كيف دمرت أمريكا اقتصاديات الزراعة في العراق وسوريا واليمن وحولتها إلى أسواقها المفتوحة؟
نهوض الاقتصاد يبدأ بإغلاق الحدود أمام المنتجات الصهيونية والأمريكية
الشهيد القائد: مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية ترجمة عملية لموقف العداء لأمريكا وإسرائيل
«وثائق» المقاطعة الاقتصادية.. السلاح الموجع لأمريكا وإسرائيل
لا شك أن للمقاطعة بشتى أشكالها أهمية جوهرية، في مسار الصراع مع العدو الصهيوني ، وتعد سلاحا فاعلا في مواجهة الكيان اليهودي ، وموقفاً إيمانياً في مواجهة عدو هو الأشد خطرا على الأمة.
أما المقاطعة الاقتصادية أو ما تعرف بمقاطعة البضائع الصهيونية فتعد السلاح الأكثر فعالية، ويعود تاريخ المقاطعة العربية لبضائع الصهاينة إلى الربع الأول من القرن العشرين، تلتها مواقف تصعيدية في ذات المسار، إلا أنها لم تتخذ مساراً واقعياً على الأرجح، وإن كان مجلس الدول العربية اتخذ قراراً عام 1945م بالمقاطعة الرسمية للبضائع اليهودية، ومن ثم عبر الجامعة العربية بعد 1948م، بيد أن هذه المقاطعة تلاشت مع مرور السنين.
تحقيق/ عبدالجليل الموشكي
في مطلع الألفية الثالثة أطلق الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه- مشروع الصرخة في وجه المستكبرين وبموازاته مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، ولكن هذه المرة في مسار عملي حقيقي وتوعوي وثقافي كرّس ضرورة التحرك بهذا السلاح الفعال.
وتضيف الوثائق التي نشرتها وزارة الاعلام مؤخراً تحركا أمريكيا مبكرا للضغط على الأنظمة والحكومات في فتح البلاد العربية لمنتجات وبضائع اليهود.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي: المقاطعة سلاح
في وقت مبكر، أدرك الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي _رضوان الله عليه_ خطورة ما سيؤول إليه حال الأمة إن استمرت في غفلة لا تقوى على المواجهة حتى بالموقف، ما جعله ينطلق بالمشروع القرآني النهضوي الذي كانت الصرخة في وجه المستكبرين نواته الصُلبة التي تشكلت عليها دعائم مواجهة الأعداء، وكان أول تحرك عملي ناجع قدّمه لانتشال الأمة من واقع الذل والهوان الذي تمر به؛ هو مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كترجمة عملية لموقف العداء لأمريكا و”إسرائيل»” أئمة الكفر وألد أعداء الأمة الإسلامية في هذا الزمن.
لم يطلق الشهيد القائد -رضوان الله عليه- سلاح الشعار وبموازاته المقاطعة إلا عن يقين منه بجدوائيتهما، وهو ما كشفه واقع العدوان على اليمن، الذي ما يزال يصرخ بـ”الموت لأمريكا و”إسرائيل” رغم اشتداد وطأة العدوان والحصار عليه.
بيّن -رضوان الله عليه- في ملزمة “في ظلال مكارم الأخلاق” “الدرس الثاني” أن من أصبح ممتلئاً سخطاً ضد أمريكا و”إسرائيل” هو من سيستجيب للمقاطعة الاقتصادية، قائلاً «إن هؤلاء بإمكانهم أن يقاطعوا المنتجات الأمريكية، أو منتجات الشركات التي لها علاقة بالأمريكيين وباليهود، أو بالحكومة الأمريكية نفسها، وحينئذٍ سيرون كم سيخسرون؛ لأن من أصبح ممتلئاً سخطاً ضد أمريكا وضد إسرائيل أليس هو من سيستجيب للمقاطعة الاقتصادية؟ والمقاطعة الاقتصادية منهكة جداً»، يقصد بهؤلاء كل من صرخ بالشعار حينها.
