تحركات دبلوماسية لإنهاء انقسام البنك المركزي اليمني بين عدن وصنعاء
بحث التدابير الإنسانية والاقتصادية المعلنة في اتفاق السويد
مما لاشك فيه أن الانقسام الحاصل للمنظومة النقدية والبنكية والمصرفية يمثل خللاً محورياً يؤثر بشكل كبير على الحركة الاقتصادية عموماً وينتج عنه تداعيات اقتصادية وانسانية خطيرة تتصل بحياة كل اليمنيين المعيشية في الشمال والجنوب وفي الشرق والغرب واليمن كله.
وكان الوفد الوطني بالسويد قدم مقترحا بتوحيد إدارتي البنك المركزي بمجلس إدارة واحدة للبنك تدير السياسة النقدية وأن تكون هناك نافذة واحدة لشراء العملة الصعبة، وأكد على أهمية تحييد البنك المركزي والقطاع المصرفي العام والخاص عن الصراع والسماح له بالعمل في أي مكان دون استثناء، وإيقاف طباعة العملة وإعادة تصدير النفط والغاز. وقد ظهرت على السطح هذا الاسبوع تسريبات عن مساع أممية لإنهاء انقسام البنك المركزي اليمني، بين عدن وصنعاء.. إلى التفاصيل:الثورة / أحمد المالكي
كشفت مصادر مطلعة هذا الأسبوع عن تحركات دبلوماسية يجريها المبعوث الأممي إلى اليمن للتوصل إلى إنهاء انقسام البنك المركزي اليمني، بين عدن وصنعاء.
وأفادت المصادر بأن مارتن غريفيث بحث في مسقط مع رئيس وفد حكومة صنعاء الأستاذ محمدعبد السلام الإعلان المشترك وما يصاحبه من تدابير إنسانية واقتصادية.
وقالت إن وفد صنعاء اشترط إلغاء قرار نقل البنك المركزي وضمان إيداع عوائد النفط في بنك صنعاء مقابل صرف مرتبات كافة موظفي الدولة وفقاً لكشوفات عام 2014.
ووفقا للمصادر فإن غريفيث اقترح توحيد إدارة البنك المركزي من الطرفين أو تشكيل لجنة مشتركة من بنكي صنعاء وعدن دون إلغاء قرار نقل البنك.
ويقود المبعوث الأممي جهوداً منذ أكثر من عام، لإقناع الأطراف التوقيع على “الإعلان المشترك”، وهو اتفاق مبدئي يدعو لوقف اطلاق النار وإطلاق مشاورات سلام، إضافة إلى إجراءات اقتصادية وإنسانية عاجلة.
وتشهد اليمن منذ سنوات أسوأ أزمة إنسانية ومجاعة في العالم وفقاً للأمم المتحدة، وتفاقمت مؤخراً الأزمة مع الانهيار المتواصل للريال اليمني والذي تجاوز حاجز 800 ريال مقابل الدولار.
وكان سليم المغلس، عضو الوفد الوطني بمشاورات السلام اليمنية في السويد قال “ان الوفد الوطني قدم مقترحاً بتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة ترأسها شخصية اقتصادية وطنية محايدة تعمل على إدارة الملف الاقتصادي بشكل كامل وتعمل على توحيد الإيرادات وتوريدها إلى البنك المركزي واستئناف صرف المرتبات”.
وأضاف المغلس، “قدمنا أيضا مقترحاً بتوحيد إدارتي البنك المركزي بمجلس إدارة واحدة للبنك تدير السياسة النقدية وأن تكون هناك نافذة واحدة لشراء العملة الصعبة، و أكدنا على أهمية تحييد البنك المركزي والقطاع المصرفي العام والخاص عن الصراع والسماح له بالعمل في أي مكان دون استثناء، وإيقاف طباعة العملة وإعادة تصدير النفط والغاز”.
وأكد قائلاً “نحن مستعدون على تقديم تنازلات كبيرة في هذا الشأن في سبيل إعادة الثقة بين إدارتي البنك المركزي”.
