أُشفقُ كثيراً على الإخوة في هيئة الزكاة لأنهم تحملوا المسؤولية في زمن كانت قد اختلت فيه الموازين ومضت عقود والجميع يتآمر على هذه الفريضة، إلى حد أن هناك من اعتبرها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخر، وهو تصور خاطئ جداً، للأسف لعب فيها الإخوان المسلمين دوراً سلبياً خطيراً، وهنا تكمن المشكلة لأن التعامل مع الدين وأحكامه بصورة نفعية وتوظيف مفرداته لخدمة أغراض ذاتية، كل ذلك يقلل من أهمية الدين ويُضعف الارتباط به، وهذا ما حدث بالفعل، فلقد أسهم علماء من الإخوان في الخلط بين مبدأ الزكاة كفريضة واجبة والصدقة كفريضة طوعية يتعبد بها كل إنسان ليكسب رضى الله، وذلك كما جاء في القرآن الكريم، وهذا الخلط لا يزال قائماً حتى الآن، فلقد جاءني أحد التجار يشكو ممارسة الموظفين في هيئة الزكاة، فيقول: أنا دائماً أُسلم للدولة الربع وثلاثة أرباع أنفقها بنفسي، أنفقتها في الماضي لصالح المجاهدين في أفغانستان، وفي الشيشان عرفت أن الشخص من المخدوعين الذين اغتروا بدعايات الإخوان السالبة لمعاني الإيمان، وحاولت إقناعه بأن ذلك هو الخطأ بذاته، لأن الصدقة فريضة طوعية يتعبد بها كل مسلم لينال رضى الخالق سبحانه وتعالى، أما الزكاة فهي فريضة واجبة شأنها شأن الصلاة، لذلك وردت في القرآن الكريم مرافقة للصلاة في كل الآيات القرآنية، ويكفي يا صاحبي أن أقرأ لك آية واحدة من القرآن الكريم لتعرف أن هناك فرقاً كبيراً بين الزكاة والصدقة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية “177” ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) صدق الله العظيم .
كما تلاحظ أن الآية دلت على واجبين: الأول الصدقة بما هي صدقة وفريضة طوعية، والثاني الزكاة التي جاءت مرادفة للصلاة، وهذا هو الخطأ الذي حدث في الماضي نتيجة تصرفات بعض من يدعون الانتماء إلى العلم ويتحدثون باسم الإسلام، ويفسرون معاني الآيات بمضامين انتهازية بحتة هدفها مكشوف يتعلق بالحصول على موارد مالية وإن على حساب ركن من أركان الإسلام، وهذا ما حدث بالفعل في الماضي ولا يزال الكثير من المكلفين يتشبثون بهذا المبدأ باعتباره هو الأساس، فيتم الخلط بين فريضة واجبة إذا لم يؤدها المكلف يعاقب عليها ولا تكتمل صفات الإسلام إلا بأدائها، وبين أخرى طوعية يتقرب بها كل إنسان إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا الأساس يجب أن تفهم يا صاحبي أن ما تنفقه أنت بنفسك هو صدقة، حث الله عليها لكي يستقيم النظام الاجتماعي وتسود نظرية التكافل بين الناس، أما الزكاة فإنها فرض واجب محدد الأداء والمصارف، لا يحق لأحد أن يميل عنه، وربما أن ما وقعنا فيه من مخاطر كان سببه عدم الالتزام بهذه التعليمات الإلهية، أذكر أن المرحوم العلامة الحُجَّة حمود عباس المؤيد رفض استلام مبلغ من الرئيس السابق صالح، وعندما قال الرئيس: أنا أعفيك في مائة ألف ريال لا في خمسين فقط – وكانت المائة ألف آنذاك كبيرة،-اصفر وجه الرجل وصاح ( من أنت حتى تعفيني من هذا المبلغ هذه الزكاة محددة ومصارفها معلومة لا يحق لأحد أن يميل عن النص الإلهي). رحم الله العلامة المؤيد فلقد كان حريصاً كل الحرص على إنفاق الزكاة في المصارف التي حددها الخالق سبحانه وتعالى، وكم من الأسر حُرمت بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وعلى هيئة الزكاة والشيخ شمسان بالذات أن يتنبهوا إلى هذا الجانب .
المهم أن الواجب على علمائنا الأجلاء أن يوضحوا الفرق بين ما هو واجب وما هو طوعي، حتى لا تختلط الأمور وتحدث المشاكسات بين المكلفين بجباية الزكاة والمكلفين بالأداء، وهذا فقط تنبيه أردت إيصاله كي تتجلى الحقيقة أمام المكلفين وأن لا يحدث الخلط وفقاً لما كان يحدث في الماضي، نسأل الله التوفيق، وهو من وراء القصد، إنه على ما يشاء قدير ..