• لماذا المقاطعة؟
قد يعتبر البعض فكرة المقاطعة الاقتصادية غير ذات جدوى، لعدم معرفته بفعاليتها انطلاقاً من ارتباطها بالموقف العدائي، وصولاً إلى تأثيرها البالغ على العدو، وفي هذا الشأن يتجلى حديث الشهيد القائد -رضوان الله عليه- في ملزمة «الشعار سلاح وموقف» حين شدّد على ضرورة اهتمام الناس بها ولو في منطقة واحدة من اليمن، ويقول -رضوان الله عليه- مخاطبًا من يقلل من شأن المقاطعة «لا أحد يقول: (كم هناك من أناس يشترون!) هناك أناس آخرون يقاطعون في البلاد العربية، فأنت لا تحسب نفسك مع الذين لا يقاطعون، احتسب نفسك رقماً إضافة إلى آلاف الأرقام الأخرى في البلاد العربية تقاطع».
بحسب نتائج رصد مكتب الإحصاءات الأمريكية؛ فإن إجمالي ما استقبلته أسواق البلدان العربية والإسلامية خلال العام 2016م مثلا من صادرات الولايات المتحدة الأمريكية تجاوز 101 مليار دولار، وهو مبلغ يشكل ما نسبته 18 % من ميزانية الدفاع الأمريكية التي قُدرت حينها بـ 607 مليارات دولار.
كل هذه المليارات يحتاجها الأمريكي للتحرك لفرض هيمنته علينا، ونجد أنفسنا نحن من نموله دون أن نعي، وإذا أمعن الناس في التفكير قليلا سيدركون أنهم مشاركون في الإجرام الأمريكي وداعمون له بالمال وإن كان ذلك عن طريق شراء السلع.
من المؤكد أن اتخاذ موقف المقاطعة ينسجم كلياً مع مقتضى التوجيهات الإلهية التي تنهى عن التولي لليهود، ولا يقبل عقل أو منطق أن هناك أمة من البشر تأخذ مشربها ومأكلها من عدوها الذي يعمل ليل نهار لنسفها من الوجود والاستيلاء على مقدراتها.
سلاح فاعل
لا تقتصر الغاية من المقاطعة على الخسارة الاقتصادية التي يتكبدها العدو الصهيوني فحسب بل تعد حربا نفسية مروعة لليهود ، إذ يضع الشهيد القائد -رضوان الله عليه- سلاح المقاطعة إلى جانب النفط سلاحين فتاكين يمكن للعرب من خلاله ضرب العدو الأمريكي والصهيوني في مقتل، مؤكداً في أحد الدروس «الدرس 22 من المائدة»، أن العدو لن يستطيع فعل شيء لمقاومة سلاح المقاطعة، ولكن للأسف أصبح النفط العربي اليوم من أكبر وسائل الدعم لأمريكا وإسرائيل.
وعلى يقين منها بتأثير المقاطعة الاقتصادية وفرض الحصار، تذكر الإحصائيات أن أمريكا استخدمت ما تسمى بالعقوبات الاقتصادية ضد الشعوب، ستين مرة ضد 35 بلدا، خلال الأعوام من 1993 – 1996م فقط.
فرصة للنهوض
علاقة المقاطعة للبضائع والمنتجات الصهيونية والأمريكية، بالنهوض الذاتي والاكتفاء الاقتصادي علاقة ضدية، إذ لا يمكن بناء اقتصاد قوي لبلد دون منع دخول البضائع الصهيونية والأمريكية ومقاطعتها.
اليمن بلد زراعي أصيل، يزرع القمح والحبوب والذرة بأنواعها المختلفة منذ زمن طويل، كان اليمنيون إلى ستينيات القرن الماضي يأكلون مما يزرعون، استيراد القمح إلى اليمن حديث نسبيا، بدأ ضمن سياسية أمريكية تدميرية للزراعة في خمسينيات القرن الماضي ، انتهت باعتماد اليمن كليا على القمح والحبوب المستوردة.
