الباحث والناشط السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم ل”الثورة”: اليمنيون صنعوا نموذجاً معيارياً قد يغير وجه المنطقة والعالم وثورتهم وصمودهم مدرسة نتعلم منها
قال الباحث والناشط السياسي المعارض للنظام السعودي الدكتور فؤاد إبراهيم «إن الثمن الباهظ الذي يدفعه اليمنيون من أجل صون ثورتهم سوف تكون له آثار بعيدة المدى، سياسية واقتصادية وعسكرية»، وأضاف في لقاء خاص مع “الثورة” إن اليمن المحروم من ثروته وموارده بات من الماضي.. وتطرق الدكتور فؤاد إبراهيم إلى أسباب العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن ووصفه بـ “حرب العالم لمنع خروج المارد اليمني” .. وإليكم التفاصيل:
أعد اللقاء /رئيس التحرير
كيف تقرأون ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر اليوم بعد ستة أعوام..أين أصبح اليمن؟ وهل أحدثت هذه الثورة تغيرا في موقع اليمن السياسي والعسكري ومنحته تأثيرا أوسع في المنطقة ؟
– في الزمن الذي نجحت فيه قوى الثورة المضادة في وأد تطلعات الشعوب الطامحة للحرية والاستقلال، سواء عبر الانقلاب العسكري كما في مصر، أو التدخّل العسكري المباشر كما في البحرين، أو حروب النيابة كما في ليبيا وسوريا، فإن اليمن، وتونس إلى حد ما، نجحتا في إجهاض المخطط الخارجي المحثوث بنية تعطيل مفاعيل الثورة الشعبية ومسيرة الاستقلال والحرية التي انطلقت أول مرة في مارس 2011م وجاءت ثورة الحادي عشر من سبتمبر سنة 2014م لتصحيح وجهة البوصلة والحؤول دون سرقة منجزات الشعب عبر المبادرة الخليجية الملغومة، أو مشاريع التقسيم باسم الثورة..
لا ريب أن ثورة 21 من سبتمبر نجحت في انتزاع خيار اليمنيين من لصوص الخارج وعملائهم في الداخل، وهذا يفسّر إلى حد كبير قرار المحور الأميركي في المنطقة إعلان الحرب على اليمن، لأن ثمة نموذجاً ثورياً بدأ يطل برأسه على المنطقة، وسوف تكون لها تداعيات على مستوى العلاقة بين المجتمع والسلطة، والانتقال الديمقراطي الذي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا ودول المنطقة منعه لأن انتقال عدوى الديمقراطية يعني إسدال الستار على المصالح الغربية في منطقتنا.
إن الثمن الباهظ الذي دفعه اليمنيون من أجل صون ثورتهم، وترسيخ جذورها بالدم سوف تكون له آثار بعيدة المدى، سياسية وعسكرية وثقافية واقتصادية، فاليمن المحروم من ثروته، وموارده البشرية والطبيعية قد بات من الماضي، وأن هناك تاريخاً جديداً يكتبه اليمنيون هذه المرة، مسترشدين بتجارب سابقة سعى الخارج لإفشالها.. يمن اليوم ليس كما الأمس، إذ يشارك القطاع الأكبر من اليمنيين في بناء اليمن المقتدر، الحر، المستقل.. في حقيقة الأمر، إن اليمن مرشّح لأن يصبح نموذجاً للدولة المستقلة والديمقراطية، وهذا من بين تحديات ما بعد القتال التي تقع على عاتق النخبة السياسية اليمنية.
لماذا خاصم آل سعود ثورة الشعب اليمني ووقفوا ضدها منذ اليوم الأول وشنوا العدوان على اليمن وصولا إلى ما نشهده اليوم؟ ما هي الأسباب التي دعتهم إلى تبني هذا الخيار؟
– خصومة آل سعود مع الثورة اليمنية هي ترجمة للانتماء الأيديولوجي، وللتوجّه السياسي. نتذكر ما جرى للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي دفع حياته ثمناً لخيار سياسي تاريخي، حين سعى الى بناء يمن مقتدر ومستقل عن التدخل السعودي، والتحضير لوحدة يمنية تلتئم فيها الحدود، وتؤكّد أن وجود اليمن مصون بوحدته واستقلاله.
نهضة اليمن تمثّل خطراً على آل سعود، لأن العقيدة السياسية السعودية تقوم على إضعاف الدول المحيطة، وكان عبد العزيز يوصي أبناءه “خيركم وشرّكم من اليمن”. وكأنه يقول لهم لا تدعوا اليمن ينهض، أبقوه ضعيفاً، مرتهناً، تابعاً. يعلم آل سعود، وغيرهم أيضاً أن النهوض اليمني يتجاوز حدود اليمن، وينسحب إلى المنطقة برمتها.
