عضو الهيئة القيادية لحركة خلاص في الجزيرة العربية الدكتور / حمزة الحسن لـ »الثورة«: ثورة متميزة قطعت حبل الوصاية الأجنبية السعودية بالخصوص وأوقفت مطامعها في الهيمنة والسيطرة على اليمن
مع احتفال الشعب اليمني بالعيد السادس لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة 2014/م التي دكت معاقل الإرهاب والوصاية والارتهان للخارج، واستعادت القرار لصاحبه «الشعب الذي صنع في مثل هذا اليوم قبل ستة أعوام ملحمة وطنية كبرى» ، وأنجز تحولا أزعج العدو ، وأقض مضاجع عواصم المؤامرات والحروب العدوانية ، وبالتزامن مع احتفالات شعبنا ، تعود الكثير من الأحداث التي تعبر بصدق عن عظمة الثورة وعظمة الشعب ، واستثنائية القيادة وحكمتها، التي كانت بحق تاريخاً جديداً من تواريخ المجد وصنع التحولات الكبرى منتزعا حقه في القرار وحقه في الحرية والكرامة، يؤكد عضو الهيئة القيادية لحركة خلاص في الجزيرة العربية الدكتور / حمزة الحسن في حديث بهذه المناسبة لـ «الثورة» ، أن الآمال الكبيرة معقودة على اليمن في إحداث تغيير نوعي في الجزيرة العربية ، مشيرا إلى أن اليمن بمواردها وإمكاناتها أضافت ثقلاً نوعياً لمحور المقاومة ، ويضيف بأن القيادة اليمنية وعلى رأسها السيد عبدالملك الحوثي كفؤة ومدهشة في نضجها السياسي وفي حكمتها وحنكتها.
أعد اللقاء /
عباس السيد
نود أن نعرف من خلالكم «حركة خلاص»، أهدافها وأنشطتها، ما هي خصوصياتها، ومشتركاتها مع حركات وقوى المقاومة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتحية للشعب اليمني العظيم، الذي لا زال صامداً في مواجهة العدوان، منافحاً عن استقلاله وكرامته وعزته.
حركة خلاص، تنظيم سياسي معارض للنظام السعودي، يسعى الى تحفيز روح المقاومة في المجتمع واستنهاضه للدفاع عن حقوقه، وتغيير الوضع السياسي القائم.. وتستند الحركة الى روح الاسلام ومبادئه الرافضة للطغيان والظلم، والدافعة لمواجهتهما، لتحقيق حكم رشيد قائم على العدل والانصاف والمساواة والمواطنة الحقّة.
نشاطات الحركة، كما في كل التنظيمات لها أبعاد متعددة: تربوية وسياسية واعلامية، وغيرها، كل ما يستدعيه التغيير من وسائل مشروعة يمكن استخدامه.
لا يمكن تحريك مجتمع لنيل حقوقه بدون ثقافة مقاومة، وبدون تحويل الأفراد الى مجتمع مقاوم عبر تنظيم نشاطاتهم وتوسعة ميادين قدراتهم ومهاراتهم، كما لا يمكن لأي حركة أو تنظيم سياسي إلا أن يواجه طغيان الآلة الاعلامية السعودية التضليلية وفضحها، عبر ذات الأدوات التي يستخدمها في التضليل.
حركة خلاص ليست بديلاً عن المجتمع، ولا تلغي الحركات والتنظيمات الأخرى، ولا تزعم أنها “الممثل الوحيد” للمجتمع او لشريحة منه، ولا تقبل مزاعم احتكار مواجهة النظام، وتسعى للتعاون مع أي حركة يكون هدفها تغيير الحكم السعودي وازالته.
باختصار، إن حركة خلاص تمثل امتداداً لتجربة طويلة من النضال والجهاد، ولديها مخزون من الخبرة والتجربة، جعلها أكثر رشداً ونضجاً.
في أكثر من مناسبة ، وجه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي رسائل لطمأنة الشعب في نجد والحجاز وعسير ونجران وجيزان ، أكد فيها على الأخوة والتطلعات والمصالح المشتركة .. ماهي دلالات هذه الرسائل ، و كيف يستقبلها أخواننا هناك ؟!