تحديات
ويواجه القطاع المصرفي في اليمن سلسلة من التحديات الناجمة عن الانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد، وتنافس طرفي الصراع على السيطرة المالية. ويمثل انقسام البنك المركزي بين صنعاء وعدن والتنافس على إدارة وتنظيم عمل البنوك اليمنية التجارية والإسلامية أبرز هذه التحديات.
وتتمثل التحديات الأخرى التي تواجه القطاع المصرفي بأزمة السيولة التي تعاني منها منذ فترة طويلة، وتدهور سعر صرف العملة المحلية، وفقدان الإيرادات نتيجة تجميد الأصول، وتوقف خدمة الدين العام، والعقبات التي تحول دون حرية نقل الأموال النقدية السائلة داخل اليمن وخارجه، والتدهور العام في ثقة القطاع الخاص بالقطاع المصرفي الذي حفّز على خروج الدورة المالية من الاقتصاد الرسمي إلى أسواق وشبكات الأموال غير الرسمية.
توحيد البنك
ووفقا للدراسات وخبراء الاقتصاد فإن توحيد البنك المركزي اليمني يعد أولوية قصوى لجميع اللاعبين المحليين والاقليميين، وعلى المجتمع الدولي الضغط على جميع أطراف النزاع لتحقيق ذلك. مع أهمية إعادة تفعيل آليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في اليمن. وكذلك الإفراج عن أرصدة البنوك اليمنية المجمدة في حسابات البنك المركزي عبر إعادة تفعيل وظائف غرفة المقاصة الخاصة بالبنك المركزي ، وتسهيل النقل الآمن للحيازات النقدية من العملات الأجنبية والمحلية داخل اليمن ودوليًا، وكذا تسهيل شروط تمويل الواردات بشكل يسمح للبنوك باستخدام أرصدتها غير النقدية المجمدة لضمان تغطية خطابات الاعتماد اللازمة لاستيراد السلع الأساسية. وإنشاء نظام مقاصة نقدية لمبادلة المدفوعات النقدية بين البنوك وشبكات تبادل الأموال والشركات. واستبدال الأوراق النقدية التالفة المخزنة حاليًا داخل القطاع المصرفي. والاستئناف الجزئي لدفع أعباء الدين المتمثلة بالفوائد المستحقة المتراكمة على أدوات الدين العام المحلية.
وبحلول / سبتمبر 2016، اضطر البنك المركزي إلى وقف دفع مرتبات معظم اليمنيين البالغ عددهم 1.2 مليون شخص، وذلك بسبب افتقاره إلى السيولة اللازمة من العملة المحلية للقيام بمواجهة ذلك. وفي الوقت نفسه، تم استنفاد الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي بالكامل تقريبًا.
نقل البنك
حيث أصدر الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي قرارًا بنقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن. وقد تسبب هذا الأمر بتحديات ومخاطر جديدة ومتداخلة للمصارف التجارية.
وكان هادي قد أعلن عن هذه الخطوة دون تأمين الخبرة المؤسسية والموظفين، ولا أرشيف المعلومات أو الاحتياطيات المالية اللازمة لتمكين البنك المركزي من استئناف مهامه في مقره الجديد. وهو يفتقر إلى القدرة المؤسسية والتقنية للإشراف على العمليات المصرفية المحلية أو تقييم احتياجات السيولة لدى البنوك، إلى جانب أوجه قصور أخرى. وفي غضون ذلك، حافظ البنك المركزي في صنعاء على معظم موظفيه وأرشيف معلوماته، بالإضافة لنفوذه الواسع لدى كبريات المؤسسات المالية في البلاد، والتي تقع مقراتها في العاصمة صنعاء غالبًا. ومع ذلك، لا يملك هذا البنك سوى الحد الأدنى من الاحتياطيات كما أنه غير قادر على إجراء معاملات دولية.
