لا بأس بفكرة الإعلام القضائي في إطار الإعلام المتخصص كالإعلام الحربي والإعلام الأمني والاقتصادي وغيره، ولكن ليس بمعنى الدفاع عن القضاء والقضاة بالحق وبالباطل ولا بمعنى تمترس القضاة الفاسدين خلف قدسية العدالة كقيمة تحتاج لمن يُقِيْمُها ويُقَيِّمُها ويُقَوِّمُها باستمرار ليهبها بسلوكه الروح التي تعبِّر عن حقيقة وجودها على الأرض طاهرة مقدسة وبالطبع ليس بمعنى تحقيق حلم أفلاطون بمدينته الفاضلة وإنما لتحقيق العدالة الممكن الناتجة عن بذل ما في الوسع وليس بأن يمتشق البعض قدسيتها ليحولها إلى سيف مُسلط ضد كل من يحاول كشف حقيقة ما يجري في المحاكم والنيابات وباتباع المنهج العلمي في البحث عن الحقيقة، فالقضاء الفعال بكل هيئاته يعتمد في أحكامه وقرارته وعمل كل هيئاته على العلم وكشف الحقيقة ، وكذلك الحال في مكافحته للفساد في كل مؤسسات الدولة معتمدا على الله ومتمسكاً بمبدأ سيادة القانون لأن القانون عهد والوفاء بالعهد واجب ديني وقانوني وأخلاقي ، فالقضاة ليسوا ملائكة وليسوا شياطين وهكذا ينبغي التعامل معهم !؛
لا بأس بالإعلام القضائي إذاً حينما يُبنى على العلم ويتم التعامل معه بأمانة ومسؤولية، لا بأس به حين يُعطي للمواطن الذي يلجأ للقضاء حقه من الاحترام والعدالة وللقاضي الشريف حقه من التقدير والمكانة المحترمة لأن تقدير القاضي الشريف تقديرا للعدالة واحتراما لها، واحترام العدالة من القاضي والمتقاضي احتراما لحق المواطن في حياة حرة كريمة.
والإعلام القضائي له أهمية بالغة حين يدرك مستخدمه أن الإعلام مُشتق من العلمِ والعلمُ مبنيٌ على الحقيقة لا على الخيال، فالخيال لا يتحول إلى علم إلا بالعمل أما حين يُوظف الإعلام للدعاية لمصلحة فلان أوعلان أو لمحاولة إخفاء الحقائق فسيكون ضمن جرائم التضليل التي يُمارسها الإعلام العام والمتخصص في كثيرٍ من مؤسسات الدولة.
لقد أحال بعض مسؤولي الدولة الإعلام بتمويل من المال العام إلى حواجز وجدران عازلة وأدوات للدعاية والتضليل وتمجيد المسؤول والتسبيح بحمده والتهليل باسمه بالحديث المُبالغ عن منجزاته، فما يقوم به أي مسؤول إنما هو واجب مقابل حقوقه ونحن هنا لا نتحدث عن الظروف التي تُحيط بقضية توقف المرتبات ودور العدوان في ذلك فهذه قضية تحتاج لوقفة أخرى، ولكني أتحدث عن واجب المسؤول كموظف وكثير من كبار المسؤولين يتقاضون حوافز ونفقات تشغيلية بعضها تصل إلى أضعاف المرتب!.
ليس من حق المسؤول أن يصنع له إعلاما يُطبل له ويزمِّر بتضخيم منجزاته الوهمية لأن أي مُنجز سيتحدث عن نفسه ، الناس والإعلام الحر هم من سيُقَيِّم عمله وحين يُنتقد ويَرى أن النقد فيه تجنٍ يحق لجناب المسؤول المجني عليه إن وُجِد أن يوضح الحقيقة !، وبالتأكيد ليس هو من يُقرر أين تكمن الحقيقة في حال الاختلاف مع من وجه إليه النقد أو في حال ارتكبت ضده جريمة من جرائم النشر وإنما من واجب القضاء ، ولهذا فإن على القاضي كفرد والقضاء كمؤسسة أن يُدركا أهمية إظهار الحقيقة وحراسة مبدأ سيادة القانون ، لأن القضاء إن مارس التضليل من خلال ما يسمى بالإعلام القضائي فكيف يؤتمن على تحقيق العدالة في أحكامه إن فقد العدالة في ما يقول ويفعل.
ولابد أن يكون لدى من يقوم بوظيفة الإعلام القضائي ومن يوجه سياسته وعي بما يجوز وما لا يجوز نشره من أعمال القضاء والقضاة وإلا كان وضعه أسوأ من كل أنواع الإعلام المتخصص وغير المتخصص لأن القضاء ملاذ كل المختلفين حول كل القضايا ومنها قضايا النشر فإذا أصبح للقضاء إعلاما يُمارس نفس ما يمارسه الإعلام بكل تفرعاته من تضليل وكذب وتزوير للحقائق أو يحاول طمسها فمن أين لفاقد الشيء أن يُعطيه؟ ومؤسسات الإعلام الحكومي عموماً بحاجة للفتة تستوعب احتياجاتها وتمكنها من القيام بواجباتها.
وإنكار وجود الفساد في القضاء ومحاولة إخفاء حقائقه عن طريق الإعلام الموجَّه يُعد من أسوأ مظاهر الفساد، أما القول بأنه توجد مشاكل في القضاء وليس فسادا فهو أمر مستغرب لأن وجود المشاكل والعوائق لا ينفي وجود الفساد بل يؤكد أن تلك المشاكل من تجليات الفساد الذي تجذر في أعماق السلطة القضائية نتيجة ممارسات سلطة الفساد عبر عقود، ولا يمكن بحال من الأحوال التخلص من هذا الفساد والقضاء عليه بدون الاعتراف بوجوده والتعرف على أسبابه وتفاصيله, وهذا إنما يعتمد على العلم والعمل وليس على التضليل والكذب ومقابلة الذباب الالكتروني بالذباب أو البعوض والله المستعان.
خطاك إلى الله تزهر بالعلم
والعلم يكبر بالقلب والعقل
ويمحو المحال.