أهم عامل لزوال الدول وأنظمتها الحاكمة

 

د. يوسف الحاضري

كما كان محمد بن سلمان هو التهديد الأكبر للمملكة السعودية فإن ترامب هو التهديد ذاته للولايات المتحدة الأمريكية، فالدول تسقط بسبب تصرفات أشخاص ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
كل الدول والأنظمة في العالم وعبر التاريخ تستمد قوتها وبقاءها من قوة الإنسان وكذلك، تستمد ضعفها وهزالتها ثم سقوطها وتلاشيها من ضعف الإنسان ، ويتمثل هذا الإنسان في عنصر الحكم وصاحب القرار سواء كان فردا أو جماعة ، والتاريخ سواء المسرود لنا في القرآن أو المنقول عبر المؤرخين، يبين ذلك ويؤكده كليا ، فجميع الدول التي كان يشير لها القرآن بمسمى (قرية أو قوم أو بمسمى نبيهم أو مسمى منطقتهم ) تم تدميرها بسبب تصرفات النخبة الحاكمة كقوم نوح وقوم صالح وقوم عاد ونظام الفرعنة في مصر وغيرها مما سُرد في القرآن ، وأيضا تلك الدول التي أنشئت قبل أو بعد نزول القرآن كـ”الدولة الأموية والعباسية والعثمانية والأندلسية والاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وغيرها من الدول، وهذه سُنَّة من سنن الله في الخلق، فالقرآن يشير للوضع الذي سيحدث في الأرض حتى نهاية الكون ، فكيف يؤثر النظام الحاكم على زوال الدولة ؟.
“الترف” كصفة لـ “الحاكم” أو لـ ” الحكم” والذي يستند في ترفه إلى ثروات المجتمع مسببا معاناة كبرى لهم، وبالمقابل يكون تحركه الإداري والعملي في حكمه ما يؤدي إلى “الفسق”، وهو ما يؤدي في النهاية إلى “دمار” الحكم والحكام وتلاشيه ، فما هو مفهوم “الفسق” هذا ؟.
يعطي الله مساحة واسعة للبشر ومجالا كبيرا لكي يتعظوا ويتعلموا وينتبهوا ويتدبروا من تجارب من سبقوهم عل وعسى يصلحوا، فيمهل ثم يمهل ثم يمهل على مستوى النظام، وفي النهاية يأتي حاكم يمتلك أسوأ الصفات فتتراكم عليه كل مساوئ وأفكار من سبقه من الحكام لتكون النهاية على يديه ، بمعنى أن هناك دولا أنشئت بتحركات باطلة لكنها امتلكت عوامل القوة والبطش التي جعلت أسسا لبقاء دولهم وحكمهم، غير أن هذه العوامل مؤقتة وهشة ومهما طال الوقت مآلها للتلاشي، فتتلاشى الدولة مادام استمر الحكام على نفس النمط (الترف) وما يأتي بعده كنتيجة حتمية وسُنَّة من سنن الله لا محالة .
النظام الأمريكي الذي تأسس في (1789م) حوالي 231 سنة والنظام السعودي (1902) حوالي (118سنة) هما أسوأ نظامين في العصر الحديث، فالأول هو الأسوأ عالميا والثاني هو الأسوأ في التاريخ الإسلامي ككل، وهما نظامان تأسسا على دماء وقتل وبطش مستخدمين شعارات مضللة وأباطيل كاذبة لا سنن لها ولا شرعية على جميع المستويات (الدينية والإنسانية والمجتمعية) كما أنهما دولتان حديثتان لا علاقة لهما ولا ارتباط بالتاريخ ولا هدف لهما لتأسيس تاريخ يخصهما ، وحكمهما خلال تاريخيهما أسوأ العناصر البشرية على الإطلاق، لذا نجد توافقا واتفاقا في كل الشؤون الحياتية خاصة الإجرامية، وحكامها يتمتعون بالرفه المعيشي ومعظم توجههما الإفسادي المجتمعي عبر (الترفيه) منبثق من نفسيتهم (أمرنا مترفيها) فتوجهت الإدارات الحالية إلى ما يجعل سنة الله المتمثلة في (فدمرناها تدميرا) تحق عليهم وهو (ففسقوا فيها) والفسق كما هو معروف “هو الخروج بشذوذ ومعرفة وعلم عن الحق” أي تقوم بالباطل وأنت تعرف أنه باطل وتصمم عليه وتدعو إليه بل وتفرضه فرضا ، وهذه كلها شواهد تدل على ما يجري حاليا في هذين النظامين خاصة السعودي الذي تحول إلى أداة من أدوات الفجور والإجرام الأمريكية في العالم، وهي تعلم ذلك بل تسعى إلى نشرهما كثقافة وتقديمها كجزء من الدين الإسلامي وجعلها مقياسا للحياة والبقاء..
