العدوان الأجنبي المضاد للثورات الشعبية، حقيقة تكررت في التاريخ الإنساني كقانونية اجتماعية شملت مختلف الثورات في العصر الحديث منها الثورة الفرنسية والانجليزية والروسية والإيرانية، وفيما نجحت هذه الاعتداءات المضادة في بريطانيا وأعادت النظام الملكي بشكل دستوري، فقد فشلت هذه الاعتداءات الاجنبية في قهر الثورة الفرنسية والروسية والإيرانية، وهذه التدخلات الأجنبية تأتي لهدفين الأول لمنع خروج هذه الدول من الهيمنة الاستعمارية والهدف الثاني لمنع توسع الثورة وانتقال أفكارها إلى بلدان أخرى وإلهامها للشعوب المجاورة.
أنس القاضي
العدوان الراهن على بلادنا بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م ليس حدثاً غريباً عن منطق التاريخ، بل حدث موضوعي يواجه بمقاومة يمنية شديدة وسوف يُقهر وتنتصر الثورة اليمنية على العدوان الأجنبي.
في هذا البحث سنتناول مسألة العدوان الأجنبي على اليمن مقارنة بتجربة الثورة الفرنسية والروسية والإيرانية.
العدوان الخارجي المضاد للثورة
اصطدمت الثورة الشعبية اليمنية 21 سبتمبر بشكل مباشر بالتدخل الخارجي السعودي، كأعلى شكل للثورة المضادة، وهو تكالب عدواني، يشبه الى حدٍ بعيد تكالب الدول الملكية الأوروبية ضد الثورة الفرنسية التي توجهت نحو الإطاحة بالنظام الاقطاعي الملكي الاقطاعي، والدخول في النظام البرجوازي الجمهوري، وكذلك تكالب الدول الامبريالية الغربية ضد الثورة الروسية (البلشفية) التي أطاحت بالحكومة القيصرية، وتوجهت نحو إقامة دولة اشتراكية وتأميم المُلكيات الرأسمالية في البلد، ففي هاذين النموذجين، باختلاف الاهداف النهائية للثورة، مثلت الثورة في بلد معين تحدياً للواقع القائم إقليميا ودولياً وبشرت بأفكار انسانية في بناء نظام جديد، وهو ما دفع الحكومات الاجنبية الى التدخل ودعم الثورة المضادة، تلافياً لتأثير المد الثوري إلى شعوبها، وخوفاً من فقدانها لمصالحها الاستعمارية في هذه الدولة الموجودة والمُخطط لها حسب الاستراتيجية التوسعية والهيمنية لدول العدوان.
كانت أبرز التحديات لثورة 21 سبتمبر هي التعقيدات الإقليمية والدولية المؤثرة سلباً في تأجيج التناقضات الداخلية، أو في الحياد السلبي والميل للسلطة القديمة، وذلك بسبب الموقع الجيوسياسي المميز لليمن، ومن هذه المميزات موقعها في المنطقة الغنية بالنفط، وطرق التجارة الدولية، الأمر الذي جعل القوى التوسعية والاستعمارية الأجنبية تقف بمواجهة ثورة 21 سبتمبر 2014م، كما وقفت من قبل ضد ثورة 14 أكتوبر المجيدة 1963م، وتتزامن الذكرى السادسة للثورة الشعبية مع مرور 2000 يوم من العدوان الأجنبي على اليمن وثورته الوطنية.
التحدي المتعلق بالبعد الجيوسياسي للمنطقة الذي ألب تحالف العدوان على اليمن في الوقت الراهن، هو تحدٍ كان قد واجه الثورة الشعبية الإيرانية التي اسقطت الشاه، وثبتت يد الشعب الإيراني على ثرواته النفطية واسقطت النظام القديم «حارس» المصالح الإمبريالية في المنطقة. يشير الرئيس اليمني «عبد الفتاح إسماعيل» أحد قيادات ثورة 14أكتوبر المجيدة، إلى هذا التحدي الجيو سياسي الذي يدفع الدول الاستعمارية للعدوان وممانعة قيام أنظمة وطنية مستقلة في هذه المنطقة.
