ماذا بعد رمضان ..؟!

استقامة على فعل الخيرات أم انتكاسة وعودة للمنكرات وترك الصالحات

 

 

نحن على وشك أن نودع شهر الخيرات الذي شهدنا فيه إقبالاً من النفوس على فعل الطاعات والإحسان إلى الآخرين والرغبة في تصفية القلوب، هل سنستمر على هذه الأعمال أم أنه بمجرد انقضاء هذا الشهر تنسى نفوسنا ذلك الجو الإيماني وتنشغل بأمور الحياة وتهدأ الحركة في المساجد وتقل الصفوف ويهجر القرآن الكريم ويعود الفقراء والمساكين إلى العوز والحاجة.

البداية كانت مع الشيخ أحمد متاش خطيب جامع الشايف حيث قال: سينقسم الناس بعد رمضان إلى ثلاثة أقسام كما جاء في سورة فاطر؛ فمنهم ظالم لنفسه -طاعات وخطايا، ومنهم مقتصد -طاعات واجبة وترك المنكرات، ومنهم سابق بالخيرات -فرائض ونوافل وترك المكروهات.
وأضاف الشيخ متاش: فلنكن من الصابرين على الدين، قال تعالى: “رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ” وخاصة الصلوات، قال تعالى: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا” ولنداوم على الصلاة في المساجد وتلاوة القرآن الكريم الذي فيه “وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا”.

أمراً وتحذيراً
وأشار خطيب جامع الشايف: عندما ذكر المنافقين في سورة النساء قال قبلها أمراً وتحذيراً، الأمر “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا …” يعني داوموا على الطاعة، والتحذير “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا”، مضيفاً: إن الصالحين ودعوا صومهم في رمضان بصوم الست ويعبدون رب رمضان وشوال وغيره، “وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” في رمضان وغيره، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: “والصدقة برهان” يداوم عليها وإن قلت، قال الإمام علي عليه السلام: “لا تحتقر القليل فإن الحرمان أشد”، قال العلماء: “أصعب العبادات هو الإخلاص، وأقل ما ينزل من السماء هو التوفيق”، ومن التوفيق أن الطاعة تجلب الطاعة، تقول أختي أختي.

أدومه وإن قل
أما الدكتور عبدالمنان التالي فيقول: كان الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح يكثرون من دعاء الله عز وجل لقبول أعمالهم، قال الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام: “كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل” ألم تسمعوا قول الله تعالى: “إنما يتقبل الله من المتقين”. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “سألت النبي عن هذه الآية “والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة” أنهم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: لا يا ابنة الصديق، ولكن الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات”، كما ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قوله: “عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا” وعن ابن دينار: “الخوف على العمل ألا يتقبل أشد من العمل”.
وأضاف الدكتور التالي: وقد رغب الشارع الحكيم المداومة على الأعمال الصالحة ففي معجم الطبراني الكبير من حديث أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “افعلوا الخير دهركم” وسئل النبي عن أحب الأعمال فقال: “أدومه وإن قل”، وسأل التابعي الجليل علقمة أم المؤمنين عائشة كيف كان عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل كان يخص شيئاً من الأيام، قالت: “لا؛ كان عمله ديمة”.
ويؤكد الدكتور التالي: الأصل أن المسلم يجعل من رمضان قاعدة للمحافظة على الصلاة في باقي الشهور ومنطلقاً لترك المعاصي والذنوب، والمداومة على فعل الخيرات هو دليل على قبولها عند الله عز وجل، يقول أحد السلف الصالح: “إن من علامة قبول العمل أن تتبع الطاعة بالطاعة وأن من علامة عدم القبول أن تتبع الطاعة بالمعصية”.

رمضان بدون زاد
ويدعو الشيخ عبدالغني الشميري إلى: الاستمرار في فعل الخيرات وترك المنكرات وصيام الست من شوال مدللا على كلامه بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر” رواه مسلم، يعني: صيام سنة كاملة.
ويضيف الشميري: رمضان هو من نفحات الله التي تشحن بطارية القلوب للتزود بجرعات إيمانية وغذاء للروح حتى يستطيع العبد السير إلى ربه مثله مثل النفحات الأخرى كصيام الاثنين والخميس وصيام الثلاث البيض وصيام يوم عرفة وغيره، فإذا كان العبد متهاون في فعل الخيرات بعد رمضان فعليه أن يعرف أن خرج من رمضان بدون زاد.

بقية العام عوز وحاجة
يقول الأخ أبو عبدالله اليمني أحد المحتاجين: أنهم يعيشون في رمضان ميسورين ومستورين بفضل الله ثم بفضل صدقات أهل الخير، والتي تأتيهم من كل مكان، حتى أنهم يشعرون بأنهم في رمضان يعيشون أفضل من بعض الأسر الميسورة.
ويضف أبو عبدالله: لكن ما إن ينتهي رمضان حتى يعودوا إلى العوز والحاجة ولا يلتفت إليهم أحد خلال بقية العام إلا من رحم الله.
خير طوال العام
من جهة ثانية يقول الأخ أبو طه أحد التجار: صحيح أن معظم التجار يخرجون زكاتهم وصدقاتهم في رمضان طلباً لمزيد من الأجر والثواب؛ لكنني أحاول تقسيم زكاتي وصدقاتي على الفقراء طوال العام، حتى لا يشعر الفقراء بأن الميسورين لا يهتمون بهم إلا في شهر رمضان.
ويضيف أبو طه: أتمنى من جميع التجار والميسورين إلى أن يهتموا بهذه المسألة، فيكون خيرهم للفقراء والمساكين طوال أيام السنة، حتى يبارك الله في أموالهم وتجاراتهم.

الصيام أم الصالحات
ويوافق الشيخ أبو بكر الحسني الشيخ عبد الغني الشميري في الدعوة إلى الصيام، ويضيف: دعوتنا للصيام في شوال في الحقيقة هي دعوة لمواصلة العبادة والاستمرار على الطاعة وترك المعصية، لأن الصيام أم الصالحات فمن صام يوما اجتهد فيه بعمل الخير لشعور بداخله بأن الصيام المندوب ليس بأولى من الصلاة الواجبة في المسجد أو صلة الرحم أو قول كلمة الحق أو نصرة المظلوم أو من ترك الغيبة والنميمة أو القول السيئ أو النظر الحرام أو المعصية بأي شكل من أشكالها.
ويؤكد الحسني: فبالصيام المتواصل يحب الإنسان الناس من حوله ويريد قربهم منه، فبجوعه يشعر بالفقراء والمعوزين وينظر إليهم بعين الشفقة والرحمة فيقرب منهم وهذا الشعور يصاحبه طوال العام وليس في موسم واحد، صحيح رمضان ولى ولكن الله باق؛ صحيح رمضان فيه الأجر مضاعف ولكننا لا نعلم متى سيغفر لنا وبأي عمل يرضى الله عنا، فلنتعرض لرحماته إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة.

قد يعجبك ايضا