رحلة إلى مدينة الظفير التاريخية

خلال زيارتنا إلى مدينة الظفير، تعرفنا على مدينة الظفير التي تحتوي على معالم تاريخية أشهرها قلعة الظفير التي يوجد بها أضرحة جامع الظفير التاريخي وبجواره قباب وأضرحة أئمة وعلماء منهم الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الذي يعد من أشهر أئمة الفقه الإسلامي وهو مؤلف الأزهار والغطمطم الزخار الذي يعد مرجعية فقهية للمذاهب الفقهية الإسلامية على اختلاف تنوعاتها.

الثورة / عادل شلي

بدأت الرحلة في التاسعة صباحا وكان دليل الرحلة مدير فرع مكتب الهيئة العامة للآثار الأستاذ يحيى النهاري، الذي التقينا به في منتصف الطريق ومفترق طرق مديرية مبين سوق الربه، حيث زحام سوق القات وتسابق المفاودين على الطريق وترك الساحة المخصصة للسوق.
وفي نهاية الساحة والمنعطف الأول باتجاه رحلتنا توقفنا لمشاهدة البساط الأخضر المطرز بالذرة والدخن والحبوب الذي اكتست به الربه
دونما كانت الخضرة هي غاية المنى والمطلوب للقلوب والاحداق، اكتحلت عيوننا واستنشقت صدورنا وتزودت أرواحنا بطاقة السير، وتوجهنا إلى مدينة العلم والعلماء والمجد والآباء حيث تجد تحت كل حجر حكاية وبجدار كل بيت رواية تحكي سطورها تاريخأً عريقاً ومجداً تليداً ومنارات ساطعة يقتبس من نورها طلاب العلم والهداية ما يبدد عنهم ظلمات الجهل.
وصلنا إلى ساحة واسعة تغطيها شجرة معمرة فهرع الشباب يصرخون “شجرة الظفير المعمرة، شجرة الظفير المعمرة” وأمام شجرة الظفير المعمرة حدثنا المؤرخ يحيى محمد جحاف أن من كتبوا وأرخوا لسيرة الإمام شرف الدين ذكروا أنه تمت مبايعته تحت هذه الشجرة، فدعونا المتواجدين في الساحة للاقتراب إلى تحت الشجرة لنأخذ صورة جماعية للذكرى.
ونجدد البيعة والعهد لأسلافنا العظام بحماية إرثهم وتوثيقه وإخراجه للناس.
فقال الأستاذ يحيى جحاف معلقا على اجتماع المتواجدين تحت الشجرة:” لقد جاءوا ليبايعوك على الحفاظ على الآثار والمعالم التاريخية وابتسم الجميع للطرفة، وعلقت انا: “بل جئنا جميعا لنجدد العهد في مدينة الظفير لأسلافنا وتحت شجرتها المعمرة على توثيق تراثهم وحماية آثارهم، ونبايعك مؤرخنا القدير فأنت أهم من كتب عن معالم وأعلام هذه المحافظة”.
استلم قيادة الفريق الأستاذ عادل الخاشب الذي توجه بنا نزولا باتجاه جامع المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ، بعد أن طال انتظارنا للرسول الذي ذهب لإحضار مفتاح قبة أبو طير ولم يعد.
فمررنا في الطريق بجوار جامع خاص بالنساء، قادنا الدليل إلى داخل الجامع فوجدناه مغلقا فالتقطنا صورة لبركة الجامع.
قبل أن نتجه لهدفنا قادنا الدليل إلى ساحة بجوارها ما تبقى من بعض المباني والتي اخبرنا أنها كانت معسكرا فيما مضى وإنها ملك آل نصار الذين لديهم أملاك زراعية واسعة في غرب الظفير شاهدنا من جنوب الساحة ما تبقى من الأسوار التي كانت تحيط بالظفير إحاطة الأجفان بالعين وقد استوقفني التحصين الشديد والمحكم للمدينة وما أخبرنا به الأهالي من استحالة الدخول للمدينة إلا من أبوابها المحددة، وشاهدنا ما تبقى من عقود السور الذي يقع أسفل الجامع والقباب التابعة لجامع الإمام المهدي.