«تنظر الإمبريالية العالمية بقلق على مصالحها، بعد الانتصارات الثورية التي حققتها شعوب بلدان افغانستان واليمن الديمقراطية، واثيوبيا الاشتراكية، وبعد الانتفاضات الصارمة للشعب الإيراني، التي يقترن بها النضال من أجل المطالب الاجتماعية بالنضال في سبيل قيام نظام ديمقراطي، بديلاً لنظام الشاه المهترئ والفاسد، وتحاول الإمبريالية إخفاء نواياها التآمرية والعدوانية ضد الأنظمة والقوى التحررية في المنطقة، وراء حماية طرق وممرات النفط البحرية، مثل مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، ومضيق جبل طارق، بالرغم من ان عدداً من البلدان المستقلة، وفي مقدمتها «اليمن الديمقراطية»، قد أعلنت باستمرار انها تضمن حرية الملاحة الجوية والبحرية في الممرات البحرية، بما لا يتعارض مع السيادة الوطنية، وقضية السلام العالمي».. (مقابلة مع مجلة الكفاح العربي اللبنانية، اعادت نشرها صحيفة 14 أكتوبر 13-11-1987م).
يتحدث عبد الفتاح اسماعيل في مكان آخر عن دوافع العدوان على دولة ثورة 14 أكتوبر، وهي دوافع ماثلة اليوم في سياسة تحالف العدوان على اليمن الذي جاء لضرب ثورة 2 سبتمبر 2014م. يقول فتاح:
« الامبريالية العالمية بعامة وأمريكا بشكل خاص تطمح أن تكون منطقة الجزيرة العربية، والخليج العربي، منطقة تابعة لنفوذها السياسي والاقتصادي وتعمل بكل ما تملك من وسائل التآمر والعدوان للقضاء على القوى التقدمية، والديمقراطية، في المنطقة، وفي مقدمتها الثورة في اليمن الديمقراطية، ويرتبط هدفها الاستراتيجي هذا، بأزمة الطاقة التي تعاني منها، هي وبقية الدول الامبريالية، وما تختزنه هذه المنطقة من احتياطي يصل الى ثلثي الاحتياطي العالمي.» ( عبد الفتاح اسماعيل كتاب فجر الثورة ص 26 )
تقوم ثورة 21 سبتمبر على ذات المبادئ والالتزامات الوطنية التي قامت عليها ثورة 14 اكتوبر اليمنية في مواجهة الاستعمار الغربي البريطاني، وهذا العدوان الأجنبي المستمر منذ 2000 يوم على بلادنا إنما هو شاهد جديد على وطنيتها حيث تصطف في مواجهتها أكثر الدول استعمارية ووحشية في التاريخ الإنساني أمريكا وإسرائيل وأنظمة ملكية رجعية عميلة.
وشعبنا اليمني اثبت خلال سبع سنوات من الثورة بأنه عنيد في الدفاع عن الثورة والوطن، وحاضر لمواجهة التحديات الأجنبية من أجل التحرر والسيادة والوحدة الوطنيتين.
تجربة الثورة الفرنسية
يعتبر الكثير من المؤرخين أن الثورة الفرنسية، هي نموذج الثورات البرجوازية في القرن الثامن عشر، استمرت الثورة الفرنسية عشرة أعوام، فهي أول الثورات التي كسرت سقف العصور الوسطى التي اسدلت الظلام على اوروبا، وكان لها تأثير كبير على بقية الشعوب الأوروبية، التي تمردت بوجه الحكم الاستبدادي المُطلق، وضد الاستغلال الاقتصادي وبدائية طابع الإنتاج السائد في ذلك الوقت. كما تعرضت للعدوان الأجنبي من جاراتها الدول الملكية، لتثبت واحدية القوى المعادية لثورة داخلياً وخارجيا، وعانى خلالها الشعب الفرنسي معاناة شديدة وتعرضت القوى الثورية لتحديات كبيرة، فأصدرت أكثر من 17 ألف حكما أعدام، من غير القتلى في المواجهات العسكرية، وفي صفوف القوى الشعبية ذاتها.
