سعيد شجاع الدين
تراثنا اليمني هو موروث إنساني ومسؤولية المحافظة عليه هي مسؤولية إنسانية (عالمية). ذلك أن أي معلم أثري في أي مكان هو معبر عن وجود الإنسان، وتأتي بعد ذلك مسألة البعد الوطني والقومي في ملكية التراث والحفاظ عليه..
وقد خطا العالم خطواتٍ متقدمة في مسار حماية التراث العالمي من الزوال والاندثار، بعد أن ضاع الكثير من التراث في القرون الماضية، وما زال العالم يشهد تدمير وضياع الكثير من تراثه في مناطق متعددة من العالم، وذلك نتيجة الجهل اللامبالاة وقلة التقدير، بالإضافة إلى عدد من الأسباب التي تأتي في المقدمة أهمها : الكوارث الطبيعية، الحروب ، الفقر الشديد، التصنيع والتلوث. في بلادنا فإن العدوان العسكري بقيادة السعودية ألحق أضرارا بالغة بـ 12 معلما أثريا بينها 4 مدن تاريخية.
من أجل ذلك استشعارا للمسؤولية العالمية تجاه التراث تحركت الأمم المتحدة عبر المنظمة المتخصصة اليونسكو للعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية التراث العالمي، وقد بدأت اليونسكو نشاطها في خمسينات القرن الماضي، حيث حشدت الدعم الدولي لإنقاذ مواقع تراثية هامة في مصر في أعقاب قرار إنشاء السد العالي استجابة لنداء الاستغاثة من حكومتي مصر والسودان، فأطلقت اليونسكو حملة دولية لإنقاذ معابد أبو سمبل عام 1959م، واستطاعت حشد الدعم الدولي اللازم الذي مكنها من النجاح في انقاد آثار مصر، وهو نجاح دفعها للمضي نحو إعداد مشروع لاتفاقية دولية لحماية التراث الثقافي، توسع المشروع لاحقا ليضم التراث الطبيعي استجابة لمقترح بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة منها الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا كان إلى جانب الولايات المتحدة الاتحاد الدولي لصون الطبيعة المعروف لاحقا بـ ( اتحاد الصيانة العالمي) وهو منظمة غير حكومية، دعا المقترح لربط حفظ صيانة المواقع الطبيعية والثقافية في أداة قانونية واحدة، وقُدّم المقترح لمؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية الذي انعقد في السويد في سبتمبر سنة 1972، وكُلفت اليونسكو بمهمة وضع اتفاقية لصيانة وحفظ التراث العالمي بشقيه ـ لأن اليونسكو الوكالة الوحيدة المتخصصة في جهاز الأمم المتحدة التي تملك تفويضا واسعا يغطي التربية والعلم والثقافة ـ ولم تمض سوى شهور وفي العام نفسه وتحديدا في 16 نوفمبر 1972 تم تبنّي الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث العالمي ( الثقافي والطبيعي)، من قِبل الدورة السابعة عشرة للمؤتمر العام لليونسكو في مقر اليونسكو في باريس.
