جميل مفرِّح
لم أقل يوماً أنني لست فوضوياً.. أو لم أكن يوماً مهووساً بالفوضوية التي يجب أن يكون عليها العالم في الألفية الثالثة..
فقط:
أخشى أن أكون أكثر فوضويةً مما كنت عليه، فيتهمنى النقاد الملتزمون جداً بارتكاب العبثية والخروج عن المألوف..
أخشى أن تكون معشوقتي الافتراضية في الجوار، وأنا أغزو الفوضى في معقلها وأنتزع منها شجرة نسبها وأغيب..
أخشى أن تلتقط معلمتي في الصف الأول رائحة فوضاي الآن فتتذكر أنه كان عليها أن تعاقبني قبل ثلاثين عاماً..
أخشى أن تنتحب الشعيرات المبيضة في جانبي رأسي أو تعاتبني ثم تضيع كعادتها في متاهة الألوان..
أخشى أن تنتبه موسيقى الشعر إلى أنني تزوجت خلسة من فتاة نثرية يافعة كانت تلعب في فنائنا المشترك..
أخشى أن يدعي المتنبي أنني أسرق موسيقى قصائده وأعيد صياغتها.. ثم أبيعها للمارة بسعر مخفض جداً..
أخشى أن تصاب تجارب الكتاب الأكثر حداثة بالربو والتهابات الصدر، وتنسب كل التجارب الفاشلة إلى فوضاى..
أخشى أن تصحو الفتاة التي أنمتها قبل عقدين تحت ركام مخطوطاتي الأولى، وتكتشف أنني كنت أغيب عنها لأمارس هواية الفوضى..
أخشى أن أتلفت ذات وقفة، فلا أجد حوالي جمهوراً قادراً على قراءة وتلقي الفوضى كما يجب أو على الأقل كما تبدو في مخيلتي..
أخشى أن أضع في ناصية الليل مسماراً وأنشوطة، وأظل أتأرجح عليهما كبندول ساعة قديمة.. في محاولة بائسة جداً لتغيير نظام الوقت..
…..، ثم فقط:
أخشى أن أخشى أكثر من اللازم..
ثم أكتشف بعد زمن طويل أنني أروِّج بطريقة بدائية جداً لابتداعٍ حداثيٍّ جداً من الفوضى.