رداً على المطالبة بإسقاط كل صلاحيات الملك وإسقاط النظام الملكي، شعرت الممالك الأوروبية الأخرى بخطر هذا التهديد، وتوصلت الى قناعة الإطاحة بالثورة عسكريا، وليام الثاني ملك بروسيا(ألمانيا)، طالب الجهات الأوروبية باعتبار لويس السادس عشر ملكاً شرعياً للفرنسيين، واحترام حريته الشخصية الكاملة، وألمح بغزو فرنسا إذا رفضت السلطات الثورية ذلك. فيما أعرب الشعب الفرنسي (الجمعية الوطنية) أنه لا يحترم أي قرار أو تصريح من الملوك الأجانب، أو أي علاقة للملك الفرنسي مع ملوك أوروبا الآخرين. لتبدأ المرحلة الثانية من الثورة الفرنسية.
السياسات الخارجية والعدوان الأجنبي في التجربة الفرنسية
كانت السياسة الراديكالية للثورة الفرنسية تقود نحو صدام عسكري مع حلفاء النظام الملكي، خصوصًا النمسا وحلفائها لاسيّما بعد التصريحات الفرنسية حول تصدير الثورة لجميع أنحاء أوروبا. بعض الآراء خارج فرنسا كانت تعارض الحرب من مبدأ أنها ستؤدي لجعل منظرّي الثورة الفرنسية أكثر تطرفًا في آرائهم. أما ليبراليو الأنظمة الملكية الأخرى في أوروبا كانوا يتخوفون مِن أن سحق النظام الجمهوري في فرنسا سيؤدي لتعزيز النظم الملكية في بلدانهم.
بعد وفاة إمبراطور النمسا ليوبولد الثاني، شقيق «ماري أنطوانيت» ملكة فرنسا، في 1 مارس 1792 والذي كان من معارضي الحرب. حضرت الحكومة النمساوية لإعلان الحرب، وهو ما جعل الجمهورية الفرنسية تعلن الحرب كخطوة استباقية، في 20 أبريل 1792، وبعد عدة أسابيع لاحقة انضمت بروسيا كحليفة للنمسا الى هذهِ الحرب؛ فتمكن الجيش الفرنسي من الانتصار على الجيش البروسي، ثم دخلت فرنسا في الحرب مع بلجيكا وهولندا في خريف 1792م، وحرب جديدة مع النمسا واحتلت فرنسا على إثرها معظم أراضي هولندا؛ وهوَ ما دفع بريطانيا الملكية والجمهورية الهولندية الى إعلان الحرب على فرنسا.
بعد إعدام الملك الفرنسي لويس السادس عشر في يناير 1793، انضمت إسبانيا ومعظم دول أوروبا الأخرى للحرب ضد فرنسا، وأخذت القوات الفرنسية تواجه الهزائم على جميع الجبهات تقريباً، وطردوا من الأراضي التي احتلوها حديثًا في ربيع 1793.
وفي ظل مواجهة الثورة الفرنسية، للعدوانات الأجنبية التي تريد إعادة الملكية نشأت حركات تمرد وثورات في جنوب وجنوب غرب فرنسا ضد السلطة الفرنسية دعماً للملكية، كتحدي جديد واجه الثورة، وكانت من ضمن أسباب الجماهير للثورة المضادة الاستياء من التغييرات الجمهورية المفروضة على الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. إلا أن عدم استفادة القوى الأجنبية من هذه التمردات الداخلية، هوَ ما خفف وطأتها.
وبحلول خريف 1793م تمكن النظام الجمهوري من هزيمة معظم الثورات المضادة الداخلية، وأوقف زحف الحلفاء إلى فرنسا. وفي صيف 1794 حين تمكنت القوات الفرنسية من تحقيق انتصارات على جيش الحلفاء، وفي بداية 1795م تم احتلال هولندا، وطردت عائلة أوراني الملكية، واستبدلت بالجمهورية الباتافية؛ ودخلت بروسيا واسبانيا في اتفاقيات سلام مع فرنسا. أما النمسا وبريطانيا رفضتا الاعتراف بالجمهورية أو قبول السلام معها واستمرتا في حالة حرب معلنة ومناوشات عسكرية.