قيادة اليمن، وأخص بالتحديد قيادة أنصار الله، وعلى رأسهم السيد عبدالملك الحوثي، كفؤة ومدهشة في نضجها السياسي والاداري بمختلف جوانبه، منذ اطلالات السيد على الجمهور، منذ 2009م على الأقل، كان واضحاً أن هذه القيادة الشابّة متميّزة في حكمتها ورُشدها وأدائها، وهي مصداق للحديث الشريف: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، ولا يسع المراقب ـ أي مراقب ـ حين يرى الخطاب السياسي والديني اليمني بالقياس الى الخطاب السعودي الغارق في أوحال الغرور والتكبر والانتفاخ الكاذب والجهل الفاضح، إلا ان يدرك الفارق المهول بينهما، وهو فارق انعكس على الأداء في الميدان وفي الإدارة،
بعد الحرب العدوانية السعودية على اليمن، دأب الخطاب السعودي على السخرية من الخطاب اليمني، وكأن آل سعود امتلكوا ناصية المعرفة والعلم، ظنّوا بأن أموالهم تغطي جهلهم وجهالاتهم وظلمهم وتعديهم.
ما كان يأتي في الاعلام اليمني المتميّز، لا يُعبَأ به.
ولكنه حفر عميقاً في الذاكرة السعودية المقربة من النظام.
الرسائل وصلت
خطابات السيّد، التي لم يشأ الاعلام السعودي الالتفات اليها، لم يكن بينها وبين الناس في كل مكان حجاب، فقد وصلت الرسائل الى المواطن المُسعود العادي، من السيد عبدالملك الحوثي ومن القيادات اليمنية الأخرى، وبرغم أنها لم تؤخذ في البداية على محمل الجدّ من كثيرين تم تضليلهم من قبل إعلام النظام، لكن اليوم يدرك الأغلبية الساحقة من المواطنين ان إعلام آل سعود كان كاذباً مضللاً، ليس فقط في ما يتعلق بمجريات الحرب العسكرية وفشل الجيش السعودي والمرتزقة في الميدان، بل في ما كان يُقال عن القيادة اليمنية عامة، وتبيّن للجميع اليوم أن التحليل الاستراتيجي لأنصار الله وللقيادة اليمنية وللسيد عبدالملك الحوثي بشكل أخص، كان دقيقاً، حتى في ما يتعلق بالشأن السعودي الخاص.
توقف الاعلام السعودي عما كان يردده بداية الحرب، مخوّفاً المواطنين، من أن الحرب كانت الحل الوحيد لمنع من اسماهم بالحوثيين من الدخول الى “منازلكم”.
ثبت اليوم، ان الصدق ليس في الطرف السعودي، ولهذا فإن هناك انقلاباً في الموقف يمكن ملاحظته بسهولة تجاه الحرب العدوانية، ولولا القمع لوجدنا الأكثرية الساحقة تطالب بإيقافها، ايقاف الحرب ليس فقط بسبب الهزيمة العسكرية السعودية، بل لأنها حرب عدوانية ومبرراتها كاذبة، وما يُقال سعودياً عن اليمن وقيادته تبيّن أن كله كذب وافتراء.
المُدهش ان الخطاب السعودي البائس انقلب على أصحابه، فاليوم ليست هناك قناعة بأن الحرب ظالمة وفاشلة فحسب، وانه يجب ايقافها، بل ان هناك قناعة بأن اليمن لم يكن معتديا، وانه يمكن التعايش معه كجار، تسبب آل سعود في العدوان عليه وتدميره، اكثر من هذا فإن هناك شعوراً متعاظماً ـ وربما أماني مكتومة ـ بأن الحرب أوقفت تغوّل بن سلمان الذي لا حدود له، اكثر من أي وسيلة أخرى.
كيف يمكن تعزيز التلاحم بين الشعبين في اليمن ونجد والحجاز ؟!
من الصعب على آل سعود أن يروا اليمن مستقلاً عنهم، لقد اعتادوا منذ نصف قرن أن يكون اليمن تابعاً أو حديقة خلفية لهم.