جاء أحد أبناء الظفير يحمل ثلاجة بداخلها شاي وكؤوس زجاجية وصب الشاي وأخرج بعض الشباب قطع بسكويت فارتشفنا الشاي وغمسنا البسكويت واتجهنا للجامع، قبل الدخول للجامع وضح لنا الدليل بعض الملحقات ومما استثار انتباهي هو البركة الخاصة بالجامع والتي قصت في الصخر بطريقة معينة أخبرنا الدليل أن حجار دار الإمام شرف الدين تم قطعها من هذا المكان الذي تحول إلى حفرة واسعة في الأرض تم استغلاله كبرك لخزن الماء وأشار لنا إلى ما تبقى من الدار.
دخلنا من الباب الخارجي للجامع عبر باب بنيت عقوده بعناية فائقة وتقع على جنباته الحمامات القديمة التي كانت تستخدم للوضوء والمتصلة بالبركة وشاهدنا الحمامات المخصصة للاغتسال وسواترها، والقبة التي تعلوها والنجمة الثمانية التي تزينها.
– دخلنا إلى مبنى الجامع الذي تبلغ مساحته 10×15 متراً تقريبااً وتفاجئنا بأنه قد تم طمس كل معالمه التاريخية والأثرية وتجديده بالكامل، ورغم ذلك لازالت روحانية الجامع قوية ويشعر بها كل من يصل إليه.
– انتقلنا إلى القباب المجاورة للضريح من جهة الشمال والتي تعبق منها رائحة المجد والهدى والحب.
إحداها مخصصة للإمام يحيى شرف الدين كتب على أعلى بابها بيتاً شعرياً يتضمن اسمه ولقبه وهناك من حاول طمس بعض ألفاظه.
دخلنا القبة وطفنا حول الضريح والتابوت المنحوت عليه اسم الإمام وآيات قرآنية وزمان دعوته وتمت زخرفة القبة بزخارف نباتية ونقش في أعلاها وتم توزيع فتحات الضوء بطريقة هندسية بديعة بهتت ألوان الطلاء الذي يزين القبة لطول العهد وعدم الاهتمام بها منذ وقت طويل.
وانتقلنا إلى القبة الثانية التي يقع فيها ضريح الإمام أحمد بن يحيى المرتضى إمام العلم والهدى وضريحه وتابوته الفاخر يتوسط القبة ونحتت على التابوت أسماؤه وصفاته وتاريخ وفاته وفي القبة روحانية عجيبة ومكان مخصص للصلاة ونقشت القبة بذات الزخرفة البديعة الموجودة في القبة الخاصة بالإمام شرف الدين.
وانتقلنا للقبة الثالثة فوجدنا ضريحاً وتابوتاً لا يحظى بالاهتمام والرعاية التي لمسناها في ضريح إمام العلم وإمام السلطة وسألنا دليلنا فأخبرنا أنها لأحد أبناء الإمام المطهر المقبور بكوكبان ورغم إهمال الضريح وأحجار القبة إلا أن الزخرفة البديعة التي زين بها سقف القبة ليس لها نظير.
– مررنا بجوار قبور العلماء الأفذاذ التي تقع بجوار باب قبة الإمام شرف الدين وبجوار أضرحة القائمين على الجامع وهي 4 قبور أحدها لعبدالوهاب الشماحي والآخر للخاشب والآخر للعسي والآخر لمحمد الكحلاني آخر العلماء الذين وهبوا أنفسهم للعلم والتدريس في جامع إمام العلم والهدى أحمد بن يحيى المرتضى.
ومررنا بجوار قبور طلبة العلم والمدرسة العلمية وصومعة الجامع المهدمة والتي اخبرنا الأهالي أنها كانت من أكبر المآذن لم أعلق على حديثهم عن المأذنة المهدمة ولكن ما أثار انتباهي هو كثرة القباب في مدينة الظفير ومديرية مبين عموما والتوازن بين الرموز الذكورية والدينية مما ينتج مجتمعاً متكاملاً وقوياً.
طريقة ترتيب القباب يمثل رمزية السلطة والمجد ، والعلم والهدى ، والأبناء رمز العاطفة والرحمة والحب.
وترتيب أضرحة وقبور العلماء والقائمين على المسجد وطلبة العلم يرمز للمراتبية التي يسير عليها المسجد وإدارته وتنظيم أموره ورسالته العلمية.
– أشار الدليل إلى جامع وقبة السيدة الدهماء بنت أحمد التي تقع أسفل جامع المهدي وقبابه وجود أكثر من مسجد للنساء في مدينة الظفير يظهر حضور المرأة فيها وتوازن المجتمع.