الحكم بالإرهاب عبر تشكيل لجنة السلامة العامة في إطار حكم ماكسمليان روبسير، وتيار اليعاقبة( نادي الاشتراكيين الطوباوييين الذين كانوا يتجمعون في الكنيسة اليعقوبية)، انطلق حكم الإرهاب الجمهوري في فرنسا؛ وأعدم ما لا يقل 16,594 شخصاً باستخدام المقصلة.
التجربة السوفياتية والعدوان الأجنبي
على عكس الثورتين الفرنسية، والانجليزية، اللتين جاءتَا في مرحلة الانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية، ومن الأشكال الملكية إلى الاشكال الجمهورية، فإن الثورة الروسية، جاءت في القرن العشرين، مع نضوج الرأسمالية في روسيا، وانتصار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية على علاقات الإنتاج الاقطاعية، مما جعل البلاشفة (لشيوعيون) في هذه الثورة يطرحون مسألة الانتقال الى بناء الاشتراكية، وتجاوز تأسيس حكومة برجوازية ديمقراطية اولاً، كما حملت الثورة الروسية، مهمة الانتقال من النظام الملكي القيصري الى النظام الجمهوري، على غرار الثورة الفرنسية، وهكذا طُرحت امام البلاشفة في الثورة الروسية القيام بمهام مزدوجة، والانتقال من القيصرية إلى الاشتراكية. إلا أنها تواجهت التحديات التي واجهت الثورات البرجوازية في زمن الاقطاع وهي مسألة القوى المضادة للثورة الداخلية منها والإقليمية والدولية.
تمت الثورة الروسية في العام 1917م على مرحلتين، المرحلة الأولى تم بها اسقاط الحكومة القيصرية وقيام حكومة ديمقراطية برجوازية مؤقتة، والثورة الثانية جاءت ضد الحكومة البرجوازية المؤقتة، وإقامة النظام الاشتراكي، ومعالجة القضايا الاقتصادية التي عجزت الحكومة البرجوازية عن معالجتها، والانسحاب من الحرب العالمية التي دخلتها روسيا القيصرية، وهذه المرحلة الثانية شهدت ثورة مضادة أكثر ضراوة وشهدت حرب أهلية شرسة، وعدواناً أجنبياً إمبريالياً دعماً للحكومة البرجوازية «الشرعية».
تمت الانتفاضة المسلحة البلشفية ضد الحكومة البرجوازية في 10 أكتوبر، ومن 23 أكتوبر، حتى 25 أكتوبر، سيطر البلاشفة الشيوعيون على العاصمة وكل مرافق الحكومة، وعلى القصر القيصري. وفي ليلة 26/25 أكتوبر، شكل البلاشفة حكومة ثورية مؤقتة، أعلنت خروج روسيا من الحرب العالمية ورغبتها في توقيع اتفاقية منفردة مع ألمانيا.
أصدرت حكومة الثورة الشيوعية مراسيم، تشرع استيلاء الفلاحين على الأراضي، وتوزيعها فيما بينهم، وشرعت السيطرة على المصانع، وحلت البرلمان البرجوازي، وقامت بتأميم جميع البنوك والمصارف الروسية. ومصادرة ارصدة الكنيسة، والتبرؤ من الديون والخارجية الهائلة التي كانت ستضع روسيا في قبضة الدول الغربية، كما تم إقرار عمل يوم من ثمان ساعات، ورفع الأجور عما كانت عليه سابقاً. وفي 20 ديسمبر أسس قائد الثورة الاشتراكية فلادمير لينين لجانا استثنائية لمكافحة الثورة المضادة. وتم القبض على قيادات المعارضة المنشفية. إلا أن كل هذه الإجراءات الثورية، لم تعن انتصار الثورة البلشفية ولا نهاية المعركة.
