حسن الدبعي
لقد ظهرت أو طرأت على أنماط الحياة الحالية متغيرات عديدة أدت لبروز سلوكيات لم تكن مألوفة ولا معروفة داخل مجتمعنا العربي، وتزامن ذلك مع الهجوم الشرس الذي تتعرض له خصوصيتنا الثقافية من جراء ثقافة وافدة علينا منذ زمن ليس بقصير، مما جعل شبابنا يتأثر بالعادات والتقاليد الغربية.
فعربة ثقافة الأقوى تدوس في طريقها الكثير من الرموز والقيم والعادات والتقاليد التي ظلت راسخة لعقود طويلة، ووسط هذا المناخ الذي ألقى بظلاله الثقيلة على واقعنا، أثرنا توضيح بعض الجوانب التي ساعدت على نمو تلك المتغيرات داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية:
1 – عندما دخل الجنرال الفرنسي “غوروا” دمشق الشهيرة عند قبر صلاح الدين الأيوبي قال مقولته الشهيرة ” الآن انتهت الحروب الصليبية وها قد عدنا يا صلاح الدين!!.. هذا اليوم اعتبره الكثير من المثقفين والمفكرين أولى بشائر التغريب وبداية تأثر العالم بالمتغيرات الدخيلة وذلك منذ الثلث الأول من القرن العشرين.
2 – تعرضت هوية شبابنا لتدخلات متشابكة، فصارت الخصائص الثقافية لهذه الهوية تواجه اختباراً لمدى صلابتها وقدرتها على المقاومة والبقاء بعد أن هبت علينا في الآونة الأخيرة رياح العولمة.. ويبدو أن هوية شبابنا هي الأكثر عرضة للتهديد تحت تأثير الآلة الإعلامية الجبارة التي تسرِّب بذكاء قيماً وسلوكاً ومعتقدات غريبة كما تسعى وبشكل واضح لفرض مفردات الأمركة في المأكل والمشرب والملبس حتى تتحول إلى ظاهرة طبقية سرعان ما تنتقل من فئة إلى أخرى حتى تصل إلى الفئات الأدنى، وبذلك يسود النموذج الأمريكي على قاعدة من التقليد والمحاكاة، لذلك يجب أن تتم مراجعة دورية ورصد مستمر للتداخلات المؤثرة على الهوية الثقافية للأمة العربية لاسيما منها الشباب، إذ أنه لا بد أن يكون من المفهوم أن اعجابنا بالآخر واتجاهنا لمجاراته لا يعني الذوبان فيه وهي مواجهة على مؤسساتنا الثقافية الانتباه إليها.
قال عباس محمود العقاد الكاتب والمفكر المصري المعروف –يوماً- ” إنك إن أردت أن تهدم أمة فابدأ بهدم ثقافتها” مشيراً إلى أن القوة الحقة في أي بقعة من بقاع العالم لا تكمن في جيشها أو أسلحتها بل في العضلات الفكرية لأهلها عندما يتم تحصينهم بالوعي والإيمان والإدراك الحقيقي، وعندما يتخلخل البناء الثقافي ويتفكك التقارب الفكري يبدأ عندها تحلل العزائم ويتقدم الشقاق حاضراً بين القلوب والعقول ليعلن بداية النهاية.
وأمتنا العربية والإسلامية أحوج ما تكون في وقتها العصيب هذا إلى الالتفات لموروثها الفكري واهتماماتها الثقافية لتشرِّع في تأسيسها من جديد ومن ثم العمل على النهوض بها في كافة الميادين، وذلك يحتاج إلى قادة يعون أهمية العلم ومدى قدرته على بناء النفوس، قادة متعلمين مثقفين يقدِّرون الكلمة وتأثيرها ويتناغمون مع الأفق المفتوح للمعرفة ويستطيعون التعاطي مع حركة المجتمع والنهوض بهذه الحركة بما يوازي التطور المتسارع للتنمية بمفهومها الحضاري وبالشكل الذي لا ينفصل عن الإرث العظيم لأمتنا الإسلامية.