اليمن المستقلّ بنظرهم ـ وهو صحيح ـ سينازعهم قيادة الجزيرة العربية عامة،
اليمن المستقل الذي يعتمد على موارده الخاصة، خطرٌ بالنسبة لآل سعود، هكذا هم يرونه.
لن تتوقف الآلة الدعائية السعودية عن ضرب أسفين بين الشعبين.
في الحقيقة إن آل سعود أسسوا لنزعة استعلائية على كل جيرانهم تقريباً، بل على معظم العرب، وحتى داخل السعودية نفسها يراد تعزيز الانقسامات الداخلية المجتمعية عنصرية ومناطقية ومذهبية وقبلية، وذلك على قاعدة (فرِّق تسد)، وقد وجدنا نزعة عنصرية داخلية ضد الحجازيين يغذيها النظام وإعلامه ومرتزقته من الذباب الالكتروني، تلاقي الشعبين يصطدم برفض من آل سعود،
السياسات الرسمية السعودية لا أرى أنها ستكون في مصلحة هذا التلاقي المفترض بين شعبين جارين.
يُراد ـ سعودياً ـ إشعار المواطنين بالخوف والقلق على الذات من الآخر (البرّاني) وان لا حام له إلا آل سعود.
باختصار، التلاقي بين الشعبين لا يخدم الأجندة الرسمية السعودية، وهذا ليس متعلقاً باليمن فحسب، فأنتم ترون ان الرياض قد فتحت حرباً على شعوب عربية عديدة، وليس فقط على أنظمة سياسية.
أما على المستوى الشعبي فالكل يعلم أن هناك تقارباً بل ارتباطات ووشائج عائلية وقبلية بين الكثير من فئات الشعب في البلدين وبالخصوص في مناطق الجنوب كعسير وجيزان ونجران وغيرها، ومؤخراً نلحظ تنامياً في العلاقات والمواقف بين قوى وأطراف اجتماعية وسياسية في الداخل والخارج مع الشعب اليمني وقواه المختلفة، فالرهان في تعزيز التلاحم بين الشعبين يجب أن يركز على المسارات والفعاليات غير الرسمية ويدعمها وينميها.
كيف تنظر حركة خلاص إلى ثورة 21سبتمبر في اليمن ؟! وإلى أي مدى ساهمت هذه الثورة في تعزيز محور المقاومة بالمنطقة ؟!
هي ثورة متميزة؛ قطعت حبل الوصاية الأجنبية السعودية بالخصوص، وأوقفت مطامع دويلات في المنطقة أرادت إعادة انتاج النظام الفاسد لاستمرار الهيمنة والسيطرة على اليمن ومقدراته.
لم يشهد اليمن خلال ستة عقود فرصة كالفرصة الحالية في النهضة والاعتماد على الذات والاستقلال بالقرار السياسي.
كانت الرياض تعيث في اليمن فساداً، تبقيه تحت السيطرة والحاجة والفساد، وكانت المتحكم فيه واللاعب الأساس وربما الوحيد الذي يهيمن على كل مفاصل الحياة فيه وعلى قواه السياسية التي تحجّ الى الرياض وتستلم شنط الأموال.
لم تقبل الرياض هذا التغيير الثوري الاصلاحي والاستقلالي، لم تره تحولاً داخلياً، قراءتها كانت خاطئة للتحول الاجتماعي السياسي الداخلي في اليمن، فبدلاً من ان تعيد قراءة المشهد وتعدّل من سياساتها، شنّت حربها العدوانية على الشعب اليمني، متصورة أن بإمكان آل سعود إعادة عقارب الزمن للوراء، كل الذرائع التي تزعمها الرياض، من حرب باسم الشرعية، او مكافحة التمدد والنفوذ الايراني، أو تنمية اليمن، أو غيرها، كل ذلك مجرد هراء، كل همّها كان ولا يزال إعادة السيطرة على اليمن الذي يمور في داخله من أجل الفكاك من العبودية السعودية.
