الصمود والسيادة مقدمة ونتيجة، سبباً ومسبب، شرط ومشروط، لازم وملزوم، قضايا عقلية متولِّدة في متلازمة يصعب تحديد أيها السبب، وأيها المسبب، هل الصمود يولِّد السيادة، أم السيادة هي التي تولِّد الصمود؟، جدلية فلسفية يقتضيها النظر العقلي، وتشغل حيزاً في الفضاء الذهني المجرد في ضوء تصورات أملتها وقائع تاريخية مادية تخضع لمتوالية التاريخ غالباً.
لكن هناك وقائع خرجت في مساراتها الزمنية والغائية والموضوعية عن قضايا العقل، ومتوالية التاريخ لتشكل خرقاً للعادة كما يصفها المؤرخون في مدوناتهم وموسوعاتهم، فهي أمر معج يقف العقل حائراً عن تفسيرها، لأن كينونتها ببساطة مغايرة لمنطقه وخارج نطاق سلطته، هي في منطقة الوجدان، منطقة الإيمان بإله يخلق أسباباً لا يدركها العقل توصل إلى مسببات مشخصة في دنيا الناس تكون حجة عليهم.
في لقاء موسى وسحرة فرعون ما كان العقل يجوز انتصار موسى الذي خرج خائفاً يترقَّب، ولم يتعلَّم أسباب السحر، ولم يتعاط فنونه..
ولإيمان فرعون بقضايا العقل هذه حشر الناس جميعاً من أصقاع مملكته ليشهدوا هزيمة موسى وانتكاسته… لكن كان خلف تدبير فرعون، تدبير رب فرعون وموسى، تدبير الله العظيم القوي، فتشخصت في المدائن واقعة التهمت عصا موسى فيها سحرهم على نحو خارق لعاداتهم وقوانينهم، فما كان منهم إلا التسليم والإيمان برب موسى الذي تجلت عظمته في لحظة فارقة وخارقة.
وإبراهيم اتقى جسده النار في واقعة انعدم فيها الإحراق كأثر للنار خلافاً لقضايا العقل والعادة… وهكذا.
خوارق العادات لها حيز في دنيا الناس وتبدو في كينونيتها منفلتة عن قضايا العقل، والحق إنها ليست كذلك في جميع مصاديقها، بل هي خاضعة لقانون الحق «الانتصار للمظلومين، والدفاع عن حقوق المغلوبين وحرياتهم» يعبِّر عنها بقوله تعالى:(ولَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ).
يحكي العارفون في مروياتهم أن الأمر الخارق للعادة قد يكون معجزة على يد نبي أو كرامة على يد ولي، وذلك فضل الله يختص به من يشاء من عباده المتجردين للحق كقيمة لا منفعة، والباذلين مهجهم في سبيل الله ابتغاء مرضاته.
ست سنوات عجاف، ومن قبلها سنون عجاف لا سمان فيهن ولا سنبلات خضر ولا سنابل يابسات ولا مدافن يوسف ولا كنوز أخناتون.
حمم من كتل نارية تتلظى سعرت في ليل مظلم تلتهم مظاهر الحياة في جغراقية يقيم عليها الفقراء البسطاء المنهكون في صراعات اختلقتها السلطات المتعاقبة لحسابات إقليمية ودولية.
ترسانة العالم العسكرية والمالية بكل ثقلها في حلف يتزعمه طغيان القوة المادية – سلاحاً ومالاً وإعلاماً- ومعارك عسكرية واقتصادية وثقافية لاستئصال شأفة قوم قالوا: ربنا الله ومنهجنا القرآن، واحتلال المناطق الجيوسياسية والاستبداد بقرارها السيادي.
وحشية وهمجبة لا ترعوي لقيمة ولا ترتهن لمبدأ ولا تؤمن بدين ولا تعترف بأخلاق ولا تخضع لقانون.. إنها ثأرات الشر المتراكمة منذ طرد إبليس من حضرة الرب، وفظائع الانتقام من إنسانية الإنسان.. تبدَّت في صورة تذهل من هولها العقول الراسخات.
ذبحت الطفولة بساطور الحقد على محط الكراهية وأحرقت النساء بالنار في مخادعهن وتجمعاتهن على مرأى ومسمع، ودمرت المناطق الحيوية، صناعية وتجارية وزراعية وسياحية، وضرب الحصار جواً وبراً وبحراً في بربرية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، تتحاوز عصور ما قبل التاريخ؛ كل ذلك تفريغ لحمولات من الحقد تسأفلت بها نفوس الخصوم المنحطة.
وحدها كلمات القائد الصادحة في فضاء صنعاء الملتهب من بددت فزع الخائفين وهدَّأت من روع المرتبكين وألهمت قلوب الخاشعين وأبانت الطريق للتائهين وأنارت السبيل للمستوحشين، وكشفت الغطاء عن المتربصين ورسمت المسار للمدافعين، فتدافع لصداها الناس أفواجاً وانتظمت الجهود ببركاتها فأثمرت في ميادين الدفاع عزة وكرامة.
ومن ردة الفعل المتَّزن في لحظة عدَّتها الكلمة وعتادها الكلمة والكلمة فقط، في مواجهة ترسانة يرعب توصيفها انتظام الكلم هنا.
لكنه الإيمان بالله والثقة به التي جاءت متجسدة في كلمات القائد في لحظة غرور قوة العدو، حروف نفخ فيها الكرمة فبعثت نفوساً تواقة للقاء، ومصرَّة على النصر، وقد حصلت أسبابه في بيئة فقيرة معدمة مقفرة زادها العدوان حرقاً ودماراً.
صواريخ ومسيَّرات أنتجتها ورش بدائية، تقف ترسانة العالم العسكرية التكنولوجية وقد استغرقت مليارات الدولارات إنفاقاً على إنتاجها وتسويقها عاجزة أمامها.
سقط طغيان المال وغرور القوة لحلف العدوان، والتهب ليل الرياض كما التهب ليل صنعاء، لكن لا كلمات صادقة لقائد جسور تبدَّد وحشة ليل الرياض كتلك الكلمات التي بدَّدت وحشة ليل صنعاء، وأبدلته نوراً في قلوب المؤمنين ونشوة بالنصر في وجدان مجاميع الشعب الميامين، ليسفر عن فجر الانتهاض المبين في زمان يغاير أزمنة الطغاة المستبدين.
أمر خارق للعادة يعجز العقل عن تفسيره، لكنها كرامة على يدي ولي الله صدَّق الله فأصدقه الله وعده.
فسلام على قائد ألقى كلماته، فإذا هي سواعد وصواريخ ومسيَّرات تلقف ما يجمعون..
وسلام على قائد مؤمن بالله، واثق بنصره، يحدِّثونك عن طواغيت الكون، ويحدِّثك عن الله.
سلام سلام سلام عليك يا سيد الصمود وأيدَّك الله بنصره.