إذن التراث العالمي الإنساني الهدف من إنشاء اليونسكو. على المستوى المحلي فإن الموروث التراثي اليمني حظي برعاية واهتمام رسمي وشعبي، وان كانت هنالك بعض جوانب القصور، نتيجة جهل البعض بأهمية التراث أو نتيجة أسباب أخرى أدت إلى تعرض الموروث التراثي للأضرار التي أدت إلى فقدان جزء من التراث، أما الاهتمام الرسمي فيظهر من خلال انضمام اليمن إلى الاتفاقية الدولية للتراث، إذ انضم اليمن إلى اليونسكو في 2 أبريل 1962، ليصل عدد الدول التي تبنت الاتفاقية 189 دولة. وحتى العام 2017 بلغ عدد مواقع التراث العالمي على مستوى العالم 832 موقعا ثقافيا، و 206 مواقع طبيعية، 35 موقعا مختلطا، تقع في 167 دولة. وعملا بالمادة 27 من اتفاقية التراث العالمي، التي تعلن أن ” … تعمل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، بكل الوسائل المناسبة، خاصة بمناهج التربية والإعلام، على تعزيز احترام و تعلق شعوبها بالتراث الثقافي والطبيعي … “، يُعدّ كل موقع من مواقع التراث العالمي ملكا للدولة التي يقع ضمن حدودها، ويحصل على الاهتمام من المجتمع الدولي للتأكد من الحفاظ عليه للأجيال القادمة، وفي سبيل ترجمة الاتفاقية الدولية للتراث، عملت الحكومة اليمنية على إنشاء الكيانات الرسمية مثل الهيئة العامة للأثار و المتاحف الجهة الرسمية المعنية بشؤون التراث عامة والهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية. وفي ظروف كهذه الظروف التي تمر بها بلادنا منذ تعرضها لعدوان خارجي يستهدف كل مقومات الحياة، وسيول جارفة ناتجة عن أمطار غزيرة، تعرضت ولا تزال العديد من المعالم الأثرية تتعرض للضرر. من بين هذه المعالم مدن تاريخية أدرجتها منظمة اليونسكو في قائمة التراث الثقافي العالمي منها مدينتان هما صنعاء وصعدة القديمتين تعدان الأكثر تضررا بشهادة اليونسكو، التي أصدرت بيانا تدين من خلاله ممارسات التدمير الذي تتعرض له المدينتان. وفي العام 2000م أُدرجت حاضرة زبيد التاريخية في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، بسبب لتهديدات المتعلقة بالتنمية. كما أن الخطر يتهدد جزيرة سقطرى المسجلة في قائمة التراث الطبيعي، وتعيش الجزيرة في وضع مأساوي يُسهم في اتساع عملية التدمير المنظم والممنهج للتراث البيئي والثقافي في الجزيرة بعد دخول القوات المعتدية السعودية والإماراتية التي عملت على اقتلاع الآلاف من الأشجار النادرة ونقلها إلى خارج الجزيرة، والقضاء على الكائنات الحية النادرة، مثل السلاحف البحرية التي يمتد عمرها لأكثر من ألف عام..
من المعالم الأثرية الأخرى المتضررة على مستوى اليمن، نذكر منها: مسجد عبد الرزاق الصنعاني في صنعاء ـ دار الحسن في دمث ـ متحف عدن ـ قلعة القاهرةـ مسجد الإمام الهادي ـ قصر غمدان ـ مدينة براقش ـ مدينة صرواح ـ قرية فج عطان الأثرية . كما أن الأمطار الغزيرة زادت الوضع سوءا. ففي صنعاء القديمة تهدمت العديد من المنازل الأثرية بسبب المطر، و بسبب غارات طيران العدوان السعودي على المدينة لتكون الحصيلة 43 منزلا اثريا مدمرا، وهو ما دفع اليونسكو لإدانة الاعتداء، و دعت إلى تحمّل المسؤولية بالعمل على حماية هذه المواقع وتقديم العون للسكان المتضررين.
والجدير بالملاحظة أن اليونسكو تصنف المدن اليمنية في قائمة التراث الثقافي، حيث أن معظم الأثار اليمنية تقريبا هي من نوع التراث الثقافي، إذ يندر وجود التراث الطبيعي- جزيرة سقطرة- الذي يُعرّف في اتفاقية التراث العالمي بأنه المعالم الطبيعية، التشكيلات الجيولوجية، والفيزوغرافية والمواقع الطبيعية.
الجهد متواصل، على مستوى الداخل اليمني والخارج، لحماية التراث العالمي في اليمن، وقد يكون بالإمكان الاستفادة من توجهات الحكومة ممثلة بـ وزارة التربية والتعليم للعمل على تحديث مناهج التعليم الأساسي والثانوي ليحظى الموروث الثقافي والطبيعي باهتمام يرقى إلى مستوى الأهمية التي يمثلها بالنسبة لليمن أرضا وإنسانا، لتكون مادة التراث مادة مستقلة أو تدرج ضمن المواد الدراسية بواسطة خطة مدروسة، خاصة في ظل التعاطف والدعم الدوليين، وحاجة المجتمع إلى تعريفه بما يمتلك من تراث إنساني هو جزء من هويته..