ثورة متجددة 

يحتفل الشعب اليمني بأعياد ثورته الخالدة الـ26 من سبتمبر والـ14 من اكتوبر¡ وهو أكثر إيمانا◌ٍ بأهداف الثورة وقيمها الإنسانية واطمئنانا◌ٍ لرسوخها وتجسدها في واقعه الجديد الزاخر بالإنجازات والتحولات الكبرى¡ التي غيرت وجه اليمن في كل مناحي الحياة. وكما كانت هذه الثورة حين اندلاعها وانتصارها على قوى التخلف والتسلط والاستبداد الإمامي والاستعماري¡ متوهجة بعظمة غاياتها ونبل مقاصدها¡ فإن محافظتها على هذا التوهج قد تجسدت في ديمومة إرادة وفعل التغيير والتحديث والتطوير¡ بما يدل على قدرة هذه الثورة على تجديد نفسها واستلهام تطلعات هذا الشعب المكافح وطموحاته في ميادين الرقي والتطور والنهوض¡ وكل الأهداف التي ناضل من أجلها وقدم التضحيات الغالية والنفيسة في سبيل بلوغها على طريق تحقيق مشروعه الحضاري الشامل الذي تتلألأ ملامحه اليوم في سماء الوطن من خلال الإنجاز الوحدوي الذي أنهى عوامل التجزئة والتمزق التي ف◌ْرضت على هذا الوطن¡ وكذلك من خلال النهج الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير¡ ومسارات بناء الإنسان معرفيا◌ٍ وعلميا◌ٍ ومهنيا◌ٍ. ومثل هذه القفزات الهائلة والنوعية ما كان لها أن تتحقق وأن تصبح واقعا◌ٍ معاشا◌ٍ على هذه الأرض التي كانت قبل 48 عاما◌ٍ ترزح تحت وطأة التخلف الرهيب وشتى صنوف الحرمان والجهل والفقر والاستبداد والاستعباد والإذلال¡ الذي طال كل شيء¡ ولم تكن تزدهر فيها سوى تجارة الأكفان ومهنة حفر القبور وصناعة القيود والأغلال والشعوذة والدجل. ولعل هذه المنجزات التي ترقى إلى مستوى المعجزات هي شاهد حي على أن هذه الثورة قد جاءت لتنقذ الشعب اليمني من الهلاك والضياع وجحيم العيش في واقع مأساوي لا يحتمل. وإذا ما وقفنا على سمات هذه الثورة ودلالاتها وتجلياتها وثمارها¡ من مشاريع التنمية والتحديث التي تصب جميعها في مصلحة السواد الأعظم من هذا الشعب على امتداد رقعة الوطن الجغرافية¡ سنجد أن الثورة اليمنية ظلت المحرك الدائم لمجريات الخير والنماء والأمن والأمان وحركة البناء التي تمضي بوتيرة عالية دون توقف أو جمود¡ رغم كل الظروف والتحديات التي واجهت مسيرة هذه الثورة ومحطاتها¡ والمؤامرات والدسائس التي ظلت تحيكها مخلفات الإمامة والاستعمار والماضي التشطيري. وما من شك أن احتفالنا بأعياد الثورة المباركة يشكل فرصة لكل أبناء شعبنا¡ للتوقف عند معاني هذه الثورة واستشراف سفرها الحافل بصور التضحية والفداء والإيثار والتلاحم المصيري والوجودي لليمنيين الذين صنعوا الثورة وانتصروا لأهدافها¡ تجمعهم وحدة الإرادة وواحدية النضال وواحدية المصير. ومن شأن وقفة كهذه أن تضعنا في حقيقة ما يتعرض له اليوم الوطن من حملة محمومة من قبل بعض القوى التي ما زالت تحلم بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء¡ وتعطيل مسيرة الثورة وتوجهاتها في ميادين البناء والإنجاز¡ وهي محاولات- وإن كان محكوم عليها سلفا◌ٍ بالسقوط في مهاوي الخيبة والفشل الذريع¡ كما سقطت كل المراهنات الخائبة في الماضي¡ فإنها تكشف عن أن هناك من لا تزال الأوهام تراودهم للارتداد بهذا الوطن إلى أزمنة وحقب الانحطاط والتخلف والوصاية والجهالة والظلام¡ وأن مثل هؤلاء المرضى والحاقدين والمأزومين وعبدة المال الحرام¡ سيظلون يناصبون اليمن وثورته ووحدته ونهجه الديمقراطي العداء¡ ولن يدخروا جهدا◌ٍ في توجيه معاول الهدم والتخريب نحو منجزاته ومكاسبه¡ وإشعال الفتن والحرائق¡ بغية عرقلة نهضته التنموية¡ وزعزعة أمنه واستقراره¡ وتفكيك نسيجه الوطني المتلاحم وسلمه الاجتماعي. وفي ظل هذه المعطيات فإن الواجب يحتم على كل الشرفاء والمخلصين من أبناء هذا الوطن¡ بمختلف توجهاتهم السياسية والحزبية ومشاربهم الفكرية¡ الاصطفاف في خندق واحد في مجابهة أولئك الواهمين من زبانية كهنوت الإمامة وأزلام الاستعمار¡ الذين يستهدفون حقنا في الحرية والديمقراطية والتطور والبناء والأمن والاستقرار والحياة الكريمة. ومن الواقعية أن يحرص كل منا على استيعاب المضامين التي وردت في خطاب رئيس الجمهورية¡ الذي وجهه يوم أمس لأبناء شعبنا بمناسبة أعياد الثورة اليمنية¡ وما حمله من محددات لطبيعة التحديات التي يمر بها الوطن اليوم¡ والسبل الكفيلة بالتغلب عليها¡ انطلاقا◌ٍ من ترسيخ قيم الحوار¡ ونبذ التعصب والفرقة¡ والمزيد من التلاحم والتكاتف¡ والسمو فوق الصغائر¡ والترفع عن الخلافات الهامشية¡ والتمسك بالثوابت الوطنية¡ والتطلع نحو المستقبل¡ وعدم الانشداد إلى الماضي والانجرار لنزعاته العقيمة¡ مستفيدين من الدروس والعبر التي أفرزتها الأحداث والتحولات على امتداد مسيرة الوطن¡ منذ قيام الثورة وحتى اليوم¡ وم◌ْدركين ومستشعرين أن الوطن يتسع لجميع أبنائه ومسؤولية النهوض به والدفاع عن أمنه واستقراره ومصالحه العليا¡ تقع على عاتق الجميع دون استثناء.

قد يعجبك ايضا