محور المقاومة
بعدوانها على اليمن، أضافت الرياض خسارة أخرى الى كثير من خسائرها السابقة، واستمرارها في الحرب العدوانية خسارة اضافية بلا أفق نصر ألبتة، وجد اليمن ضالته في محور المقاومة الذي وقف معه بما يستطيعه من موقف سياسي وإمكانات، ووجد محور المقاومة قوّة اضافية تُضاف إلى قوته، فعززت مكاسبه الإقليمية على حساب السعودية ومحور أمريكا في المنطقة.
اليمن بإمكاناته البشرية، وموقعه الفريد وموارده الطبيعية التي يمكن استثمارها مستقبلاً، أضافت ثقلاً نوعياً لمحور المقاومة، هذا لا شك فيه. والآمال الكبيرة معقودة على اليمن في إحداث تغيير نوعي في كامل منطقة الجزيرة العربية، بل وفي الشرق الأوسط، وبحجم الآمال، هناك مخاوف امريكية سعودية اسرائيلية من أن هذا اليمن “المستضعف” إذا ما حقق نصره على آل سعود في حربهم العدوانية، فإن أي قوة أخرى لا تستطيع إيقاف تمدد نفوذه في المنطقة، في غير صالح الحلف الامريكي، الذي يتسمّى كل يوم باسم جديد.
عشرات الآلاف من المدنيين اليمنيين جلهم نساء وأطفال سقطوا ضحايا العدوان الذي يقوده النظام السعودي ، ومع ذلك ، يحرص الجيش واللجان الشعبية اليمنية على عدم استهداف المدنيين في مدن المملكة ، رغم سهولة ذلك ، كيف تفسرون هذا الموقف ؟!
ثبت للعالم كلّه، بمن فيهم أعداء اليمن، حكومات أو احزاباً أو افراداً بمختلف مشاربهم السياسية.. ثبت لهم أن الرياض عدوانية مجرمة قاتلة لا توفر أي سلاح في إيذاء المدنيين.
وثبت أيضاً حتى للمواطن المُسعوَد نفسه، أن الجيش اليمني واللجان الشعبية لا يتقصّدون المدنيين في قصفهم وضرباتهم العسكرية بالصواريخ أو بالمسيّرات أو غيرها، بل يحرصون على تجنب المناطق المأهولة والسكنية، ويختارون أهدافهم الاستراتيجية والعسكرية بعناية فائقة.
لهذا فإن خسائر المدنيين ضئيلة في الجانب السعودي، وهي خسائر جاءت عرضياً، ولم تكن مقصودة، بل غالبها كان نتيجة الصواريخ السعودية المضادة التي أخطأت التصدي للمسيَّرات وللصورايخ اليمنية، ومع هذا يحاول النظام عبثاً ان يضخّمها في كل بياناته العسكرية، خاصة في الشهور الأخيرة حين يتحدث عن استهداف ما أسماه (الأعيان المدنية).
بالنسبة للسعودية صار معتاداً انها ترتكب مجازر بحق المدنيين اليمنيين بالأسلحة حتى المحرمة دولياً، كلما انهزمت عسكرياً، فوراء كل هزيمة مقتلة في المدنيين اليمنيين.
واضحٌ الآن، أن أخلاقيات الجيش اليمني وقيمه ومبادئه والتزامه بالحدود والتعاليم الدينية الاسلامية قد فرضت سياسة عدم المساس بالمدنيين، وعدم الانسياق للرد بالمثل على آل سعود. واليمن ليس بحاجة الى استهداف المدنيين في جانب العدوان، فهم ضحايا على كل حال، ولا يمثل ضرب المدنيين واستهدافهم على الجانب السعودي ميزة عسكرية، ولا حتى ضغطاً على النظام السعودي، بل سيستثمر ذلك سياسيا واعلامياً.
لقد خسرت الرياض بعدوانها على اليمن عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً وإعلامياً، وأخلاقياً.
في نظركم.. لماذا أعلن النظام السعودي الحرب على اليمن ، و ما الذي حققه النظام بشكل عام ، ومحمد بن سلمان بشكل خاص ، بعد ست سنوات من إعلان الحرب ؟!.
سبب إعلان آل سعود الحرب على اليمن له هدفٌ واضح: إعادة السيطرة السعودية التي اختلّت على اليمن.
