يقصد بهم الخلايجة الذين انخرطوا في التطبيع مع الإسرائيليين بل وتزوجوا منهم وزوجوهم” ، وفي أكثر من تحليل وتقرير على قنوات الخليجية ظهرت هذه اللغة والعناوين.
هذا المشهد يعكس حالة ارتهان النخبة الإعلامية والسياسية في الوطن العربي للسعودية ودويلات الخليج ، وهو أمر يكشف عمق الأزمة العربية التي يقود الرأي فيها نخبة مأجورة لأنظمة التضليل والانحطاط والدعايات والمجون واللهو ، ويحتم على الأحرار في هذه الأوساط أن يقولوا كلمتهم ويعلنوا موقفهم ويخوضوا هذه المعركة بجدارة .
هي حالة انبعاث بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، لكنه انبعاث البيادق والأفواه المأجورة ، حالة يمكن استعارة بيتين من قصيدة للشاعر اليمني كريم الحنكي، يقول فيها:
البندق المأجور ماشي له شرف ***مادام دافع خــــارجي يستـأجره
لا حد يبرِّر لي الخيـانة بالهدف***ماشي هدف طاهر تجيبه فاجرة