كربلاء .. بين الأمس واليوم أسباب تكرار المأساة
صلاح محمد الشامي
• حين قال الإمام علي -عليه السلام – : ” والله إني لأخشى أن يُدالَ هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم ” ، لخَّص أسباب هيمنة البغي وأصحابه على الحق وأصحابه عبر التاريخ .. وهنا يشرح السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي قائد الثورة “نصره الله” هذا الموقف، في محاضرته التي ألقاها بمناسبة ذكرى عاشوراء، في عام 2017م ، بقوله : ” أتظنون أن انتصار الدولة الأموية، وتمكنها لتقهر الآخرين، ثم تمكنها لأن تصنع أمة أخرى غير الأمة التي أراد محمد – صلوات الله عليه وعلى آله وسلم – أن يبنيها من ذلك الزمان إلى الآن؟. إنه فقط قوتهم، بل تخاذل من هم يحملون اسم جند الحق، قلة إيمانهم، ضعف إيمانهم، ضعف وعيهم..
عامل أساسي وسبب أساسي في هيمنة بني أمية وسيطرتهم على الأمة، وتغييرهم وانحرافهم بمسار الدين الإسلامي، وصناعتهم لواقع جديد وأمة جديدة، غير الأمة التي أراد محمد أن يبنيها، سببه إلى حد كبير وسبب أساسي فيه ماذا؟ ضعف إيمان ووعي من هم محسوبون على أنهم جند للحق، من هم محسوبون على الحق، محسوبون على الدين، محسوبون على الجهاد، محسوبون على أنهم مع الإمام علي -عليه السلام-، ومع أهل البيت .. ضعف إيمانهم، ضعف وعيهم، قصور وعيهم، كان سبباً كبيراً لسيطرة بني أمية، لغلبة بني أمية، لتمكين بني أمية”..
ويضيف السيد القائد، في سرد الأحداث والوقائع التي كانت سبباً لتخلف الأمة وانتصار دولة البغي قائلاً : “لماذا انتهت معركة صفين دون هزيمة معاوية، وقد كانت مؤشرات هزيمته بدأت؟ عندما تخاذل أولئك الجنود من صف الإمام علي وتحت رايته ..
لماذا وقد تحرك الإمام الحسن ليواصل المسيرة، مسيرة والده الإمام علي فآل الحال إلى أن يقف مقهوراً ويأخذ ما يمكن من الشروط لتأمين مجتمع أهل العراق، عندما تخاذل أصحابه، الإمام الحسين آلت قضيته إلى أن يقتل في كربلاء، بسبب ماذا؟. تخاذل أصحابه “.
ولتوضيح أسباب ونتائج هذا التفريط المشين، وهذا التخاذل، يضيف السيد القائد : “نلحظ نتيجة التخاذل، نتيجة تخاذل من هم في صف الإمام علي -عليه السلام – ، التخاذل وهم في صف الإمام الحسن، التخاذل عن الإمام الحسين .. ما الذي يصنع التخاذل؟ ما الذي يجعل حتى من هم محسوبون على الإيمان والجهاد والتشيع .. ما الذي يجعلهم متخاذلين؟ ما هو السبب الذي يجعل الأمة تتخاذل؟ السبب واضح.
التخاذل الذي يصنعه ضعف الإيمان، قلة اليقين، انعدام الوعي.
هذه النتيجة، التخاذل يصنعه ضعف الإيمان، التخاذل ظاهرة سلبية جداً، ظاهرة خطيرة جداً، عندما نلحظ في واقع أهل الباطل، في واقع المجرمين، من أهم عوامل قوتهم، اجتماع كلمتهم وتحركهم الجاد مع الباطل، يتحركون باهتمام، وباهتمام كبير، بجد وهم مع الباطل وعلى الباطل، والدوافع التي تدفعهم لتحركهم في معظمها دوافع لا تساوي شيئاً أمام الدوافع الإيمانية، يعني: نلحظ مثلاً حتى على مستوى واقعنا كان الحافز الكبير لكثير ممن كانوا يتحركون في صف الباطل ويقاتلون بكل جد حوافز مادية “.
• إذن فالحوافز المادية، كما بيَّن السيد القائد، والتي لن يخسروها إن تحركوا مع الحق، هي من هيّاً الساحة ليحكمها زعماء الباطل وملوكه، فراعين العصر وجبابرته.
• لماذا يتصور البعض أن الحديث عن مولاة أهل البيت هو العنصرية والسلالية – كما يزعمون -؟!! أليست العنصرية بارزة في كلامهم، أليست السلالية تأتي ممن يلصقونها بمن يوالي آل البيت، لماذا يرون أحقيتهم في الحكم، وعدم أحقية آل البيت في ذلك ؟!!.. أليس لأنهم اقصائيون، بل هم ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، فيفضلون مولاة اليهود والنصارى على موالاة آل البيت، أو حتى المؤمنين بسكل عام، مقابل السلطة والنفوذ والمال.