لكن هناك هدفاً آخر، لا يتم تسليط الضوء عليه، وهو أن الرياض طالما نظرت إلى اليمن كمنافس إقليمي محتمل، حتى في العهد الملكي/ الإمامي.
والأهم، أن آل سعود، وبحكم تجربة الحروب الست التي خاضها نظام علي عبدالله صالح، بدفع ودعم من الرياض، وربما بمشاركة مباشرة كما في الحرب السادسة 2009م، رأوا أمامهم قوة تكبر يوماً بعد آخر، واقصد قوة أنصار الله، ورغم الضربات التي تلقتها، فإنها ما فتئت تكبر وتكتسح ما هو أمامها.
كان قلقهم من أن هذه القوة الدينية العسكرية ذات الأبعاد القبلية والتي يقف على رأسها قيادة ناضجة واعية لواقعها ولما حولها، وإنْ تُرك لها المجال فسوف تتمدد انتصاراتها في كل منطقة الجزيرة العربية.
هنا رأى آل سعود ان الحرب ربما تستطيع إجهاض هذه القوة قبل أن يزداد تضخمها فتصبح الاطاحة بها أمراً مستحيلاً.
هذا الهدف الأخير تستطيع قراءته بين الأسطر في المقالات والتصريحات الرسمية وشبه الرسمية.
لكن الذي حدث هو أن الحرب أنتجت او عجّلت بتحقيق ما كان يخشاه آل سعود، ولهذا استمرت الحرب على مدى ست سنوات، ولهذا لازال بعض الأمراء يرون ان الحرب في اليمن تمثل صراعاً وجودياً، ولربما يكون آل سعود ـ بحربهم العدوانية ـ قد أطلقوا المارد اليمني من قمقمه استجابة لتحدّي الحرب، بحيث اصبحنا نرى قوة اليمن جيشاً ولجاناً شعبية، في حالة تصاعدية كبيرة، في حين أن الجيش السعودي ومرتزقته، ورغم دعم كل القوى الغربية لهم، في أفول بشكل مستمر.
لم يحقق آل سعود من عدوانهم على اليمن شيئاً البتة، مجرد خسائر في كل المجالات، لكن أهم خسائرهم هي خسارة الشعب اليمني، فحتى أقرب المقربين منهم وحلفائهم التقليديين تحولوا ضدّهم، وبدا ان الجميع يفرّ هارباً من سفينة سعودية غارقة.
ما الذي يمنعهم من إيقاف الحرب بعد ست سنوات من القتل والدمار والإخفاقات واستنزاف الثروات ؟!
ما يمنع آل سعود من ايقاف الحرب ليس الموقف الأمريكي/ البريطاني الذي يصرّ على استمرارها، باعتبار أن ايقاف الحرب، وضمن أي تسوية، يمثل هزيمة أمريكية ـ غربية ـ في المنطقة لصالح أعدائها.
الرياض أكثر حماساً من أمريكا وإسرائيل وبريطانيا لاستمرار الحرب، مثلما هي اكثر حماساً للصراع مع تركيا وايران من أية قوة اقليمية او دولية اخرى.
لماذا هذه الحماسة؟ لماذا الاستمرار في حرب فاشلة بائسة؟
الأسباب عديدة:
لا يستطيع آل سعود تحمّل نتائج ايقاف الحرب.
كيف يتحملون حقيقة انهم هُزموا أمام مَنْ زعموا أنهم لا يفقهون شيئاً ويعيّرونهم بالفقر؟ أمام عصابة بزعمهم؟
كيف يتحملون نتائج الحرب وآثارها الداخلية؟، وأحد أهم أهداف الحرب العدوانية هو التخلص من المشاكل الداخلية بافتعال أزمة او حرب خارجية، ايقاف الحرب يعيد النظر والتساؤل: لماذا اشعلتموها؟ لماذا خربتم الاقتصاد؟ لماذا الانفاق على جيش تبين أنه (جيش كبسة)؟ لماذا يصمت المواطن على الفشل في ميادين الاقتصاد بحجة الحرب؟ أو يقبل بالقمع والسكوت لأن هناك حرباً تستدعي الصمت؟
الرياض تخشى (ايقاف الحرب) وارتداداتها الداخلية، والرياض فوق هذا ربما تخشى من تداعيات الحرب والثارات القادمة من اليمن. فهذه الحرب العدوانية حفرت آثارها عميقاً في الوجدان اليمني، وستبقى آثارها لسنوات أو لعقود قادمة.