تلقى اليمن أول شحنة قمح كمنحة من أمريكا بلغت 14.000 طن في العام 1959م، تلتها شحنات القمح والدقيق على شكل هبات أو بأسعار رخيصة ، رفعت أمريكا الأسعار وضغطت على النظام الحاكم منذ السبعينيات بدعم القمح المستورد مقابل سحب الدعم عن القمح المنتج محليا ، مع تنامي الاعتماد على القمح والدقيق الأمريكي المستورد والقضاء على زراعته في اليمن ، فرضت أمريكا من خلال اتفاقات موقعة مع السلطات المتعاقبة حظرا على زراعة القمح في اليمن ، وفرضت شروطا من خلال الفاو على زراعته ، حتى أصبحت اليمن تعتمد كليا على القمح المستورد من أمريكا وأستراليا بشكل أقل ، وصل إلى حوالي 3.4 مليون طن متري في العام 2014م فقط على سبيل المثال.
يحتل القمح والدقيق الأبيض المستورد من أمريكا المرتبة الأولى بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة إلى عام 2016م، تمثل ما يقارب ثلث قيمة الواردات الغذائية الزراعية، وشكلت 9.6 % من إجمالي واردات السلع في المتوسط خلال الفترة 2011 – 2016م ، تحولت هذه السلعة الضرورية إلى سلاح بيد أمريكا ضد اليمن ، بعدما قضت على الزراعة وفتحت اليمن على مصراعيه لقمحها وحبوبها الرديئة.
• العراق -من اهم الاقتصادات الزراعية في العالم- تحوّل إلى سوق للمنتجات الأمريكية
كان العراق وسوريا من أهم الاقتصادات الزراعية في العالم، إلى أن دفعتهما الحروب الأمريكية إلى حافة انعدام الأمن الغذائي ، انهيار المنظومة الزراعية في العراق جاء بفعل الاحتلال الأمريكي ، الحرب الأمريكية على سوريا التي كانت تمتع باكتفاء ذاتي جعلتها تفتقر إلى الأمن الغذائي اليوم بعد عشرة أعوام من الحرب التي تركزت على تدمير الزراعة ومعامل الإنتاج ومطاحن الحبوب.
تمتع العراق بتربة من أجود أنواع التربة وأكثرها خصوبة على مستوى العالم، ومثلت الزراعة 18 % من الناتج الاقتصادي المحلي في عام 1995م، إلا أن الحصار والاحتلال الأمريكي دمر هذا القطاع وبالكاد اليوم يمثل 2 %، ليتحول العراق إلى بلد مفتوح للمنتجات الامريكية والصهيونية.
بعد عام 2003م، عمد الاحتلال الأمريكي في العراق إلى توقيف مصانع البذور والأسمدة والطحن والتعليب ، بعضها تم تدميرها وبعضها أصدر قرارات عسكرية بإنهاء نشاطاتها ، كانت الحجة الامريكية أن هذه المصانع تتبع نظام صدام حسين ، وأن التدمير والحظر والتوقيف الأمريكي هو بهدف كبح نشاط النظام الصدامي ، تسببت القرارات والممارسات الأمريكية في أضرار بالغة تعرض لها القطاع الزراعي العراقي، وصلت إلى حد تهديد الأمن الغذائي بعد الغزو الأمريكي في عام 2003م، وظهور مجاعات عديدة.
حين أعلنت أمريكا إعادة الإعمار للعراق ، استثنت المناطق الريفية الزراعية التي عانت من شحة ونضوب المياه وتدمير المضخات والمنابع والأنهر ، التفجيرات المتكررة والأسلحة جعلت التربة الأخصب في العالم غير صالحة للزراعة.
ركزت السياسات الأمريكية في تهميش القطاع الزراعي ، توازيا مع سيطرة شركات الاستيراد من أمريكا واسرائيل وإزاحة المزارعين خارج السوق المحلية والتضييق عليهم، كما استمرت سياسات إعادة الإعمار بتدمير القطاع الزراعي وذهبت أمريكا لتمول رؤوس أموال تجارية تستورد من الخارج.
حين سيطر داعش على شمال العراق وجله مناطق ريفية نزح المزارعون إلى المدن ، قامت عناصر داعش بتدمير المعدات الزراعية الخاصة بالمزارعين وبيعها في أسواق التشليح ، كانت المحصلة توقفاً تاماً للزراعة ، وكان ذلك بدفع أمريكي وضمن سياسة أمريكية ممنهجة.