مررنا عند مغادرتنا صعودا وخرجنا من الباب الغربي للجامع وصعدنا الدرج التي توصلنا بالطريق إلى المدينة وقبل أن نغادر أجواء جامع الإمام أحمد بن يحيى المرتضى التفتنا إليه وشاهدنا قبابه والتقطنا بعض الصور وخشينا أن يحدث للقباب نفس ما حدث للجامع ويتم إصلاح الصدوع التي أصبحت واضحة في بدن القباب من الأعلى بطريقة تؤدي إلى طمسها كما حدث للجامع.
ولهذا اتفقنا على توجيه نداء عاجل للهيئة العامة للآثار لإصلاح وترميم قباب جامع المهدي بمنطقة الظفير.
– توجهنا إلى الأعلى فشاهدنا بركة كبيرة مهملة وتحتاج إلى إصلاح وترميم.
وأشار الدليل إلى منزل ناصر شيبان صاحب المصحف الشهير الذي نذر أن يكتبه في مدة محددة وإذا لم ينجزه في تلك المدة فإمرأته التي كان يحبها بجنون طالق والقصة تحمل رمزية توضح المكانة الرفيعة التي وصلت إليها الفنون والعلوم في قلوب أبناء الظفير وأن حب العلم والكتابة والخط أصبحت في قلوبهم بذات المكانة التي يحظى بها المحبوب.
– صعدنا بجوار البركة العليا التي تعتبر آية فنية بديعة ووجدناها شبه ممتلئة ويعلوها دار شامخ يظهر جمال العمران بالظفير مررنا بجوار منزل يحيى محمد الكحلاني ومنزل والده الذي يعتبر تحفة فنية بديعة والمقدمة الخارجية التي بناها الأستاذ أحمد قبل عقود ولا تختلف في نمطها عن دار والده، ما يوضح حالة التراكم والانسجام والتكامل بين الأجيال في مدينة الظفير.
شاهدنا الصالة والبيوت التي استهدفها العدوان وتخص أبناء محمد علي الكحلاني وآل الخاشب، فأدركنا حجم الحقد الذي يكنه العدوان لأبناء الظفير والقائمين على جامعه ومدرسته العلمية.
– الدور التاريخية البديعة التي لا تعد ولا تحصى بمدينة الظفير توضح الدرجة العالية التي وصل إليها الفن العمراني في مدينة الظفير والذي يتميز عن غيره بسمات خاصة تختلف عن النمط العمراني الذي وجدناه في مدينة مبين وتمنيت أن يكون الدكتور يحيى لطف العبالي معنا في هذه الرحلة ليبصَّرنا بسمات النمط المعماري لدور الظفير وبركها وأسوارها ومساجدها وقبابها.
ونحن نغادر مدينة الظفير مررنا بجوار شجرتها المعمرة وتذكرت القصة التي اخبرنا بها المؤرخ يحيى جحاف قائد رحلتنا والرمزية العجيبة التي تجسدها القصة التي ترمز إلى ثنائية الدعوة السماوية والخصوبة الأرضية واللتين تشكلان مداميك بنيان السلطة الراسخة والقوية والتي تعيد تجسيد رمزية الدعوة النبوية في مراحلها الأولى.
– شاهدنا الأبواب الجنوبية والغربية لمدينة الظفير والأسوار والبرك والسدود والمواقع الحربية، ونحن نغادرها ظل السؤال يرن في رؤوس جميع رفاق الرحلة حتى سائقنا الودود نزار جحاف ابن المناضل يحيى بن صالح جحاف الذي سألني أكثر من مرة.. لماذا لم يتم اعتماد مدينة الظفير كمدينة تاريخية؟.
وأنا بدوري ارفع السؤال إلى الإخوة في قيادة هيئة المدن التاريخية :
– لماذا لم يتم اعتماد مدينة الظفير كمدينة تاريخية إلى حد الآن..
رغم أنها تملك كافة مقومات المدن التاريخية…؟
– ولهذا أوجه الدعوة باسم قيادة المحافظة ممثلة في ابنها البار اللواء هلال عبده الصوفي، محافظ المحافظة – حفظه الله ورعاه – لقيادة الهيئة العامة للمدن الأثرية لزيارة مدينة الظفير والإطلاع على كافة المقومات التي تزخر بها المدينة.
– وادعو كافة الإعلاميين والناشطين بمواقع التواصل لمطالبة الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية ومنظمة اليونسكو لاعتماد مدينة الظفير كإحدى المدن التاريخية.

قد يعجبك ايضا