كربلاء اليوم .. اليمن مثالاً
• إن ما يتعرض له اليمن اليوم، ومنذ ست سنوات وأكثر، من عدوان سافر وحشي، دعت إليه كبرى دول العالم، وشاركت فيه معضمها، وتبنته دول شقيقة، تدَّعي الإسلام، وتحكم بإسمه، إنما هو كربلاء جديدة، حجبت فيه الحقائق، وكممت الأفواه، وشغلت أبواق التحشيد والدعاية العالمية، عبر كافة وسائل الإعلام، ليبقى المجتمع الإسلامي في حالة المتفرج، والمشارك، ولو بصمته، حتى تخفت نبرة الحق، التي بصرختها المباركة المنطلقة من ( مرّان )، زلزلت عروش الطغيان وأقلقت ملوك الإفك والجبروت البشري الأرعن، لا لشيء سوى لبقاء الحكم وأزمته وثروات الشعوب ومقدراتها ومستقبلها في أيديهم، ولذلك انطلى على الغالبية هذا التشويه المتعمَّد الذي أطلقوه ضد من يمكنه أن يخرج الأمة من واقعها المستلب المريض التابع الخانع، إلى فضاء الحرية والإنعتاق والبناء والتشييد والتطوير، وامتلاك مقدرات الأمة وصنع مستقبلها.
تشويه صورة الغدير عبر التاريخ
• كلنا نعرف ما كان يُشاع عن يوم الغدير من ترهات وأقاويل باطلة لا ترقى إلى أن تنطلي على ذي عقل سليم، فألصقت به تهم لا تمر سوى على الجهلة، من اختلاط وإطفاء الأضواء وغيره مما لا يطيقه مسلم ولا ذو فطرة سليمة ..
وبالأمس القريب، قبل وأثناء إنطلاق العدوان، وحتى الآن، ما أُطلق من تهم ضد من يرفع الصرخة بالتبعية لإيران وإعادة الإمامة ثم ما اتهم به الشعب اليمني بأسره، الذي وصفه الرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله وسلم” بالإيمان، من أنه “مجوسي” .. كل ذلك لتظل أزمّة الحكم بأيدي أتباع اليهود والمشركين، بأيدي أمريكا وإسرائيل وحلفائهما .. ونعلم جلياً من أنشأ الدولة السعودية وفي أية ظروف أُنشئت ولماذا أُنشئت، لقد أنشأتها الماسونية العالمية بأيدي السكسونية البريطانية، تزامناً مع “وعد بلفور” بإنشاء وطن قومي لليهود في أرض “فلسطين” لتكون الحامية لدولة الكيان والخط الدفاعي الأول لها، ولذلك كان الملك عبدالعزيز أول المعترفين بدولة إسرائيل، بقوله : ( أعلن أنا الملك عبدالعزيز اعترافي بدولة إسرائيل في فلسطين أو في أي مكان تقترحه بريطانيا التي لن أخرج عن أمرها إلى قيام الساعة ) .. وقوله ” أو في أي مكان تقترحه بريطانيا… ) يقودنا إلى أن موافقته واعترافه قد تجاوزا حدود فلسطين حتى ولو كان في أرض الحرمين الشريفين نفسها.
• هؤلاء هم امتداد دولة بني أمية، أتباع أعداء الأمة الإسلامية، الذين لا يبالون بشعوب الأمة ولا بمقدساتها ما دامت دول الكفر تضمن لهم الجلوس على الكراسي، فما هم إلا وكلاء وعملاء ومنفذون لمشيئة دول الإستكبار العالمي وهم في سبيل ذلك يبذلون كل شيء، من كرامتهم الشخصية إلى كرامة أمتهم ويبذلون دينهم ومقدسات الأمة وثرواتها ومستقبلها، لأولئك الذين يهيمنون عليهم ويسيِّرونهم كالدُّمى ولاستمراريتهم بالحكم يعملون على تضليل الأمة باصطناع عدو وهمي، يلهي الأمة عن العدو الحقيقي..
عصر الصرخة وانكشاف الحقائق
وبتقهقر وانحسار الوعي المجتمعي، تهيّأ لهذه الفئة أن يحكموا وأن يقمعوا الشعوب وأن يقمعوا الفكر المستنير وأن يتوِّهوا الأمة عن دينها ومبادئها، حتى أتى عصر انكشاف الحقائق، العصر الذي ما كان ليماط عنه القناع لولا الصرخة، صرخة الحق، صرخة حسين العصر، صرخة الشهيد القائد / حسين بن بدر الدين “رضوان الله عليه”.
• هنا نعود إلى ما بدأنا به الحديث، ونطرق أبواب المعالجات، وأولها ما أكد عليه السيد القائد في أكثر من محاضرة وهو الوعي الوعي .. ” البصيرة البصيرة” كما أطلقها الإمام (زيد بن علي بن الحسين السبط) رضوان الله عليهم، الوعي بالإضافة إلى ضرورة تمسك الأمة بحقها، حقها في أن يحكمها من هم من أوساطها، يُعَبِّرون عن آمالها وتطلعاتها، ويَعبُرون بها إلى شط الأمان، من التبعية والإرتهان، من الذلة والخنوع لجبابرة العصر وشياههم ملوك وأمراء وزعماء الأعراب وأتباعهم من عُبَّاد الريال والدولار.
خاتمة شعرية
ولنا فيك يا حسينُ مثالُ
ذهب الكيدُ وانتهت آجالُ
جاء وقت انتصارِ ثورتكَ الأُمِّ
ودارتْ بفُلكِكَ الآمالُ
هاهو الحقُّ ?ذْ تحرَّكَ يطويْ
باطلاً طالَ فاستطالَ الوبالُ
هاهي الصرخةُ التي زلزلت كلَّ
عروشِ الطغاةِ دالتْ فزالوا
هاهو القائدُ الذي كم طمحنا
أن تُواتي به الرؤى، والرجالُ
هاهو الوعي والبصيرة قاما
في قلوب الورى، فزال المُحالُ