ومنذ / سبتمبر 2016، أصبح هناك بنكان مركزيان في اليمن -في صنعاء وعدن -كلاهما يدعي امتلاك صلاحيات وطنية مع عجزه عن أداء دور بنك مركزي بالكامل. وجود بنكين مركزيين يعملان بشكل مستقل عن بعضهما، وكثيرا ما يكونان في مواجهة بعضهما البعض، فقد خلق هذا الأمر تضارباً في السياسات المالية والنقدية بالبلاد. كما أعاقت الخلافات بين فرعي البنك المركزي المتنافسين الجهود المبذولة لتنفيذ آليات تخفف من أزمة السيولة، بينما وجد القطاع المصرفي اليمني نفسه عالقًا في الوسط.
أزمة سيولة
وأدى عدم استقرار الريال اليمني إلى تفاقم حدة أزمة السيولة في القطاع المصرفي، خسر الريال اليمني، مقارنةً بالدولار، ما يقرب من ثلثي قوته الشرائية منذ مارس/ آذار 2015، حيث كان يتم تداوله عند 215 ريال مقابل الدولار، وواصل الريال اليمني تدهوره متراجعا إلى مستوى قياسي يزيد عن 800 ريال مقابل الدولار في أكتوبر/ 2018، وارتفع إلى ما يقارب الـ 900 ريال مقابل الدولار خلال الفترة الأخيرة من 2020م في المحافظات المحتلة وأدى الانخفاض والتقلبات السريعة في قيمة العملة المحلية إلى سحب اليمنيين لمدخراتهم من البنوك وتحويلها عبر الأسواق غير الرسمية إلى عملات أجنبية، ولا سيما الدولار الأمريكي والريال السعودي، للحفاظ على قيمتها والاستفادة من تنامي القوة الشرائية للعملات الأجنبية.
وقد تسبب انخفاض قيمة الريال في خسارة بعض البنوك التجارية لأصولها من العملات، وخاصة البنوك التي كانت التزاماتها بالعملات الأجنبية تفوق أصولها. وفي غضون ذلك، قامت البنوك التي تتمتع بسيولة نقدية جيدة أو تتوافر لديها أموال نقدية بالمضاربة على أسعار الصرف.
رفض
وقد رفضت حكومة هادي، مبادرة المجلس السياسي الأعلى في يوليو 2019م “تنفيذ تفاهمات الجانب الاقتصادي في مشاورات السويد وفتح حساب خاص في فرع البنك المركزي في محافظة الحديدة تورد إليه ايرادات موانئ المحافظة الثلاثة لصرف رواتب موظفي الدولة في جميع محافظات الجمهورية”.
وأكد المجلس السياسي الأعلى حينها أن المبادرة التي أعلنها “تعبر عن روح ونص اتفاق ستوكهولم في شقه الاقتصادي”. وقال إن “المبادرة تأتي من أجل إزالة كل الادعاءات والمبررات التي تسهم في استمرار معاناة الشعب اليمني بدون حق، وتحييدا للاقتصاد وإقامة للحجة” على الطرف المعرقل.
المجلس حمل في بيان إعلان مبادرته الطرف الأخر (هادي وحكومته) “كامل المسؤولية في حال التهرب والتنصل من التفاهم الذي تم بشأن الورقة الاقتصادية خلال مشاورات السويد وتعبر عنه هذه المبادرة نصاً وروحا، وكل تبعات استمرار فرضه القيود الاقتصادية الجائرة واستخدامه للاقتصاد أداة للحرب والعدوان والتجويع والمساومة”.
كما قال عضو اللجنة الاقتصادية أحمد الشامي في تصريح له إن “المبادرة قُدمت من طرف واحد بعد رفض الطرف الآخر التعاطي الايجابي لحل الملف الاقتصادي وفق ما نص عليه اتفاق السويد”. موضحا أن الطرف الأخر يحصّل إيرادات أخرى بينها النفط ويفترض أن تضاف لإيرادات موانئ الحديدة لتغطية كامل المرتبات تحت اشراف اممي”.
وحالت اشتراطات حكومة هادي دون خروج مشاورات بشأن الملف الاقتصادي في اتفاق السويد، رعاها مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث منتصف مايو 2019م، في العاصمة الأردنية، توافق على آلية تنظيم إيرادات الدولة وتوحيد الإدارة المالية وصرف المرتبات وتحييد الاقتصاد الوطني عن الصراع وعدم اتخاذه سلاحا في الحرب.