البيئة البحرية.. وحركة الأطماع الاستعمارية
عبدالرحمن مراد
تُعرف البيئة البحرية بأنها حركة الموجودات والأحياء التي تعيش في البحار، وحماية البيئة البحرية تعني في المقابل حماية وحفظ النظم البيئية في المحيطات والبحار , وفي خضم حركة التطور التي تشهدها المجتمعات وحركة التطور التقني أصبحت الدول تركز اليوم على الحد من الأضرار التي يسببها الإنسان للنظم البيئية البحرية , وفي الكثير من البلدان المتقدمة يحاولون استعادة النظم البيئية التالفة ويعملون على تكثيف الجهود في الحفاظ على الأنواع البحرية المعرضة للأخطار .
وقد كان الانسان يدرك أهمية البيئة البرية أو البحرية ويعرف قوانين تلك البيئة ولذلك لا تجد صياداً في اليمن أو رجلاً يتعامل مع البيئة البحرية إلا وهو يدرك بعض أسرار ونواميس تلك البيئة وقد ابتكر قواعد وأساليب في التعامل معها ظل يتوارثها ويضيف إليها كلما اكتشف شيئاً جديداً .
للبحر قوانينه ولبيئته قوانينها، والكون كله يسير وفق نظم وقوانين ظل الإنسان يكتشف أسرارها عبر تاريخه الطويل وما يزال في زمننا يجهل الكثير لكنه في المقابل امتلك نواصي الكثير من الأسرار وأصبح يتدخل في خلقها وصناعتها من حيث القدرة على استعادة بعض النظم البيئية التالفة , ومن حيث الحفاظ على الأنواع البحرية التي تتعرض للأخطار من الصيد الجائر أو من الأدوات المبتكرة للصيد التي تسبب أضرارا جسيمة للبيئة البحرية وللنظام البيئي .
يُجمع العلماء المختصون أن الشعاب المرجانية هي مركز لكميات هائلة وكبيرة من التنوع البيولوجي وتشكل محورا رئيسا في بقاء النظام البيئي بأكمله ذلك أنها تزود مختلف الحيوانات البحرية بالغذاء والحماية والمأوى ومثل ذلك من العوامل المهمة في بقاء الكثير من الأنواع البحرية على قيد الحياة , وفي السياق نفسه فالشعاب المرجانية عامل مهم في حياة الإنسان ومصدر من مصادر غذائه وهي أيضاً من البيئات الجاذبة للسياحة البحرية في الكثير من البلدان وتعتبر ثروة وطنية تسهم في الناتج لقومي للبلدان.
نحن في اليمن ظل تأثير الإنسان على البيئة البحرية وعلى الشعاب المرجانية محدوداً ومحدوداً جداً، فالصيد يتم بالطرق التقليدية وثقافة الحفاظ على البيئة والنظم التقليدية في التعامل مع البحر ما تزال تحكم مسار الحياة البحرية , فالتطور التقني لم يلوث تصورات الإنسان الذي يتعامل مع البحر كما أن حركة الاستثمار في البيئة البحرية ما تزال بكراً وإن وُجِدَتْ فما تزال في طور التكوين، ولذلك ظلت البيئة البحرية على امتدادها الجغرافي بيئة خالية من التأثير السلبي على الشعاب المرجانية فلم يتأثر النظام البيئي البحري ولم يصل إلى حالة التدهور التي تشهدها البيئات الأخرى في بقية البلدان، ظل هذا الأمر إلى ما قبل 2011م بقليل من الزمن حين كنا نسمع وتتداول وسائل الإعلام عن قيام بعض السفن الأجنبية بالتنسيق مع نافذين في السلطة يومذاك بالصيد الجائر بطرق صيد مدمرة كانوا يستخدمون المتفجرات، هذا فضلا عن التلوث من المصادر البرية مقابل مال لبعض النافذين، وقد تداولت وسائل الإعلام مثل ذلك في وقته وظل الأمر متصل الحلقات إلى يومنا حيث تغيب الدولة في البيئة البحرية ويتقاسم النفوذ فيها المستعمر الجديد / القديم، ولذلك منع الصياد اليمني بكل وسائل القوة البحرية والبرية وبالطيران من ممارسة مهنته وتناثرت أشلاء الصيادين أو احتجزوا في الضفة المقابلة في حين كانت سفن الصيد الجائر تجوب البحر والمياه الاقليمية اليمنية وتعيث فيها فساداً، كما أن حركة التلوث للمياه اليمنية لم تتوقف، فكل النفايات نتيجة لظروف الحرب والصراع تجد في المياه الاقليمية اليمنية موئلاً.
ولعلنا قد ندرك معنى أن يصم العالم أذنه أمام نداء صنعاء من خطر الخزان النفطي العائم في الصليف فهو لا يفكر إلا بتعطيل القدرات وتدمير ما يمكنه أن يشكل مصدرا ولو ضئيلا من مصادر القوة قد يبقيك في حالة عدم احتياج له ولتدخله في تحديد مساراتك , لذلك فمستوى العلاقة التي يضعها كمعيار هي علاقة الاحتياج والوجود، احتياجك إليه مما يشكل له حركة نفعية اقتصادية، ووجودك من خلاله مما يمكنه من فرض ثنائية الخضوع والهيمنة , وهذا المعيار قديم / جديد، فالمستعمر الذي غادر بعد حركات نضالية تحررية منتصف القرن العشرين لم يغادر أوطاننا كما كنا نظن بل مكر بنا وظل يتحكم في القرار العربي الذي لم يكن مستقلاً وحراً عبر الزمن الذي أعقب قيام حكومات وطنية قُطرية بدليل أن تأثير العرب في السياسة الدولية ظل حلماً وما يزال بعكس بقية الأمم كالهند مثلاً .
وحتى تقترب الصورة وتتمكن عقولنا من اليقين بها أو حتى تتمكن من وضع فرضية احتمال حدوثها أذكركم بما حدث في الصومال من جرف للتربة الخصبة ونقلها إلى أمريكا ومثل ذلك الحدث متداول إعلامياً وهو يشبه ما حدث في سقطرى من جرف للأشجار النادرة وللتربة حالة التماثل قد تضع فرضيات في عقولنا تجبرنا على التفاعل معها وتتبع أثرها حتى نصل إلى اليقين دون تضليل وزيف .
وفي السياق تمكين السفن ذات الهوية المعروفة وغير ذات الهوية المعروفة من الصيد الجائر عن طريق الديناميت مما يتسبب في تدهور النظام البيئي للشعاب المرجانية وبالتالي إلى انخفاض الشعاب المرجانية التي تشكل عاملاً مهماً من عوامل نشاط واستمرار النظام البيئي البحري , ومن هنا فخزان النفط صافر لا يعني المستعمر الذي يتحكم بالقرار الدولي، فهو يريد تدمير البيئة البرية والبيئة البحرية للإنسان الأمر الذي يجعله لا يخرج عن دائرة الخضوع والهيمنة، الخضوع للمستعمر وهيمنته على مصادر اقتصاده وغذائه ومن خلالهما يستطيع التحكم في المسارات وفي تمرير مصالحه تحت ضغط الحاجة والاحتياج .
نحن نعيش اليوم في مستويات حضارية متقدمة لكنها متوحشة ومتوحشة جداً، فالنظام الرأسمالي لا يعترف إلا بالرفاه أو بالقدرات المادية، أما الجانب الروحي والأخلاقي فلا قيمة نقدية لهما وبالتالي لا أهمية لهما في نظره .