قد يلجأ البعض – من باب التضليل- لتغيير مسميات الأشياء القبيحة والسيئة التي تنفر منها القيم الدينية والمبادئ الإنسانية والثقافة المجتمعية وغيرها، لإضفاء نوع من التجميل على ذلك القبح ليرضى به الآخرون ويتقبلونه، لكن القبح يبقى قبحاً مهما حاولوا تجميله وتلميعه أو إعطاءه صورة زائفة غير صورته.
وهذا ما لاحظناه لدى من حاول أن يصور التطبيع بصوِّرة غير صورته الحقيقية، ومنحه مسميات زائفة وخادعة كمسمى اتفاقية السلام أو تعاون اقتصادي أو ثقافي وغيره، لتدجين أبناء الأمة والضحك على أصحاب العقول الساذجة والسطحية، لكن سرعان ما افتضح زيف ادعاءاتهم بسقوط الأقنعة، وتكشّفت السوءات عندما شاهد العالم الطائرات الإماراتية وهي تقصف غزة جنباً إلى جنب مع الطائرات الإسرائيلية دون تورّع أو حياء من العالم العربي والإسلامي، كما قصفت قبل ذلك اليمنيين وقتلتهم وشردتهم ودمرت البلاد وقضت على الشجر والحجر، وتسببت في أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر مع غيرها من الطائرات العربية، تحت مسمى التحالف العربي لدعم الشرعية، وما هو إلا تحالف غربي للقضاء على الأمة الإسلامية، وإن كانت السعودية والإمارات هما الواجهة لهذا العدوان البربري الغاشم، إلا أنّ من ورائه اليهود والأمريكيين ويخدمهم بالدرجة الأولى، فكان التطبيع هو نتيجة ذلك التحالف من قِبل صهاينة العرب، وأول المطبعين الإمارات، ومن هي الإمارات إلا الوجه الآخر للسعودية التي قال عنها ترامب: (لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة)، وقد ظهرت مصداقية ذلك من الوهلة الأولى لاحتلال أرض فلسطين عندما تنازل بها جدهم عبدالعزيز آل سعود لليهود بدليل الوثائق المحفوظة في الأرشيف البريطاني، ومساعدتهم في ذلك الاحتلال من خلال بعض المواقف التي وقفها عبدالعزيز، وبيع الأرض من قِبل من لا يملك لمن لا يستحق وليس له الحق فيها، كيف لا وبريطانيا وحلفاؤها هي من ساعدتهم كما ساعدت غيرهم على التربع على تلك المناصب حتى يكونوا عوناً لها على احتلال أراضي المسلمين ونهب ثرواتهم وانتهاك حرماتهم.
فما يحدث اليوم من خدمة لليهود ما هو إلا نتيجة طبيعية لذلك الماضي الأسود، وانبطاح ومسارعة منذ عقود خلت، حتى دجَّنوا أبناء الأمة وأصبح الكثير منهم يشاهد كل ما يحدث لكنه لا يكاد يحرك ساكناً أمام كل ذلك التوحش والإجرام في فلسطين وفي غيرها من البلدان العربية والإسلامية، مما شجَّع المحتل لأن يتمادى أكثر في غيِّه وصلفه وعدوانه.
إنّ أهداف العدو وأطماعه لا تقف عند حد، ولن تقف ما دام هناك من أبناء الأمة من يسكت على جرائمه وتمدّده وأطماعه، وإلا فواجبنا نحن -المسلمين- بشكل عام أن يكون لنا ذلك الموقف الذي حكا عنه القرآن الكريم في مواجهة اليهود والنصارى ومن يسعون في الأرض فساداً، وإلا فإنّ الوضع سيكون أكثر مأساوية وأكثر إيلاماً.
وما الوقوف مع إسرائيل في عدوانها على فلسطين من قِبل تلك الأنظمة إلا ثمرة من ثمار التطبيع مع اليهود وإخوان اليهود، فلا ينتظر أحد منهم إلا ذلك وأشد وأنكى من ذلك، وحتماً ستخبئ لنا الأيام الكثير والكثير ما لم تتحرك الأمة الإسلامية جمعاء مع محور المقاومة في مواجهة هذا العدو اللدود الذي يسعى في الأرض فساداً، فعزة الأمة وكرامتها لمواجهة، وليس في عقد الاتفاقيات معه، أو السكوت عن جرائمه، تحت أيّ مسمى من المسميات.