وايقاف الحرب بالنسبة للرياض لا يعني خسارة اليمن فحسب، بل خسارة نفوذها كله في الجزيرة العربية، هو يعني تفكك التحالفات مع الإمارات والبحرين، يعني تفكيك قبضتها عن دول الخليج الأخرى، هو ربما يعني نهاية لمجلس التعاون الخليجي، وهو ما يعني (عزلة سعودية) أو (انكفاءً سعودياً) على الذات، وتضرر ما تبقى من نفوذ في العالمين العربي والإسلامي.
ايقاف حرب اليمن ليس أمراً سهلاً على آل سعود، السلام يعني اعتراف “السعودية العظمى” بالهزيمة، هو تفريط بشرعية النظام أو ما تبقى منها.
لهذا فبدائل الرياض عن الهزيمة تنحصر في خيار: تقسيم اليمن، وديمومة الحرب الأهلية فيه؛ فلربما يعطيها ذلك مخرجاً أقلّ كلفة، وهذا ما تعمل عليه الإمارات والسعودية الآن، أي تمهيد الوضع لإعلان دولة الجنوب، لتنطلق الحرب مع الشمال في ما بعد.
لماذا يشعر الصهاينة بالقلق من استقلال وسيادة اليمن؟
أكبر خطر على الكيان الصهيوني هو محور المقاومة، واليمن جزء أساسي فيه..
إسرائيل جزء من محور أمريكي غربي عربي، وبديهي أن العدو لا يريد خيراً حتى للعرب الذين هم ضمن المحور الأمريكي، فكيف باليمن.
هذه الحرب العدوانية القائمة على اليمن، هدفها منع استقلال اليمن وإبقاؤه خاضعاً لامريكا وآل سعود، ومن هنا فإن هزيمة آل سعود في الحرب، هي هزيمة امريكية، وهي هزيمة صهيونية، لأن اليمن المستقل سيكون يمناً قوياً وقادراً ومنتمياً للأمة وداعماً لمواقفها ومتبنياً لقضاياها وأولها قضية تحرير فلسطين وهذا ما يخشاه الصهاينة.
علاقات النظام السعودي بالكيان الإسرائيلي لم تعد سريّة.. ما الذي ينتظره بن سلمان لإعلان التطبيع رسميا ، كما فعلها بن زايد ، وكيف تتوقعون رد الشعب في الحجاز ونجد على ذلك ؟!.
ستطبّع الرياض مع الصهاينة، الآن نرى الجنود الصغار يتقدمون البحرين والامارات وربما لحقتهم السودان وآخرون، هذا يخفف من خسارة آل سعود ـ بنظرهم ـ حين يقدمون على التطبيع الذي جرى له الإعداد منذ سنوات إعلاميا ونفسياً.
لا تحسبوا تطبيع الرياض مع الصهاينة (رغم إيلامه الشديد) شرّاً مطلقاً، بل هو يتضمن خيراً كثيراً.
التطبيع يكشف النفاق السعودي باسم الدين، التطبيع يقلّص نفوذ السعودية الخارجي، ويطعن في مشروعيتها الداخلية، وفي مشروعية احتضانها للأماكن المقدسة.
التطبيع باختصار يُضعف آل سعود، ولن تفيد العلاقة مع الصهاينة في اضافة قوة تعادل الخسائر لآل سعود، سواء على مستوى الإقليم أو على مستوى استمرارية حكم آل سعود لا يمكن الانتصار على الكيان المحتل، ومعك هؤلاء المنافقين من ال سعود وآل نهيان، يجب ان تتمايز المواقف.
هذا الخلط المنافق هو الذي جعل تحرير فلسطين شبه مستحيل، حين يجري عزل القوى المنافقة كالسعودية والامارات، تستطيع بالقلّة القليلة أن تنتصر: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).