حين شعر آل سعود بقرب خروج المارد اليمني من القمقم، تشكّل تحالف دولي لمنع لحظة البزوغ الثوري اليمني. من الخطأ اعتقاد أن ما حصل في 26 مارس 2015م كان عدواناً سعودياً منفرداً، بل هو عدوان دولي تشارك فيه عشرات الدول الغربية والعربية ويحضر الأميركي والبريطاني والألماني والفرنسي والبلجيكي والهولندي والإيطالي وغيرهم بالسلاح والاستخبارات والتدريب والتجهيز والغطاء السياسي، كما يحضر السعودي والاماراتي والمصري والبحريني والأردني والسوداني وغيرهم وصولاً الى الكولومبي بالمقاتلين إلى جانب التنظيمات المأجورة مثل القاعدة وغيرها.
هذه حرب العالم على اليمن النموذج، حرب يتقاسم فيها الضالعون مهمات متنوعة من أجل تحطيم النموذج، وتأجيل لحظة انبلاجه عشرات السنين. أدرك الجميع أنه في اللحظة التي تنتقل الثورة اليمنية من محليتها لتصبح نموذجاً معيارياً تكون المنطقة العربية برمتها أمام استحقاق تاريخي عظيم، أي تغيير وجه الشرق الأوسط والعالم بأسره.
ما الذي يعكسه التسابق الصهيوني السعودي في القلق من الثورة الشعبية في اليمن؟ وما الذي كرسته الأحداث التي شهدتها المنطقة حتى اليوم في هذا السياق وصولا إلى ما نشهده من علاقات خليجية صهيونية؟
– كما كان انتصار حرب تموز 2006م في لبنان هزيمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد عبر اليد الإسرائيلية، فإن انتصار الشعب اليمني أولاً في ثورته في سبتمبر 2014م وتالياً في إفشال مشروع العدوان الدولي عليه منذ مارس 2015م عبر اليد السعودية هو هزيمة لمشروع صفقة القرن.
إن التناغم السعودي الصهيوني في محاربة الثورات الشعبية ليس جديداً، فقد ظهر ذلك واضحاً في مصر “عبد الناصر”، وفي سوريا، والعراق، ولبنان، وفي فلسطين.
إن فشل مشروع العدوان الدولي على اليمن هو فشل لصفقة القرن، حيث أوكلت لابن سلمان ولي العهد السعودي مهمة الضغط على الأردن والسلطة الفلسطينية للقبول بصفقة القرن، والتخلي عن القدس، وعودة اللاجئين. الضغوطات فشلت في تحقيق أهدافها، لأن هناك في هذه الأمة من لايزال يجهر بصوت الغضب والكرامة من أجل فلسطين.. السيول البشرية التي كانت تغمر شوارع صنعاء لم تكن عبثية، بل هي رسالة بالصوت والصورة إلى كل من يهمه الأمر في هذا العالم بأن فلسطين لا تزال حاضرة وسوف تبقى كذلك في ضمائر أبنائها في كل أرجاء العرب والمسلمين..
ولأن الصفقة لم تنجح، لجأ الخونة كما هي عادتهم إلى الباب الخلفي لتمرير مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومع أن النظام السعودي هو من شجع الامارات والبحرين على الدخول في اتفاق العار مع الصهاينة، إلا أنه قرر تأجيل خطوته الخيانية، ببساطة لأنه خاسر ومهزوم في اليمن، ولا يستطيع أن يتحمل عارين في وقت واحد: عار الهزيمة وعار الخيانة.
ما هي رسالتكم للشعب اليمني..في هذه المناسبة؟
– إننا إذ نحيي ثورة الشعب اليمني باستكمال عامها السادس نؤكد على المنجز الاستثنائي في زمن عزّت فيه المنجزات الفارقة في تاريخ الأمم.
إن ثورة سبتمبر المجيدة بقدر ما هي منجز تاريخي للشعب اليمني، فإنها في الوقت نفسه أمانة لضمان مستقبل اليمن، وحياة الأجيال القادمة. لقد دفع اليمنيون الأرواح والمهج والمال والولد من أجل ثورة ملؤها الكرامة والاستقلال والحرية، ومن الخطأ التاريخي التفريط في أي جزء منها.
نحن نتعلم من هذه الثورة، فهي تحوّلت الى مدرسة، تماماً كما هو صمود الشعب اليمني الأسطوري الذي سوف يكون نموذجاً تحتذي به كل الشعوب الطامحة للحرية والاستقلال والكرامة..
وإذا كان لا بد من كلمة، فإن الشعب اليمني أمام مسؤولية تاريخية تتجاوز حدود اليمن، فهو مسؤول عن حريته وحرية الشعوب الأخرى، فالثورة كما الأواني المستطرقة تنتقل من وعاء الى آخر متصل بها.