ترف وفسق النظام السعودي ترافق معه ترف وفسق مجتمعي وانسجام إلى حد كبير بين الحاكم والمحكومين، وهذه من أهم شروط سُنَّة الله في التدمير (فدمرناها تدميرا)، ليأتي بعدها الشرط التالي وهو الضعف السياسي والاقتصادي والعسكري وهذا ما أصبحت عليه هذه المملكة منذ 2015م أي منذ تولي هذا الحاكم سلمان آل سعود الحكم، لأنه سلَّم زمام الحكم لشخص ساذج مترف فاسق مغلف لهذه الصفات بغلاف (الطموح)، فأصبح النظام السياسي لديهم منهارا بمشاكله مع الأسرة الحاكمة وأصبح اقتصاده منهارا بقبوله السهل لحلب ترامب له 4 سنوات حتى في لحظات جفاف الضروع، وأصبحت هيبته العسكرية هشة ومحل سخرية العالم بانكساره أمام الشعب اليمني الذي كان ناصحا لهم وداعيا لهم لكي لا يكونوا مترفين فلا يتمادوا في فسقهم ، فبعد أن حلت أشراط هذه السنة ننتظر متى سيأتي وعد الله الذي نراه قريبا جدا..
أما بالنسبة لأمريكا فهي ليست بدعا من الدول أو استثناء من سُنَّة الله، فحاشا ذلك فهي أهش من السعودية التي هي سبب قوة أمريكا، فالحليب الذي ترضعه من السعودية هو ما يجعلها قوية، وقريبا سيجف الضرع ويتأثر الاقتصاد الأمريكي وهناك بوادر كبيرة تشير إلى ضعف السياسة الأمريكية بعد انتخابات 3نوفمبر2020م وفضح هذا الجانب من قبل رئيسها الحالي تراًمب ولم يبق إلا تهاوي قوتها العسكرية الذي قد يحدث بأيد داخلية (لأن الدمار يأتي من داخل الدول كما هو موضح في سنة الله “ففسقوا فيها” وهم أهلها وقياداتها) وقد تكون ملامح الحرب الأهلية أحد هذه الأسباب التي ستكون مختلفة جُملة وتفصيلا عن حربها الأهلية التاريخية المشهورة التي حدثت في 1861م، فالوضع على المستوى الدولي والداخلي والتكنولوجي ليس كما كان عليه في تلك الفترة وكل الأسلحة التكنولوجية والإعلامية والمنظماتية التي استخدمتها أمريكا لتدمير الشعوب في العقدين الأخيرين سترتد عليها جميعا بأشد قوة وأوسع تأثير وهذه سُنَّة أخرى من سنن الله، وهي سُنَّة مكر الله الذي يرتد من سلاح مكر الباطل نفسه على نفسه (ويمكرون ويمكر الله ) فمكر الله ليس منفصلا عن مكر الباطل بل يهيئه الله ليجعل مكر الباطل يرتد على نفسه، وكم مكر الأمريكان، فهل حانت سُنَّة الله عليها ؟.
سنن الله لا تحدث إلا عند وجود البديل لها وهناك بدائل قد تحدث منها بدائل باطلة ومنها بدائل حق والشر في الأرض يدرك هذه السنن فيهيأ ليتعامل مع البديل ليكون باطلا، كما كان بديل الدولة الباطلة الأموية دولة باطلة عباسية، وكما جاءت دولة آل سعود الباطلة على أنقاض دولة العثمانيين الباطلة… وهكذا ، وما كان هذا ليحدث لولا تفريط أهل الحق في تلك الأزمنة، غير أنه في زماننا يتوفر البديل الحق المتمثل في محور المقاومة المرتبطة بالله حق الارتباط، وقد حان الوقت ليأخذ الحق دورته وفرصته لننظر كيف تعملون فلنكن عند حسن المسؤولية التي ستلقى على عاتق الجميع.. وما ذلك على الله بعزيز.
* كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com

قد يعجبك ايضا