ومن هذا المنطلق فإن المقاطعة للبضائع الصهيونية والأمريكية إلى جانب كونها سلاحاً فعالاً يضرب العدو في عمقه، تعد ضرورة لا بد منها للسماح بنهوض الاقتصاد ، إغلاق الحدود أمام المنتج الصهيوني والأمريكي خطوة أولى للأمن الغذائي ، ومثلما يتعمد العدو الأمريكي والصهيوني تدمير الاقتصاديات الإنتاجية للشعوب ، ليحوِّلها إلى سوق مفتوحة لمنتجاته ، لابد أن نغلق الحدود أمام منتجاته وبضائعه ، وبهذا نتمكن من الاكتفاء وتحقيق الأمن الغذائي.
يؤكد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في ملزمة «يوم القدس العالمي» أن «الأمة أصبحت في صراعها مع اليهود في صراع حضاري، ومنه المجال الاقتصادي، وأنه لا بد لها أن تتجه نحو الاكتفاء الذاتي، لتعتمد على نفسها في مجال غذائها فتهتم بالزراعة وتهتم بالتصنيع، في كل المجالات، وتهتم بالتصنيع العسكري وتهتم بالتصنيع في مختلف الأشياء التي يحتاجها الناس لتكون بمستوى المواجهة، وتهتم بأن تنشئ جيلاً يعرف كيف ينظر إلى الغرب، جيلاً يحمل العداء لأعدائها يصيح بالعداء لأمريكا، بالعداء لإسرائيل، وتبني نفسها لتكون بمستوى المواجهة».
وتشكل المقاطعة دافعاً قوياً لتوفير الاحتياجات، بدلاً من الاستمرار في تمويل المجازر الأمريكية الصهيونية بحق أبناء الشعب اليمني والشعوب العربية، ولعل النموذج اليمني هو خير شاهد على قدرة الشعوب الحرة في السعي نحو التحرر والاكتفاء، فست سنوات وربع من العدوان والحصار المفروض على اليمن رغم الدمار أثرت إيجاباً بالتحول الكبير نحو الاكتفاء الذاتي والانتاج المحلي، وخير شاهد على ذلك تعاظم الصناعات العسكرية اليمنية ودخولها ساحة المعركة كقوة ردع فاعلة تكبح غطرسة العدو الصهيوني وعملائه.
وعلاوة على الفائدة بالتحول نحو الإنتاج والاكتفاء، يرى السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه بمناسبة ذكرى الصرخة 1436هـ أن سلاح الشعار والمقاطعة كرديف له من مكاسبه الأولى توفر حالة من المنعة الداخلية، تحمي الأمة من الخيانة والعملاء.
• الوثائق تتحدث عن أمريكا والحرب على المقاطعة
من ضمن ثلاث وثائق نشرتها وزارة الاعلام وثيقة يعود تاريخها إلى 9 مايو 1993م، وهي عبارة عن رسالة من وكيل وزارة الخارجية اليمنية للشؤون السياسية –آنذاك- أحمد ضيف الله العزيب، إلى مدير مكتب رئاسة الجمهورية حينها علي الآنسي، تشرح مجريات لقاء الأول مع الوكيل المساعد لوزارة الخارجية الأمريكية السفير «ويند ماك» الذي زار صنعاء وقتها وطرح ضرورة أن تتخلى اليمن عن المقاطعة في الدرجة الثانية والثالثة ، والمقصود بها ، مقاطعة الشركات الأمريكية التي لها علاقة بـ «إسرائيل».
المسؤول الأمريكي طلب في بداية الأمر إعادة النظر في سياسة المقاطعة المفروضة على الشركات الأمريكية التي لها علاقة بـ «إسرائيل»، ويقول: إن «معظم الشركات الأمريكية الهامة لها علاقة قوية مع «إسرائيل» وتشكو من الشروط التي تفرضها المقاطعة ، ولفت إلى أن الأمر يتنافى مع القوانين الأمريكية، ويحرم اليمن من الاستفادة من استثمارات هذه الشركات.
