الانقلاب والثورة!

عبدالله الأحمدي

 

عندما قامت حركة الجيش في ٢٦/٩/١٩٦٢م كان الشيخ الأحمر سجيناً في سجن شهارة، فأطلقه السلال، وأعطاه (٤٠) بندقية شيكي لمطاردة الإمام البدر في المناطق الشمالية الغربية، وباعتراف الأحمر، فإن السلال أهداه جنبية هي الأغلى أُخذت من قصور الأئمة، وظل الأحمر يُفاخر بها طوال حياته، لكن الرجل لم يكن وفياً مع السلال، فقد تآمر الأحمر عليه في انقلاب ٥ نوفمبر ١٩٦٧م ورّحله إلى خارج البلاد.
في مطار الحديدة، عندما كانت الطائرة تهم بالإقلاع قال السلال للأحمر: (الجمهورية في رقبتك)، لكن الرجل لم تكن الجمهورية في وارد همه.
يعترف الشيخ الأحمر في مذكراته، أنه كان يسقط أمام إغراءات المال.
ويحكي الأحمر عن نفسه، فيقول في مذكراته : ( في إحدى زياراتي للمملكة كنت في فندق آسيا في جدة، وفي العصر جاءت سيارة الأمير سلطان لتنقلني إلى الإمارة).
وجدت الأمير في استقبالي في مكتبه، وأمامه رزم من المال، كانت عيني على المال.
وبعد السلام والمحادثة، مدَّ الأمير يده إلى المال وقال: “هذه ٧٠ مليون لك، وهذه ٢٥ مليون إحملها لعلي صالح يمشّي بها حاله).. كان هذا بعد استيلاء علي صالح على الحكم في اليمن.
بمقاييس علم الثورات، وبشهادات الواقع؛ ٢٦ سبتمبر ليست ثورة، بل انقلاب، وبالأكثر، حركة قام بها ضباط من الجيش.
الثورة هي تغيير في علاقات الإنتاج؛ إحلال نظام جديد بدلا عن النظام القديم، وحركة ٢٦ لم تقم بذلك؛ كل ما فعلته هو إحلال أشخاص مبنطلين ومبرنطين بدلا عن أصحاب القاوقات والجبات.
أما جوهر العلاقات الاجتماعية فلم يتغير. بقي الشيخ نفس الشيخ، بل زاد نفوذاً وقوة، وبدلاً عن إمام واحد طلع لدينا عشرات الأئمة، لكن تنقصهم القيم، لم تستطع حركة سبتمبر أن تحل حتى مسألة التنافيذ، وأجرة العسكر، وما يزال المواطن يتجرع هذه الأساليب البالية.
يقول الأستاذ حسن محمد مكي في آخر مقابلة له في منزله في الحديدة، وهو أحد الفاعلين في جمهورية المشائخ : ( إن ما يحزنني حقاً، هو أن أموت بعد هذا العمر، وأهداف سبتمبر لم يتحقق منها هدف واحد ).
بعيداً عن العواطف وبموضوعية خالصة، فإن سبتمبر حركة لم تحقق أهدافها، وقد تم وأدها في شهورها الأولى، بقتل قائدها المخطط لها الملازم علي عبدالمغني.
بعد انقلاب ٥ نوفمبر الرجعي، وتصفية الصف الأول من قادة الحركة، تحول الشيخ الأحمر وزمرة من أمثاله إلى أوصياء على البلاد، وتحول النظام إلى جمهورية الشيخ يتصرف بها كما يشاء؛ ممسكاً بالقرار والمال.
وبعد قتل والتخلص من أبطال الحصار في مذبحة أغسطس، وإملاء السعودية ما تشاء على أنصاف الجمهوريين في اتفاقية ١٩٧٠م، أصبحت اليمن حديقة خلفية للنظام الرجعي السعودي، ولم يتم تعيين حكومة، أو مسؤول في صنعاء إلا بوصاية سعودية.
وبعد مقتل إبراهيم الحمدي، صُنعت معادلة جديدة في الداخل هي: ( شيخ الرئيس ورئيس الشيخ )، تحت الوصاية السعودية الكاملة ، واستمر هذا الوضع لأكثر من ٣٣ عاما، وتحولت البلاد إلى إمارة سعودية أميرها رجل السعودية الأول ابن الأحمر، الذي أصبح إمبراطورية مالية وسياسية.
أكثر من خمسين عاماً والعصابات المغتصبة للحكم في البلاد تضحك على اليمنيين باسم الثورة والجمهورية؛ تقتل أحرارهم وتنهب ثرواتهم، وتنتهك مقدساتهم، وتبيع أرضهم، وتزييف حقائق هويتهم وحضارتهم.
وعصابة تدق عصابة، وانقلاب يدك انقلاباً، ولم تستقر البلاد ولا للحظة واحدة.
وفي الأخير.. هربت هذه العصابات وسلَّمت البلاد للعدوان والاحتلال.
ويكتشف اليمنيون حقيقة ألا ثورة ولا جمهورية، وكلها مزايدات من أجل السيطرة على السلطة ونهب الثروة، والحقيقة الماثلة هي الفقر والتخلف والتبعية.
واليوم، بعد كل هذا العبث يتباكون على الجمهورية من الفنادق والمراقص والبارات في عواصم الرجعية والملكيات الأسرية والوراثية.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

قد يعجبك ايضا