فبعد سيطرة البلاشفة على العاصمة وإسقاط الحكومة البرجوازية، تكتلت كل القوى التي فقدت مصالحها، في الريف والمدينة والأحزاب التي فقدت مقاعدها بعد حل البرلمان، وقامت بثورة مضادة في مواجهة البلاشفة لتبدأ الحرب الاهلية. فأتحد الملاك العقاريون والاقطاعون والبرجوازيون الكبار، مع البرجوازية الصغيرة(المناشفة، والاشتراكين الثوريين) والبرجوازية الاحتكارية «الكاديت». واستعانوا بالدول الامبريالية. الإنجليزية والفرنسية التي تدخلت عسكريا، والإمبريالية الأمريكية التي دعمت العملية.
شكل الشيوعيون فصائل الجيش الأحمر، عززوا تسليح الشعب، وحرضوه على خوض الحرب ضد الجيش البرجوازي الأبيض وضد العدوان الامبريالي، فاستمرت الحرب الاهلية ثلاث سنوات حتى عام 1922، في حروب كر وفر، في ظل أوضاع معيشية قاسية، وانتصر البلاشفة في نهاية المطاف.
احتفظت قوى العدوان الأجنبي، الإمبريالية الفرنسية والانجليزية والأمريكية. بموقفها الداعم للحكومة البرجوازية التي تم الإطاحة بها، وكل قوى الثورة المضادة ودعمتها، وكانت تسعى الدول الامبريالية، على الهيمنة على موارد روسيا، بالتشبيك مع البرجوازية الروسية الحاكمة، والتفوق عليها احتكاريا وإدخالها في النظام المالي الأوروبي. والى أخذ الديون الكبيرة من الحكومة الروسية. وسرقة احتياطي الذهب الروسي. وكان أشد ما تخشاه هذه الدول الرأسمالية المتطورة هو نجاح قيام أول دولة اشتراكية، في العالم، وتأثيرات هذه الدولة على الحركة العمالية في بلدانها.
كانت أهم العوامل التي أدت الى انتصار البلاشفة، هي الخبرة العسكرية للعمال والفلاحين التي راكموها منذ ثورة 1905 ، وكان دفاع العمال والفلاحين عن الوطن، دفاعاً عن سُلطة وعن أراضي ومصانع أصبحت فعلا ملكاً جماعياً لهم، وكانت الدعاية البلشفية بأن الامبريالية تريد إعادة الاقطاعيين والرأسماليين والإمبراطورية القيصرية، أي كل الشرور التي تخلص منها الشَعب.
تجربة الثورة الإيرانية والعدوان الأجنبي
تنقسم الثورة الايرانية إلى مرحلتين: المرحلة الأولى دامت تقريبا من منتصف 1977 إلى منتصف 1979م، وشهدت تحالفاً ما بين الليبراليين واليساريين والمكونات الدينية لإسقاط الشاه. المرحلة الثانية، «الثورة الخمينية». أتت أولى مظاهر المعارضة من الطبقة الوسطى في المدن، المطالبين بالملكية الدستورية، فيما كان اليساريون يطرحون الجمهورية الديمقراطية، وكذلك الجبهة الوطنية التابعة لمصدق. كان القمع الشديد من قبل جهاز الامن السياسي والجيش للمظاهرات الطلابية، يزيد من اشتعالها، ويجذب شرائح اكبر من المجتمع للانخراط في الثورة. وواجهت تحديات الثورة المضادة الداخلية والخارجية، وكان أبرزها الغزو العراقي، فقد كان نظام الشاه يُمثل الحارس الأول لمصالح الإمبريالية الأمريكية وحلف الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط.
