الرأي المنير في الرد على من شكك بصحة حديث الغدير 2-2

عدنان الجنيد

 

 

‏إن حديث (غدير خم) مما أجمع أئمة آل البيت على صحته، وحتى علماء المسلمين وأئمة أهل السنة قالوا بتواتره واعترفوا بكثرة طرقه، مثل الإمام جلال الدين السيوطي، فقد ألّف في الأحاديث المتواترة كتاباً أسماه (الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة)، وأدرج فيها -أي في الأحاديث المتواترة- حديث الغدير ..
وممن قال بتواتر حديث الغدير -أيضاً- الإمام الحافظ الذهبي (1) ، والإمام الحافظ الكبير ابن الجزري ، حيث قال ما نصه : “ هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي ، وهو متواتر أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- رواه الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم …”(2).
وكذلك ابن كثير(3) ، والزبيدي صاحب تاج العروس (4) ، والمحدث الفقيه الملا علي القاري الهروي (5) ، وغيرهم -من علماء وأئمة أهل السنة- ممن يطول ذكرهم ، وما ذكرناه عبارة عن أنموذج فقط…
بل لقد بلغ ببعض أئمة أهل السنة أن ألّف كتاباً جمع فيه جميع طرق الحديث وهو الإمام ابن جرير الطبري .
قال الإمام الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء) (6) : “ جمع الطبري (ابن جرير) طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره فبهرني لسعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك “اه .
قلت : وسبب تأليف الطبري لهذا الكتاب هو ما ذكره ياقوت الحموي في (معجمه) (7) “: أن بعض الشيوخ ببغداد قال بتكذيب حديث غدير خم ، وقال إن علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله بغدير خم ، فبلغ أبا جعفر الطبري ذلك، فابتدأ بالكلام في فضائل علي بن أبي طالب وذكر طرق حديث غدير خم ..”.
قلت : وبهذا الإنجاز العظيم الذي قام به الإمام الطبري في جمع طرق حديث (الغدير) عاداه النواصب ورموه بالبدعة، واتهموه بالتشيع، ولهذا عند موته خاف عليه أصحابه من أذيتهم له فدفنوه ليلاً (8).
وممّا يؤكد صحة حديث (غدير خم) أن أئمة علم التفسير رووا عن عدَّة من الصحابة والتابعين، ما يفيد أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- أُمر بتبليغ ولاية الإمام علي (حديث الغدير) بقوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..)[ المائدة : 67].
فقد أخرج الإمام الواحدي في كتابه (أسباب النزول) (9) -من طريقين معتبرين- “عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية -[ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ…]- يوم غدير خم في علي بن أبي طالب..” .
قلت : ‏وهو الذي أخرجه الحافظ أبو نعيم في تفسيرها -أي الآية- من كتابه (نزول القرآن) بسندين : أحدهما عن أبي سعيد ، والآخر : عن أبي رافع ….
ولقد اتفق الكثير (10) على نزول هذه الآية في غدير خم ، فقام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بعد نزولها ، فبلَّغ الحاضرين ماأُمر به ، وقد كان عددهم مائة وأربعة وعشرين ألفاً ، وقيل مائة وعشرين ألفاً وقيل مائة وأربعة عشر ألفاً .
ومعلوم أن هذه الآية لم تنزل لتأمر النبي أن يبلغ الأمة بأحكام دينها كالأركان الخمسة وغيرها ؛ وذلك لأن الأركان الخمسة قد كانت مفروضة ، وأحكام الدين مستتبة ، والحلال والحرام بينان غير مجهولين .
إن الآية ما أُنزلت إلا لكي تأمر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- بأمرٍ هام يخص الأمة ويرسم لها طريق سعادتها وسبيل نجاتها ،وذلك في اختيار إمامها وولي أمرها ، والإمام علي -عليه السلام- هو الأنموذج الأمثل والأعلى لكل ولاة الأمة وأئمتها..
إن حديث الغدير مع آية الولاية(11) التي أيدته وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[المائدة : 55] ، يعطيان للأمة ثقافة متكاملة تحصنها من الثقافات التي تُقدم إليها ، لتكون قابلة لأن تُفرض عليها ولاية الظالمين والمجرمين الموالين لليهود والنصارى..
هذا وبعد أن انتهى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من خطبة الغدير ، نزلت آية الكمال -كما قال الكثير من علماء الأمة وأئمة المسلمين(12)- : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ ..) [المائدة :3] .
الهامش :
(1)نقل كلامه بتواتر حديث الغدير ابن كثير في تأريخه [5/ 213 – 214] .
(2) “أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب “ للحافظ ابن الجزري ص 48 .
(3) في تاريخه [5/ 213 – 214] .
(4)له كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه .
(5)له كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه .
(6) [277/14] .
(7) “معجم الأدباء” ل ياقوت الحموي [ 18/ 83 – 85] .
(8) المرجع السابق
(9) “أسباب النزول” للإمام الواحدي- ص ١٥٠ – ط الحلبي بمصر .
(10) “تفسير ابن أبي حاتم” [1172/4] ، و “تفسير الثعلبي” [92/4] ، و”فتح القدير” للشوكاني [ 60/2] ، و”تأريخ دمشق” لابن عساكر [ ٨٦/٢ ]-ح ( ٥٨٦ )- ط بيروت ، و “الدر المنثور” لجلال الدين السيوطي [ ٢٩٨/٢ ] -بيروت- على ط مصر ، و “تفسير الفخر الرازي” [ ٥٠/١٢ ] ط مصر ، و “ينابيع المودة” للقندوزي الحنفي – ص ١٢٠- ط إسلاميون ، و “فرائد السمطين” للحمويني [ ١٥٨/١ ] ح ( ١٢٠ ) ط – ١ _ بيروت …. إلى غيرها من كتب السنة التي تثبت نزول الآية في غدير خم .
(11) أجمع علماء وأئمة آل البيت على أن هذه الآية نزلت في الإمام علي -عليه السلام- حين تصدّق بخاتمه وهو راكع،
وأما غيرهم فقد قالوا بنزولها في الإمام علي ، انظر : “ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى” لمحب الدين الطبري -ص 88 ، و “الدر المنثور “ للسيوطي [293/2] ، و”اسباب النزول” للواحدي -ص148 ط – الهندية ، و”لباب النقول” للسيوطي بهامش تفسير الجلال -ص 213 ، و “مجمع الزوائد” للهيثمي [18/7] ، و “الصواعق المحرقة” لابن حجر -ص 25 – ط الميمنية ، و” منتخب كنز العمال” بهامش مسند أحمد [38/5]…إلى غيرها من المصادر التي يطول ذكرها .
(12) أجمع آل البيت في نزولها بعد خطبة غدير خم -وآل البيت أدرى بالذي فيه- وأما غيرهم فانظر “تاريخ دمشق” لابن عساكر [75/2] ح (575) ط – بيروت ، و” تاريخ بغداد “للخطيب البغدادي” [290/8] ط – السعادة بمصر ، و”الدر المنثور” لجلال الدين السيوطي [259/2] ط – 1 – بمصر ، و “ شواهد التنزيل” للحسكاني الحنفي [157/1] ح (211) ط -1- بيروت ، و “مناقب علي بن أبي طالب” للحافظ الشافعي (ابن المغازلي) ص 19 ح(24) ط -1- طهران…. إلى غيرها من المصادر التي تركنا ذكرها طلباً للاختصار .

قد يعجبك ايضا