والثورة اليمنية الـ26 من سبتمبر والـ14 من اكتوبر تقترب من عقدها الخامس يبرز السؤال: لماذا كانت هذه الثورة في نظر كل الباحثين والمؤرخين العرب والأجانب من أعظم الثورات التي شهدها القرن العشرون¿.. ولماذا تصدرت هذه الثورة اهتمام العديد من المتابعين الذين يرصدون حركة التغيير التي تشهدها المجتمعات الإنسانية.
هذه التساؤلات ربما لم تخطر على بال أي من الأجيال الجديدة التي ولدت وترعرعت ونمت في كنف هذه الثورة وعطاءاتها وخيرها وتحولاتها وتطوراتها وإشراقاتها¡ لأنهم بالفعل لم يكابدوا بشاعة ذلك التخلف المريع والجهل المطبق والعزلة القاتلة والتسلط المقيت¡ وعوامل الظلم والبؤس التي تجرعها آباؤهم كالسم الزعاف إبان عهود الإمامة الكهنوتية البغيضة والاستعمار الأجنبي المستبد.
والأصعب من كل هذا أن أجيالنا الجديدة سمعت عن الثورة وأهدافها ولكن الكثير منها ما تزال تجهل حتى اليوم الكثير من حقائق هذه الثورة¡ وحجم التغيير الذي أحدثته¡ سواء على صعيد بناء الإنسان أو الحياة عموما وكذا التحول الذي أفرزته والفعل الذي اجترحته.
ووحدهم فقط من قدر لهم أن يعيشوا ذلك الماضي البائس والأسود من يدركون قيمة الثورة وعظمتها ونبل مقاصدها والصنع المذهل الذي رسمته على هذه الأرض.
وحدهم أولئك الذين عاشوا معاناة تلك الحقبة البغيضة من يعلمون علم اليقين أنهم أعادوا اكتشاف أنفسهم¡ بعد أن عزلتهم الإمامة والاستعمار في زاوية مظلمة وركن قصي حتى نسيهم معظم سكان الأرض وإن ذكروا فإنه ذكر العدم حيث وأن ما مرت به اليمن في تلك الحقبة المظلمة زعزع كل شيء في حياة الإنسان إلا إيمانه بالله وتمسكه بدينه وعقيدته الإسلامية وموروثه الحضاري الضارب في أعماق التاريخ.
ووحدهم أولئك الذين شاء قدرهم أن يولدوا في ذلك الزمن البائس من يقدرون الثورة حق قدرها لكونها أنقذتهم وأنقذت وطنهم من تابوت الاحتضار والانتحار كمدا◌ٍ وجوعا◌ٍ وجهالة ومرضا◌ٍ¡ وأنه وبفضل الثورة خرجت اليمن من ظلمات القرون الوسطى إلى رحاب العصر الحديث¡ وذلك هو التفسير الحقيقي الذي جعل هذه الثورة هي الفعل الأكثر تأثيرا◌ٍ في التاريخ اليمني والعربي والإنساني¡ فقد أعادت الأمل لشعب بأكمله في الحياة بعد أن كاد يشارف على الموت والانقراض كليا◌ٍ بل وهيأت لهذا الشعب الفرصة لإعادة اعتباره ومكانته كشعب حضاري رائد بين الشعوب والمجتمعات الإنسانية.
ولأنه يصعب أن نقارن بين زمن الثورة وعهود الكهنوت الإمامي والاستعمار يغدو من الثابت أن الثورة قد استأثرت بكل الإنجازات والتحولات الكبرى التي شكلت فتحا◌ٍ مبينا◌ٍ بلغ أقصاه في إعادة وحدة الوطن ولحمة أبنائه في الثاني والعشرين من مايو 1990م¡ بعد أن ظل ذلك الهدف حلم كل الأجيال اليمنية المتعاقبة.
وإذا كان من حق جيل الشباب على كل من عاصروا مسيرة النضال الوطني من أجل التخلص من ذلك الماضي الكئيب أن يضعوا هذا الجيل في صورة ما كانت عليه الأوضاع في بلادهم¡ وكيف التحمت إرادة هذا الشعب في كل مناطق اليمن¡ شرقه وغربه¡ شماله وجنوبه¡ لصنع ذلك الإنجاز¡ فإن هذه المهمة تصبح مسؤولية وطنية في ظل ارتفاع بعض الأصوات النشاز التي تحاول التشكيك في واحدية النضال والثورة. إذ لابد وأن يعلم جيل الشباب أن هذه الأصوات من بقايا مخلفات الإمامة والاستعمار إنما تعبر عن تفكير منعزل تجاوزه الزمن¡ وأن هذه الأصوات التي تغرد خارج السرب مستغلة فسحة الحياة الديمقراطية وفضاءات حرية الرأي والتعبير ليست أكثر من نتوءات مريضة عشعشت في عقولها بعض الأوهام إلى درجة صارت معها ترى في السراب ماء.
إنø وعي الشباب بمآسي ذلك الماضي المثخن بالويلات والأهوال هو الكفيل بحمايتهم من كل النزعات البائسة التي تسيطر على المخلفات الإمامية والاستعمارية ويتراءى لها أنها من خلال الترويج لتلك النزعات سواء كانت عنصرية أو مناطقية أو شطرية أو انفصالية ستعيد عجلة الزمن إلى الوراء دون إدراك من هذه العناصر الموبوءة بالقبح والأحقاد أن ذلك هو من سابع المستحيلات¡ فالشعب اليمني الذي انتصر لثورته ووحدته ونهجه الديمقراطي في كل المحطات هو اليوم أقوى وأكثر اقتدارا◌ٍ في صيانة وحماية مكاسبه وإنجازاته وثوابته الوطنية¡ ولن يسمح لأي كان العبث بمقدراته ومبادئه أو النيل من مسارات حياته الجديدة.
وعلى من لايريد أن يفهم¡ الاستفادة من شواهد التاريخ المليئة بالكثير من العبر والدروس.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا