لم يفرض صيام شهر رمضان على درجة واحدة، بل مر فرض صيام شهر رمضان بثلاث مراحل، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: “أحيل الصيام ثلاثة أحوال” (رواه أحمد وأبو داوود وصححه الألباني).
ونفصل المراحل الثلاث على النحو التالي:
المرحلة الأولى: التخيير بين صيام شهر رمضان، أو دفع فدية مقابل كل يوم يفطر فيه يطعم مسكيناً، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]. ويقصد بـ “يطيقونه” في هذه المرحلة: أي يقدر على الصيام ولم يصم.
عن سَلَمَةَ بنِ الأكْوعِ رضي الله عنه قال: “ لَمَّا نَزَلَتْ الآية ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا “ (رواه البخاري)، يقصد بالآية التي بعدها: قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [لبقرة: 185].
المرحلة الثانية: وجوب الصيام على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا غربت الشمس، كان للصائم أن يأكل ويشرب ما لم ينم، فإن نام حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى غروب شمس اليوم التالي، وكان في هذه المرحلة حرج شديد على المسلمين، وما يدلل على ذلك ما جاء في حديث الْبَرَاءِ بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل” سورة البقرة آية 187 “ .
المرحلة الثالثة: وجوب صوم شهر رمضان على الحالة التي نحن عليها الآن، والحديث السابق للبراء بن عازب رضي الله عنه يشير إلى هذه المرحلة، ويقول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]. ويقول أيضاً: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187].
وبقي تحت التّخيير الّذين لا يُطيقون صيامه، أو يُطيقونه مع شدّة وضرر، فعن عبدالله بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنّه لما قرأ قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، قال رضي الله عنه: “ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا “ (رواه البخاري)، ويقصد بـــ “يطيقونه” في هذه المرحلة: أي يشق عليهم.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا