أحببت أن اكتب شيئاً ما عن ديوان (أوجاع الوطن المسافر) لأستاذنا ومعلمنا الشاعر الكبير عبد الحفيظ حسن الخزان حفظه الله ورعاه.. والأستاذ /عبدالحفيظ حسن الخزان يعتبر أحد أباطرة الشعر وملوك اللغة وقياصرة الأدب والنقد في عصرنا الحالي.. فكيف لمثلي أن يكتب عن مثله..
وهنا لا أنكرأنني توقفت متحيراً في أمري بين رغبتي في الكتابة وخوفي من عدم القدرة على الكتابة بما يليق أو يلامس (أوجاع الوطن المسافر)، فأنا لست ناقداً محترفاً خصوصاً وقد تناوله أساتذة كبار مثل: الدكتور إبراهيم طلحة والأستاذ يحيى اليازلي.
لكن القوة السحرية والروحية والوجدانية لتلك الحروف البديعة جذبتني إلى شواطئ (أوجاع الوطن المسافر) لتحملني لغته السامية الفريدة في رحلة نحو اللامنته.. لأجدني أغوص في أعماق تلك البحور، يحيط بي اللؤلؤ والمرجان والدرر التي تكشف لي عن ثورة البحر والعواصف والرياح لتحط بي مرةً أخرى في قلب حديقةٍ غناء أرتشف من مواجيدها العذاب رشفة تطير بي روحاً محلقاً في حب رسول الله والمقامات العلى، لتستمر رحلتي التي لن تنتهي أبدا بين هذه الحروف المضيئة، رغم جروحها النازفة التي رسمت على وجه الزمان (أوجاع الوطن المسافر).
إن ديوان (أوجاع الوطن المسافر) أشبه بالجنة الوارفة المليئة بأصناف الثمر كل ورقة أو ثمرة أو زهرة تعتبر خصلة من خصال الديوان وتكفي هذه الخصلة لأي باحث أو ناقد ليحضر فيها دراسة قيمة يستحق بعدها أن ينال درجة علمية عالية
ولذلك من الصعب جداً، أن تكون هناك دراسة شاملة لهذا الديوان وكل ما سيكتب عنه يعتبر في إطار الجزئية، وليس الشمولية وأنا هنا سأتكلم بعيداً عن أسلوب النقاد المعروف بعيداً عن البحور والأوزان التي كتب عليها الشاعر وبعيداً عن الأغراض الشعرية للقصائد من (فخر، مدح، هجاء، …. إلخ) وغيرها.
بعيداً عن الأبعاد الدلالية للنص وتقسيماته، بعيداً عن فلسفة الضوء والعتمة والماء والأرض والسماء والغيمة والليل والذات، وبعيداً أيضاً عن صور اللوحات الشعرية سواء كانت واقعية أو سريالية وما تحمله من دلالة الألوان، فديوان (أوجاع الوطن المسافر) مليء بكل هذه التفاصيل الجمالية وأكثر ولا يستوعب أيّاً منها هذا المقال البسيط.
إنما سأشير في مقالي هذا إلى نقطتين هامتين توقفت عندهما :-
النقطة الأولى: ريادة قصيدة الإنشاد الحديثة:-
كلنا يعرف بأهمية ودور الإنشاد في حياة الشعوب، وفي بلادنا على وجه الخصوص (تاريخياً، اجتماعياً، دينياَ، ثقافياً، سياسياً، روحياً) فمن عصر (جابر رزق، عبد الرحيم البرعي، الحسن ابن علي الهبل) والذين قدموا نتاجاً زاخراً متدفقاً، ظل المنشدون ينهلون من ذلك المعين الذي لا ينضب إلى عصرنا الحالي لأكثر من ثلاثة قرون لم تظهر خلالها دفقة شعرية مواكبة للعصور إلا الدفقة الشعرية المعاصرة بريادة الأستاذ الشاعر/ عبدالحفيظ حسن الخزان.
وهنا نجزم ونؤكد أن الأستاذ الشاعر/ عبدالحفيظ حسن الخزان يعتبر رائد القصيدة الإنشادية الحديثة، بأبعادها المعاصرة وقد التحق به بعض شعراء جيله والجيل الذي يليه ليكونوا ضمن مدرسته الشعرية الإنشادية الحديثة وسأورد هنا بعض عناوين القصائد الإنشادية في الديوان:
-1 بلادي كل آمالي
-2 يا شعب قاوم
-3 حصن الشرف
4ـ عبدالقوي الجبري
5ـ ديمقراطية أمريكا
6ـ أقوى اعتماد
7ـ أرهبونا.