في 4 يونيو 2005م، التقى السفير الأمريكي “توماس كرادجيسكي» مع وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي ، وطرح «كرادجسكي» المقاطعة للبضائع الصهيونية على ضوء مؤتمر المقاطعة في دمشق الذي عقد في الشهر نفسه ، يطرح السفير الأمريكي ضرورة رفع المقاطعة في اليمن ، ليس فقط تلك المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة ولكن المقاطعة من الدرجة الأولى للشركات التي تتعامل مع «إسرائيل»، مشيراً إلى أن هناك عدداً متزايداً من الدول العربية التي تعمل على خرق نظام المقاطعة التجارية مع «إسرائيل».
الوزير أشار إلى أن نظام المقاطعة هش في الواقع ولا توجد مقاطعة حقيقية، حيث فتحت العديد من الدول العربية مكاتب تجارية لـ «إسرائيل» على أراضيها.
أما في وثيقة ثالثة يعود تاريخها إلى 11 نوفمبر 2007م، وهي رسالة موجهة من وزير الخارجية أبو بكر القربي إلى علي محمد الآنسي مدير مكتب الرئاسة حينها، ومرفقة بها رسالة من السفارة الأمريكية وجهت إلى وزارة الخارجية اليمنية، تتضمن إملاءات واضحة بوقف المقاطعة للبضائع والخدمات الصهيونية وفرض حالة التطبيع ، ونهي عن حضور مؤتمر المقاطعة في دمشق ومقاطعته والانسحاب منه.
المذكرة الأمريكية أشارت إلى أن «لقاء المقاطعة العربية لا يمثل عائقاً للسلام في الشرق الأوسط فحسب، ولكن يشكل حاجزاً يحول دون المشاركة في الاقتصاد العالمي وجذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع التجارة وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي».
المذكرة أيضا، فرضت على الحكومة اليمنية حينها التخلي عن مقاطعتها المبدئية للبضائع والخدمات الإسرائيلية مقابل ضم اليمن لمنظمة التجارة العالمية، وشددت على أنه حان الوقت كي تتخذ الجامعة العربية قرارا بإغلاق مكتب المقاطعة المركزي في دمشق.
وبحسب المذكرة أثنت السفارة الأمريكية على الشعوب التي اختارت ألا تشارك علنا في لقاء المقاطعة الأخير، وطلبت أيضا العمل على إنهاء المقاطعة العربية، وللعلم لا علاقة للشعوب بالأمر البتة، إنما هي الحكومات فحسب، والدليل أنه في اليمن حينها كانت قد مضت سنوات على انطلاق المشروع القرآني الذي جاء بالشعار والمقاطعة.
ولفتت المذكرة إلى أن السفارة الأمريكية ستوافي وزارة الخارجية اليمنية بمعلومات تفصيلية عن المقاطعة العربية، راجية منها أن تبعث لها بأي ردود محتملة حول هذا الموضوع إلى الملحق الاقتصادي في أقرب فرصة ممكنة.
لقد حرصت واشنطن على تعزيز الاستسلام وتغذية ضعف الموقف العربي منذ الوهلة الأولى للنكسة العربية حتى اللحظة، حيث أن مالم يكن يخطر على بال عربي عاش في القرن العشرين، حدث ويحدث الآن في القرن الحادي والعشرين، حيث بدأت الخيانة بالمفاوضات السرية بين العرب و «إسرائيل»، ومرت بـ”كامب ديفيد” ومن ثم «أوسلو» وما بعدها من تطبيع وخيانة.
وتكشف هذه الوثائق التي تضمنها التحقيق، كيف كان اليمن يتلقى الإملاءات من السفارة الأمريكية في أغلب شؤونه حتى الوطنية والقومية والدينية منها، وكيف أًصبح بعد طيّ حقبة حكم السفارات، حرًا يتصدر موقف الدفاع عن القدس، دافعاً ضريبة وقوفه ست سنوات من العدوان والحصار الصهيوأمريكي بغطاء سعودي إماراتي، إلا أنه عصيٌ على الانهزام.