المواقف الدولية المضادة للثورة
لم تُثر الثورة الإيرانية حفيظة الأمريكيين في البداية، حيث ضم النظام الثوري عناصر من الإيرانيين من حاملي الجنسية الأمريكية مثل «إبراهيم اليزدي» الذي أصبح نائباً لرئيس الوزراء ثم استقال بعد أزمة الرهائن، إلى جانب «أمير انتظام» الذي أصبح وزيراً للدولة في حكومة الثورة والناطق الرسمي باسمها وتم محاكمته بتهمة الخيانة فيما بعد، وكذلك «مصطفى جمران» حمل الجنسية الأمريكية الذي تولى وزارة الدفاع الذي ظل مخلصاً للنظام وسقط في عملية تحرير سوسنجرد ، ومع تلمس حقيقة العداء في الخطابات لأمريكا كما سماها «الشيطان الأكبر» أصبحت الثورة الإيرانية تحدياً أمريكياً جديداً بعد خروجها من مأزق فيتنام.
ضمن الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط، كان نظام الشاه حامي مصالحها الأول، وكانت شركات النفط الأمريكية البريطانية هي الخاسر الأكبر من هذه الثورة الإيرانية ، وقد عملت أمريكا على خلع مصدق الذي سن قانون التأميم وبعد مجيء الإمام الخميني يأست من استعادة شركاتها النفطية. كما كان لدى نظام الشاه طاقم كبير من المستشارين الأمريكيين، الذين يكسبون المليارات إضافة الى تسيير إيران كما يريد البيت الأبيض، فلم يكن يختلف وضع ايران عن وضع ممالك الخليج في الوقت الراهن من التبعية للإمبريالية الأمريكية.
تخوفت الممالك الخليجية، من مسألة استطاعة جماهير شعبية دون انقلاب عسكري من الوصول الى السلطة، وتحويل الممالك إلى جمهوريات إسلامية، في ظل نهوض إسلامي في المنطقة وحراك شيعي ثوري بعد الانتكاسة القومية، وكان أشد ما زاد من رعب ممالك الخليج هي المظاهرات التي حدثت في المناطق الشرقية السعودية وفي البحرين التي تؤيد الثورة الإسلامية، وكذلك احتلال «جهيمان العتيبي» للكعبة وادعاء انه المهدي المنتظر في 20 نوفمبر 1979.
فيما كان النظام المصري، متخوفاً، من مصير الأنظمة الموالية لأمريكا في المنطقة، بعد أن شاهد إيران الملكية تسقط، وكانت مصر السادات في اوج سياسات التقارب مع أمريكا وإسرائيل، كما تخوف من الحراك الإسلامي في بلده، الذي تعدى التصنيف السني الشيعي، ، وحين استقبلت مصر الشاه الهارب، خرجت الجماهير المصرية وعدداً كبيراً منهم من الاسلاميين يرفعون صور الخميني، الزعيم الجديد المعادي للإمبريالية والصهيونية، والذي حول السفارة الإسرائيلية الى سفارة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
الحرب العراقية الإيرانية
بعد احتلال السفارة الأمريكية من قبل الطلاب الإيرانيين المتظاهرين، حاولت الولايات المتحدة الامريكية، استعادتها من خلال إرسال طائرة هيلكوبتر محملة بالسلاح، في عملية غزو واضحة، قوت من الخطاب الخميني المناهض للإمبريالية، وفي يوليو 1980م، اجتمع مستشار الأمن القومي الأمريكي «زبيغنيو برزينسكي» ، بـ«الحسين بن طلال» ملك الأردن في عمّان، لمناقشة خطط مفصلة يرعى من خلالها الرئيس العراقي صدام حسين تقديم انقلاب في إيران ضد الخميني. وكان سيتم هذا التدخل باعتباره تلبية لدعوة من الضباط الإيرانيين الموالين الذين يخططون لانقلاب أو انتفاضة.
تسربت عن طريق عملاء سوفيات الى الخميني خطة الانقلاب، فاستبقت سلطة الثورة، بتطويق منازل مئات الضباط المتورطين، مما جعل صدام حسين يبدأ الحرب بدون معونة الضباط وقد استمرت لمدة ثمان سنوات في مرحلة كان فيها الجيش الإيراني مدمراً، ساند فيها الاسطول الأمريكي القوات العراقية. وكان التدخل العسكري العراقي الورقة الأخيرة للثورة المضادة، وفي النهاية انتصرت الثورة الاسلامية الايرانية.