وهذه القصائد لا تمثل إلا جزءاً بسيطاً جداً مما شدا به المنشدون لقرابة ثلاثة عقود مضت
وقد استطاع الشاعر أن يعبر من خلال هذه القصائد وغيرها إلى خارج الحدود لما لامست من مشاعر وهموم وتطلعات المواطن اليمني وغير اليمني، لقد كانت القصيدة الانشادية التي يقدمها الأستاذ الشاعر / عبدالحفيظ حسن الخزان تمثل ثورة لكل أركانها في:-
-1 مواجهة الثقافات الدخيلة والغزو الفكري بكل أنواعه.
2ـ الحفاظ على الهوية الثقافية الإيمانية الأصيلة.
3ـ الارتقاء بالوعي المجتمعي والتذكير بتلك المناسبات الدينية..
ومما ساعد على هذا استمرارية التدفق والعطاء بكل ما هو جديد والمساهمة الفعالة في إحياء المناسبات الدينية مثل المولد النبوي ويوم الغدير ويوم عاشوراء وغيرها من المناسبات وقد كان الأستاذ الشاعر/ عبدالحفيظ حسن الخزان يمثل صوت الثائر الأبي الذي لم تثنه أو تسكته الضغوط والتهديدات من قبل السلطات وغيرها في الفترات الماضية.
وهناك ثورة أخرى يلاحظها القارئ الحصيف عندما يقرأ ذلك الكم الهائل من النصوص التي أنشدت ليجد ذلك التنوع في القالب الشعري، مما أجبر الملحنين على الخروج من بوتقة اللحن التراثي المحدود إلى مدارات من التطور اللحني للقصيدة الإنشادية، مما أعطى هذه المرحلة زخماً وتنوعاً وتجديداً رائعاً ظهر جلياً في الساحة الفنية، وهنا لابد من أن نذكر مساهمة الأستاذ الشاعر/ عبدالحفيظ حسن الخزان في إثراء القصيدة الثورية، وإبرازها في مواجهة الظلم من قبل الأنظمة السياسية أو العدوان الخارجي بأسلوب شعري ثوري رفيع المستوى.
النقطة الثانية:-
سأحاول هنا أن أشير باختصار شديد إلى هذه النقطة التي تدور حول عنوان الديوان والشاعر فمن خلال القراءة السريعة للديوان تكتشف أن :-
1 -الشاعر هو الوطن، والوطن هو الشاعر فأوجاع الوطن المسافر هي أوجاع الشاعر وكثيرة هي الأمثلة..
فقد كان الأستاذ الشاعر/ عبدالحفيظ حسن الخزان بتلك المشاعر والروحية العالية والنظرة الثاقبة والفلسفة الإنسانية العميقة يجسد آلام ومعاناة الوطن والمواطن بكل صدق وحب ويصف الأخطار والتحديات التي سنواجهها بكل حكمة واقتدار.
وطالما قدمها بأساليب شعرية مختلفة تدل على ثراء ومقدرة الشاعر على إيصال الفكرة بأكثر من صورة ولأكبر عدد من الناس..
-2 مثّل ديوان (أوجاع الوطن المسافر) حقبة زمنية مهمة جدا في تاريخ اليمن المعاصر، وربما كانت الأهم حيث يتضح للقارئ أن النصوص الموجودة كتبت في ما قبل ثورة 2011 مرورا بالأحداث من فجر الثورة وصولاً إلى ثورة 2014م والأحداث التي تلتها توقفا عند سنوات العدوان حتى 2020 تقريباً.
إن ما يحمله هذا الديوان بين دفتيه من قصائد تصل إلى 200 قصيدة تحكي الأحداث والمتغيرات لفترة زمنية تصل لإحدى عشرة سنة يعتبر مرجعاً وشاهداً تاريخياً حقيقياً، وكأنها فيلم وثائقي يورد لك الأحداث والأماكن والأشخاص بصورة واضحة جلية عن طريق اللغة الشعرية القريبة من الناس.
وهنا أجزم أن ديوان (أوجاع الوطن المسافر) سيكون من أهم المراجع التاريخية الشاهدة على هذا العصر والذي سيرجع له المؤرخون والدارسون والباحثون في الزمن القادم.
أرجو أن أكون قد وفقت في ترحيبي بهذا الديوان البديع (أوجاع الوطن المسافر) والشاعر الكبير الأستاذ/ عبدالحفيظ حسن الخزان.